الأربعاء، 1 مايو 2019

الإعجاز بكلام أبي العلاء



يقول الشاعر العباسي المتوفي في القرن الحادي عشر:

(والّـذي حـارَتِ الـبَرِيّةُ فِـيهِ - حَـيَوَانٌ مُـسْتَحْدَثٌ مِـن جَمادِ)

والمقصود هو الإنسان، وفي البيت إعجاز علمي رائع، حيث أثبت العلم اليوم أن الإنسان أصله حيواني، ويتشابه في التشريح مع سائر الثدييات، ويتشارك معها بنسب عالية في الحمض النووي، وحسب نظرية التطور (التي وضعت في القرن التاسع عشر، أي بعد أبو العلاء بثمانية قرون) فإن الإنسان قد نشأ من سلف حيواني..

وأما حسب نظريات نشأة الحياة، الأبيوجينيسس، فإن جميع أنواع الكائنات نشأت من سلف مشترك أحادي الخلية، والذي بدوره نشأ عن مركبات كيماوية عضوية - جماد..

وبذلك يكون المعري قد سبق داروين، ووصف أصل الإنسان بشكل علمي يتوافق تماما مع النظريات الحديثة، وبشكل مختصر معجز بلاغيا..

لكن الإعجاز لا يقف هنا، وإنما نلاحظ أنه صاغ بيته الشعري بحيث لا يبدو متعارضا مع النصوص الدينية السائدة في زمنه، فالحيوان لغة هو كل شيء حي، وبذلك يكون المعنى الظاهر أمام العوام أن الإنسان كائن حي، وهو شيء معروف، وأنه مخلوق من جماد وهو الطين، كما ذكرت الكتب الدينية..

فهل يعقل أن هذا من كلام البشر؟

نعم هو من كلام البشر، ومن الحماقة أن نتجاهل المعارف الإنسانية لدى الشعوب القديمة، ونقتطع نصا من سياقه لنلبس عليه معاني علمية من سياق مختلف..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق