الأربعاء، 1 مايو 2019

التعصب المزعج




كثير من النكات على الطريقة الغربية تبدأ برجل يدخل إلى بار ثم يحدث الموقف.. والآن، يحكى أن ملحدا ونسويا ونباتيا ومناصرا للبيئة دخلوا معا إلى بار، كيف عرفنا أنهم كذلك؟ لأنهم بعد ثواني أخبروا الجميع بأنفسهم..

كنت أتساءل لماذا البعض يكره تلك الفئات الأربعة كالجحيم، رغم أنهم - بالعادة- ينطلقون من فلسفات إنسانية راقية، كما أنهم - بالعادة- لا يؤذون أحدا، فلماذا الغضب منهم؟

لو كنت منحازا لصالح الملحدين أو النسويين أو النباتيين أو أنصار البيئة فقد تقول أن الجواب يكمن في المنطلقات الإنسانية ذاتها، فأولئك الأشخاص يذكرون البعض بأنه مايزال يتبنى أفكارا وممارسات سيئة (خرافية أو افتراسية أو ذكورية أو تلويثية) ولهذا يكرههم الناس بلا وعي..

ولو كنت منحازا ضد تلك الفئات فستقول أن السبب يكمن في النكتة المذكورة، والمغزى باختصار أن أولئك الأشخاص- بالعادة- يحملون انتماءاتهم كلافتة مزعجة يحشرونها في آذان كل من يقابلهم..

التعصب يصعب تعريفه بدقة، ولكنه بنظري يحمل سمات معينة، منها أن صاحبنا يحمل أفكارا راديكالية صدامية، وغالبا تكون أفكارا جماعية لا فردية، أي أنه يعبر عن فئة ينتمي لها ويدافع عنها، سواء كانت بلدا أو دينا أو حتى نادي كروي، وهو غير مستعد للنقاش برحابة صدر، وفي أسوأ الأحوال هو راغب في التدخل في حياة المخالفين أو إجبارهم على نمط حياة معين..

ولكن لا يشترط أن التعصب يكمن في الفكرة ذاتها، فقد تكون الفكرة جيدة ولكن التعصب يكون في ممارسة التعامل مع تلك الفكرة، فبعيدا عن التطرف الراديكالي الخطر نجد أن من أهم سمات التعصب في الحياة اليومية أن تتبنى فكرة معينة بكل حماس- بل هوس- وتصر على حملها معك ورفعها في وجه الناس في كل وقت، بغض النظر عن الظروف والسياق ومدى تقبل الآخرين للنقاش أصلا - وهو أمر سخيف فعلا مهما كانت الفكرة ذاتها صحيحة وإنسانية..

لو صادفت هذا النمط فستتذكر  كم هو مزعج كالوباء، الذي يؤمن بدين أو أيديولوجية أو فلسفة جماعية، أو حتى فكرة فردية تفصيلية محددة تتعلق - مثلا- بضرورة تخفيض جمارك السيارات، فتجده لا يكاد يتحدث إلا عن فكرته، فيقدمها بشكل أحادي ويصر على حشرها بكل موضوع أيا كان، فلو كان الحديث يدور حول التكنولوجيا فسيقول الأخ أن من أروع المخترعات على الأرض هي السيارات التي ينبغي خفض جماركها، ولو ذكر أحدهم كثرة تكاليف الزواج فسيقول هو أنه يمكن توفير المال للزواج لو تم تخفيض جمارك السيارات، ولو تكلم أحدهم عن الديانة البوذية فسيقول صاحبنا أن البوذية تدعو إلى التصالح مع النفس وهو أمر مستحيل الوصول إليه مع التوتر الذي يصيبنا الإرتفاعات الفاحشة في الجمارك، ولو كان النقاش حول سورة يوسف بالقرآن فسيتطرق فورا إلى الآية التي تقول "وجاءت سيارة"، مما سيذكره بالجمارك..إلخ..
ولتجنب ذلك ربما ينبغي أن نرفع السعادة والعلاقات الإنسانية فوق الأفكار والعقائد، وأن نتذكر أن أروع ما في الحياة أننا- غالبا- بشر عاديون، فلسنا قادة سياسيين ولا وكلاء مبيعات ولا روبوتات مبرمجة، لحسن الحظ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق