الأربعاء، 1 مايو 2019

لماذا صرت ملحدا


من الإيمان إلى الإلحاد في 36 خطوة..


هذه محاولة مني للإجابة عن السؤال، بطرح مختصر للنقاط التي جعلتني أعيد النظر وأغير موقفي من الأديان..
مع ملاحظة أن العرض بالطبع سيكون أكثر تنظيما - وربما مللا- من الرحلة الواقعية، التي تتضمن تقلبات وصراعات نفسية وتجارب شخصية تأخذ وقتها حتى اللحظة المناسبة..

1- الأسئلة
تبدأ بطرح الأسئلة الوجودية الكبرى : كيف نشأ الكون؟ وكيف جئنا إلى الحياة؟ وماذا بعد الموت؟ وكيف ينبغي أن نعيش؟ وكيف نتيقن من أي حقيقة؟

2- الإجابة الدينية
أول إجابات - عادة - نتلقاها من الدين الذي ولدنا عليه: فالله هو من خلق الكون، كما خلق البشر لكي يعبدوه، أو لأنه يحبهم.. وأما مصيرنا بعد الموت فيتوقف على مدى إيماننا بالإله وطاعتنا لتعاليمه في الحياة، والتي تجسد الحق والعدل والخير، ممثلة في النصوص المقدسة التي جاء بها الأنبياء - وهكذا تم إجابة جميع الألغاز دفعة واحدة بتلك القصة اللطيفة.. 

3- الشكوك
لكنك قد تبدأ بطرح المزيد من التساؤلات حول ذلك السيناريو الديني ذاته : ما الله؟ ولماذا يحتاج الكامل إلى الخلق؟ وما سبب وجود الشرور والآلام؟ ولماذا الله يعاقب البعض بعذاب أبدي فقط لأنهم لم يؤمنوا به؟ وكيف أعرف أن ديني هو الصحيح؟ وما الدليل على صحة القصص الديني أصلا؟ بالإضافة إلى وجود مشاكل عديدة في النصوص المقدسة على المستوى المنطقي والأخلاقي والعلمي - وهي مشاكل يسعى أتباع الأديان للرد عليها، سواء بالحجة أو بالتلاعب العاطفي على مشاعر الخوف والجهل والعجز الإنسانيين..


4- البدء من جديد
إن لم تقنعك إجابات أهل الدين فهنا قد تحاول- مخلصا- إزاحة الموروث والبدء من الصفر، ولكن هل نبدأ من الأسئلة الوجودية أم من الإجابات الدينية؟ لو بدأنا من الجانب الوجودي الغامض فقد نظل أسرى الإجابات الوحيدة المتاحة أمامنا، وهي الأديان، فيضطرنا العجز والجهل للإستسلام لهذا السيناريو المحفوظ والموروث.. فربما إذن يكون البديل الثاني أفضل: محاولة تقييم الإجابات الدينية أولا، فلو كانت صحيحة فليكن، ولو كانت غير ذلك نكون قد تخلصنا من الإجابات الخاطئة، وبعد ذلك نحاول إعادة التفكير في المسائل الوجودية بحرية..

5- أديان لا دين
يوجد على كوكبنا الآلاف من الأديان والمذاهب، تختلف حول كل شيء تقريبا، ويدعي كل منها امتلاك الحق حصرا وأن الأخرى زائفة أو محرفة، وبسبب تناقضها لا يمكن أن تكون كلها على حق.. وهكذا نجد المؤمن بدين معين يعترف بأن البشر قاموا بصياغة آلاف الأديان (الأخرى) وكتبوا العديد من الكتب المقدسة (الأخرى) مما يستدعي سؤالا: أليس هناك احتمال أن دينك وكتابك أيضا بشريين مثل هؤلاء، وأنك - مثلهم- اقتنعت به فقط بدافع الوراثة والشحن العاطفي وغسيل الدماغ؟


6- الأصل
لعل جميع الديانات لها أصل مشترك نابع من طبيعة البشر: أحلامهم ومخاوفهم وأحوالهم الإجتماعية والسياسية، فمنذ القدم يبدو أن الإنسان قدس كل ما يؤثر فيه، مثل مظاهر الطبيعة التي حسبها شخصيات ترضى وتغضب (الإحيائية)، ومثل الأجداد الذين حسب أن وجودهم يستمر بشكل روحاني بعد الموت، في الذكرى والأحلام (تقديس الأسلاف).. وهكذا صار لكل قبيلة رموز مقدسة (طوطم) هم أجداد عظماء تجسدوا في عنصر طبيعي أو حيوان، وهي الصورة الأولى للآلهة، كما ولدت الطقوس البدائية والسحرية - مثل الصلوات والقرابين التي يشرف عليها ساحر القبيلة- كمحاولة لاسترضاء تلك الأرواح..


7- الوثنية
من تلك العناصر البدائية (الإحيائية وعبادة الأسلاف والطواطم والسحر) جاءت المرحلة التالية وهي الوثنية، حيث نجد مئات الآلهة في مصر والعراق والهند واليونان وغيرها، في شكل أنصاف بشر وحيوانات وعناصر طبيعية، والأرجح أنها ترجع لأسماء حكام ملكوا البلاد قديما، وكان لتلك لآلهة زوجات وأبناء، وكانوا يولدون ويكبرون ويتصارعون ويموتون أحيانا.. وهكذا صار لكل مدينة آلهتها وكهنتها ومعابدها وطقوسها، وحين اتحدت تلك المدن صار إله العاصمة هو الإله الأهم، بينما صارت الآلهة الأخرى بمثابة مساعدين - أو أعداء- له، وتكفل الكهنة (وهم خلفاء سحرة القبائل) بتأليف الأساطير، وهي حكايات مشوقة تخدم تلك التراتبية وتبرر الطقوس..


8- التوحيد
في منطقة الشرق الأوسط توسعت الدول لتصبح إمبراطوريات مركزية، وكانت النتيجة أن مكانة الآلهة الثانوية للمدن استمرت في التراجع لصالح إله العاصمة الأكبر، حتى صارت مجرد تجليات له، وهكذا ظهرت نزعات توحيدية في ظل إمبراطوريات مصر والعراق وفارس، حتى سيظهر التوحيد الصارم في مشروع إمبراطوري صغير لبعض القبائل الكنعانية: اليهود.. وأما في أماكن أخرى فقد ظهرت أفكار مختلفة، مثل وحدة الوجود الهندوسية (الكون هو الله) أو حتى أفكار تتجاهل الله تماما (مثلما في البوذية والجاينية الهنديين، وفي الكونفوشية والطاوية الصينيين) أو القول بوجود إلهين، واحد للخير\النور والثاني للشر\الظلام (مثل الديانات الثانوية في فارس)..


9- اليهودية
في كنعان وجدت العديد من القبائل والممالك والأديان والآلهة الوثنية، بعضها أصوله من مصر أو العراق، وفي مرحلة ما - بالقرن السابع ق.م، ولأسباب سياسية - ظهر تحالف قبلي طموح حول مدينة القدس، مما استلزم صياغة عقيدة موحدة تدعم ذلك الحلف، فقام الكهنة بانتقاء عقائد وطقوس وشرائع ورموز مقدسة وقصص محلية متنوعة تنتمي لتلك القبائل، وجمعوها معا في كتاب مقدس (التوراة) مع التركيز على إلهين محليين - إيل ويهوه- والذين تم دمجهما معا ليصيرا إلها واحدا، وهكذا ولدت الديانة اليهودية، والتي تحمل عناصر مصرية (مثل التوحيد والختان وتحريم الخنزير) وعناصر عراقية (مثل قصص الخلق والطوفان والعطلة الأسبوعية)، ولاحقا سوف تستمد عناصر أخرى من الفارسية (مثل الملائكة والشياطين والمخلص المنتظر وقيامة الموتى)، وتم صياغة تاريخ أسطوري يخدم تلك العقيدة وذلك الحلف..


10- المسيحية
بعد سقوط مملكة إسرائيل ظل اليهود يحلمون بقدوم ملك قومي (ممسوح بالزيت- مسيح) يعيد إليهم أمجادهم، وهو الدور الذي حاول الكثيرون لعبه، وكان منهم داعية يهودي عاش بالقرن الأول يدعى يسوع، وتبعه عدد من اليهود حتى تم صلبه، مما جعل الأكثرية يعتبرونه مجرد مسيح زائف فاشل آخر، ولكن بعد ذلك ادعى أتباعه أنه قام من الموت مرة أخرى، وسعوا في نشر تلك الدعوة بين غير اليهود من خلفيات يونانية ورومانية، وهكذا ولدت المسيحية حيث انفصلت عن اليهودية الأم واختلطت بالوثنيات، وقام الداخلون إليها بإسقاط الشريعة والختان وتقديس السبت (الذي تم استبداله بالأحد، يوم الشمس) كما تمركز الإيمان بها حول رمز هجين يهودي وثني، فهو بشر ابن داود، لكنه ابن الله، وهو واحد لكنه ضمن ثالوث على النمط الوثني، وقد كتبت عدة سير لحياته (أناجيل) باليونانية تم انتقاء بعضها لتصبح كتابا مقدسا للدين الجديد، إلى جوار الكتاب اليهود الذي صار اسمه "العهد القديم" - ثم مع اعتناق بعض الأباطرة الرومان لتلك الديانة انتشرت بشكل عالمي ولاقت حظا أكبر من أمها المحلية، وقامت بالقضاء على الديانات الوثنية المحلية بشكل عنيف وممنهج..


11- الإسلام
لكن ظلت بعض الفرق الكتابية واقفة في المنتصف بين الأصل اليهودي والفرع المسيحي، فهم يؤمنون بمسيحانية يسوع، وبنفس الوقت يتمسكون بالشريعة اليهودية والختان ويحلمون بالعودة إلى القدس حاكمين، وتعرضت تلك الفرق النصرانية والإبيونية للإضطهاد الروماني فهاجروا إلى الجزيرة العربية حيث احتكوا بالوثنيين العرب وعلموهم التوحيد والنسب الإبراهيمي وتحالفوا معهم، وكان من تلاميذ النصارى تاجر يدعى محمد، سرعان ما التقط الخيط وادعى أنه النبي المنتظر الذي جاء يبشر بعودة المسيح، وسعى لنشر دعوته بين قبائل العرب مما منحه قوة عسكرية متنامية، وبعد أن رفضه اليهود بدأ يتحول إلى تقديس كعبة العرب الصحراوية والمنسوبة لإبراهيم، ثم مع تبدل موازين القوى تراجعت الإمبراطوريتين الفارسية والبيزنطية، وبرز نجم العرب بدينهم الجديد، وفي العصر العباسي سيتم صياغة التراث الحديثي والفقهي والتفسيري، وهكذا ولد الإسلام..



12- شجرة الديانات
والخلاصة أن المسيحية والإسلام هما في الأصل مذهبان يهوديان انفصلا عن الدين الأم، واحد بصياغة رومانية والثاني بصياغة عربية.. وفي الحالات الثلاثة يمكننا ملاحظة قوة العلاقة بين الدين والسياسة، ومدى قدرة التوحيد الديني على دعم المشاريع الإمبراطورية بضمان جمع القوة الروحية في قبضة كهنوتية واحدة، فلا عجب أن الشعوب الغازية قامت بفرض إلهها الواحد على الشعوب المغزوة.. مع ملاحظة أن الديانات المذكورة هي التي سادت واشتهرت، ولكن بجانبها كانت هناك عقائد أخرى انتشرت قديما ثم ذوت، مثل الميثرائية والمانوية والمزدكية والصابئة، وحتى عصور حديثة ظلت الديانات والنبوات الجديدة تظهر، مثل البهائية والقاديانية في فارس والهند، ومثل المورمونية في أمريكا، وغيرها، وذلك ناهيك عن تعدد المذاهب داخل كل دين، مما يجعلنا أمام آلاف وربما مئات الآلاف من الطوائف على الكوكب..


13 - الأديان ثقافات بشرية
وهكذا يمكن القول أن كل الديانات تقتبس عن بعضها، وأن جميع العناصر الموجودة في اليهودية والمسيحية والإسلام وغيرها (مثل الله الواحد والملائكة والشياطين والجنة والنار وقصص الخلق والطوفان والأنبياء، وكذلك جميع الطقوس والشرائع والأعياد..إلخ) هي منقولة عن أصول وثنية في مصر والعراق وسوريا وفارس.. وبينما يدعي بعض المؤمنين أن جميع الأديان أصلها واحد (الوحي الإلهي) وأن ذلك هو سبب التشابهات فيما بينها، إلا أننا نلاحظ أن الديانات تتشكل حسب البيئة والزمان، فديانات البدو تختلف عن ديانات الفلاحين وهكذا، كما نلاحظ أن الأديان تتشابه كلما تقاربت جغرافيا وزمنيا، فمثلا اليهودية تشبه ديانات مصر والعراق وفارس، أي المناطق التي نشأ اليهود وسطها، ولا تشبه ديانات استراليا مثلا، كما أن المسيحية تشبه اليهودية والديانات اليونانية\الرومانية التي تبلورت جوارها، ولا تشبه ديانات الهنود الحمر البعيدة، كما أن الإسلام يشبه المسيحية واليهودية والوثنية العربية القريبة منه، ولا يشبه ديانات الصين البعيدة، وهكذا فنمط تشابه الديانات يجعلنا نقول أنها ثقافات تنشأ وتتطور وتقتبس عن بعضها، وذلك يفسر الأمر بأفضل مما يفسره افتراض وحدة مصدر مزعومة.. 


14- تاريخية الدين
من الناحية العلمية والتاريخية لا يوجد أدنى دليل على وجود شخصيات وأحداث التراث العبراني مثل آدم ونوح وطوفانه وسام وحام وأيوب ويونس وإبراهيم ولوط ويعقوب وإسحاق ويوسف وإخوته وموسى وهارون وخروجهما وسليمان ومملكته..إلخ، وقد اجتهد الآثاريون والباحثون المؤمنون في إيجاد حجر واحد يؤكد تلك الأحداث دون نجاح، بل واكتشفوا مع يعارض تلك الأحداث ويكذبها، فهي ساقطة تاريخيا كما هي ساقطة منطقيا.. بالإضافة إلى أن كثير من قصص أولئك الأنبياء يتشابه بشكل كبير مع أساطير أقدم بالمنطقة، مما يوحي أننا أمام خرافات مقتبسة عن بعضها، وربما بعضها يعكس شذرات من تاريخ حقيقي تم تشويهه والمبالغة فيه وإضافة الخرافات إليه، بغرض خدمة أغراض قومية ودينية محلية..


15- تصور الأديان للكون
من أبرز علامات بشرية النصوص الإبراهيمية المقدسة هي صورة الكون التي تقدمها لنا، والتي تبدو متشابهة تماما لتصور الوثنيين القدامى للكون، فالأرض - في آيات التوراة والأناجيل والقرآن- هي قرص مسطح له أطراف، وأما السماء فأشبه بسقف صلب أو بناء مرفوع كالخيمة فوقنا، ترصعه مصابيح ملتصقة به هي الشمس والقمر والنجوم، والتي تدور حول الأرض فتشرق وتغرب تحتها (في عين حمئة مثلا)، ثم نجد فوق السماء ربما تكمن سماوات أخرى، بأعلاها يوجد الله نفسه جالسا على عرشه محاطا بالملائكة، وهو المكان الذي زاره أكثر من نبي صعودا في رحلات معراجية يمر فيها عبر أبواب تفتح في السقف السماوي الصلب، ونجد أنه يوم القيامة سيتم تمزيق تلك الخيمة السماوية وتدمر الشمس والقمر وتسقط النجوم على الأرض، ويظهر الله نفسه ليشرق بنوره على الخلق، محمولا على عرشه الطائر تحمله الملائكة المجنحة، ليقيم الموتى ويحاسب البشر..


16- خرافات الأديان
وكما أن النصوص الدينية تمتلئ بالأخطاء التاريخية والمغالطات المنطقية وبالتناقضات الداخلية، فهي كذلك تتناقض بشدة مع المكتشفات العلمية التي توصلنا إليها، مثل زعمها بأن البشر مخلوقين من طين، أو أن الإنسان يخلق من نطفة دون ذكر لدور بويضة المرأة، أو أن تشكل العظام يسبق تشكل اللحم، أو أن الأرض- بل النباتات- خلقت قبل الشمس، أو أن كل شيء مخلوق من زوجين، أو أن الجبال أوتاد تثبت قشرة الأرض، أو أن هناك حشرات تمتلك أربعة أرجل، أو أن الأرنب يجتر، أو أن الحمير والنمل تتكلم، أو أن الحيتان يمكنها ابتلاع البشر أحياء، أو أن القلب هو مركز التفكير والتعقل، أو أن السماء تحتوي جبالا من الثلج، أو أنه لا عدوى، إلى غير ذلك من الأخطاء العلمية الواضحة، ناهيك عن مزاعم الخوارق والمعجزات التي لم يكن المؤمن ليصدقها لولا أنها وردت في كتابه المقدس، ولعله لا يدري أن أكثرها منقول عن خرافات القدماء.. وفوق ذلك فالدين يضرب المنهج العقلاني نفسه في مقتل، حين يتصور أن عالمنا نشأ ويدار بواسطة قوى سحرية غيبية هي فوق المادة وفوق المنطق..


17- لا إعجاز علمي بالأديان
وأما محاولات البعض لاستخراج آيات علمية من الكتب المقدسة، فهو دجل يقوم على الكذب أو التلاعب باللغة لمنح الكلمات معاني جديدة لم ترد عند القدماء، ولو كان هناك إعجاز حقا لتمكن أهل الدين من الوصول إلى النظريات العلمية قبل الكفار، وهذا ما لم يحدث ولو مرة واحدة، وإنما ما يحصل هو أن المؤمنين ينتظرون بكل كسل ظهور النظرية العلمية، ثم يسارعون بتلفيق لها أي نصوص تبدو ملاءمة من كتبهم - مع ملاحظة أن تلك المحاولات نفسها هي اعتراف ضمني بإفلاس الدين وتفوق العلوم الطبيعية، بدليل أن المؤمن صار يبحث عن دعم لمقدساته الإلهية في أروقة المكتشفات العلمية البشرية..


18- الأخلاق الدينية
يزعم البعض أن الأديان تحض على الأخلاق وتؤدي لتماسك المجتمع، ولكن بتأمل بسيط يمكن ملاحظة أن الأخلاق الدينية ليست سوى عادات القدماء، فقد لاحظ البشر منذ زمن أن القتل والسرقة والتخريب والفوضى الجنسية هي أمور تضر بالمجتمعات، فقاموا بتجريمها أو تنظيمها، ثم وجد ذلك المنع طريقه إلى تعاليم الأنبياء، فالأديان عكست الأخلاق الموجودة ولم تخترعها.. وعلى الجانب الآخر نجد أن الأخلاق الدينية فاسدة تتسم بعدة سمات سلبية، فهي أخلاق متضاربة (كل دين له منظومته الأخلاقية التي تعارض أختها) كما أنها أخلاق انتهازية (فالمؤمن يفعل الخير خوفا من عقاب الله وطمعا في مكافأته، حسب سياسة العصا والجزرة الجديرة بحيوانات السيرك وليس ببشر أحرار عقلاء)، وهي كذلك أخلاق محلية ذاتية (فقد تجد دينا يحرم القتل والسرقة والإغتصاب داخل مجتمعه، ولكنه يبيح تلك الأمور في الحروب الجهادية حين توجه للأعداء، ويسميها بغير أسماءها) - وفي ثنايا النصوص الدينية نجد أوامر بالقتل والتخريب والغزو، كما نجد عقوبات قاسية همجية، أحيانا على مخالفات بسيطة تافهة، كما أننا لا نجد أن هناك دين واحد قام بتحريم العبودية واسترقاق البشر، وفوق ذلك نجد احتقارا كبيرا للمرأة التي توصف بالنقص والتبعية والنجاسة والفتنة..إلخ، وهذا ينطبق على الديانات الشرقية (كالبوذية) كما ينطبق بالطبع على اليهودية والمسيحية والإسلام، والخلاصة أن أكثر الأخلاقيات الدينية لا تصلح لعصرنا، هذا إن سلمنا بأنها كانت تصلح لعصرها..


19- عبثية الإختبار و"العدالة" الدينية
ومن أبرز السمات التي تدل على عبثية منظومة العدل في الأديان، خاصة الإبراهيمية، هي أنها ترهن الرضا الإلهي بالإيمان قبل كل شيء، مما لا يحقق عدلا ولا يبني مجتمعا سليما، فإن كنت من جماعتنا فذنوبك مغفورة مهما فعلت، وإن كنت من الجماعة الأخرى فمصيرك العذاب الأبدي ولو كنت أفضل الناس إحسانا، وهو عذاب سادي مخيف يمتلئ بأوصاف نارية مرعبة لا تخرج من مخيلة رحيمة بل سوية.. وإن رأى البعض أن الحياة هي "اختبار" فلا أدري ما جدوى ذلك الإختبار العبثي الذي يطلب من البشر التصديق بلا دليل والإتباع الأعمى للكهنة، ويغضب ممن يتشكك أو يستخدم عقله بشكل متحرر، كما يتوقع من البشر أن يجدوا ضالتهم وسط آلاف المذاهب والطوائف المختلفة..


20- الإله الديني
أما صورة الخالق الذي تقدمه تلك الأديان، فهي صورة طاغية جبار متعصب ضيق الأفق يجلس على عرش سماوي، يحب ويكره ويفرح ويغضب ويندم ويتحسر، ثم أنه خلق ذلك الكون الواسع فقط لكي يتسلى باستعباد واحد من أشباه القرود، فيلعب معهم لعبة الغميضة، ويختبرهم بشيء هو يعرف نتائجه مسبقا، ويرضي غروره بسماع صلواتهم وثناءهم عليه وتوسلاتهم له، كما أن صاحبنا يغضب بشدة ممن يتجاهله أو يشكك في وجوده، وهي صورة بائسة لا تليق بإنسان عقلاني حكيم، ناهيك عن خالق المجرات المزعوم، وإنما هي صورة مستمدة من الحكام والملوك القدامى في المنطقة، والذين كانوا يجلسون على العروش ويطلبون الطاعة والتمجيد ويعاقبون الخونة ويحيطون أنفسهم بالخدم والكتبة ويبعثون الرسل إلى المدن برسائل تحذيرية تأمر أهلها بالخضوع والولاء للملك المركزي الواحد، لا شريك له..


21- الترقيع الديني
هي مرحلة يمر بها كل مؤمن يفكر، ويلاحظ القصور المنطقي والعلمي والأخلاقي للأديان، لكنه بنفس الوقت لا يجد في نفسه الجرأة على رفضها تماما، وذلك بسبب ارتباطه نفسيا بالموروث وكذلك عجزه عن إجابة الأسئلة الوجودية، والنتيجة أنه يجتهد في إعادة تأويل الدين ولي عنق نصوصه ليتناسب مع عقله وضميره، فتجد البعض يقول أن قصة الخلق الديني هي قصة رمزية لا يجب أخذها حرفيا، وكذلك الحال مع النصوص ذات الطابع العلمي التي تتكلم عن الكون والطبيعة، بينما يصر آخرون أن آيات القتل والقتال هي حالات خاصة يجب أخذها في سياقها وعدم تعميمها، وتصل المسألة بالبعض إلى إنكار عذاب الجحيم - والنتيجة أننا أمام إعادة صياغة كاريكاتورية للدين بحيث يتم تفريغه من مضمونه بشكل لم يقل به أصحاب الدين ومؤسسيه الأصليين، وهي كذلك اعترافات ضمنية بأن الدين - في حالته الأصلية- لا يصلح للعصر، ولا يتلاءم مع العقل والضمير..


22- الأديان تأثيرها سلبي
الأديان - بتعريفها الشامل- هي منظومات تفكير وحياة القدماء، ولا يمكن القول بأن كلها شر، بل ولا يمكن إنكار دور الأديان في الحفاظ على تماسك بعض المجتمعات وفي منح الناس الراحة والطمأنينة للناس في أوقات الصعاب، ولكن هذا لا يمنع أن تلك المنظومات -خاصة الإبراهيمية- روجت للخرافات داخل المجتمع، وقامت بتعطيل العقل الحر والبحث العلمي، وعادت الحريات ورسخت للدكتاتورية بأن جعلت الشعوب لعبة في أيدي الكهنة والحكام، وأوقعت الناس في خلافات تافهة نتيجة الإيمان الغيبي وتقديس النصوص، خاصة مع غموض تلك النصوص وإبهامها، كما أنها وقفت بشدة في طريق التعايش والتعددية المجتمعية والمساواة بين البشر ومنح العبيد والنساء والأقليات حقوقها، كما أن كثير من الحروب والفتن الطائفية قامت - أو تضخمت أو طالت- بسبب وجود العنصر الديني فيها، ولا شك أن الحكومات الدينية جسدت أسوأ الأنظمة التي عرفها البشر، كما لا شك أن التحرر من سلطة الأديان يساهم في تقدم المجتمعات سياسيا واقتصاديا..


23- الأديان تستحق السخرية
هذه ليست حجة منطقية بقدر ما هي خطوة نفسية مهمة، فتلك الأديان التي تعطل العقل والأخلاق وتعادي قيم العلمية والتسامح والتعايش وحتى السعادة، هي لم تنتشر إلا بدعم السلطات السياسية، ثم استمرت في العيش ليس لأنها الأكثر وجاهة ومنطقا، وإنما لأنها تتلاعب بمواطن العجز البشري، ولا تسمح لأفكار غيرها بالتواجد على الساحة، ولأنها تحيط نفسها بهالة من الرهبة والقداسة غير المبررة، فأكثر عناصر الأديان كانت بالحقيقة لتثير الضحك أو الإشمئزاز (أو كليهما) لولا أنها ارتبطت بموروث الآباء المقدس وتم إحاطتها بكهنة لا يملكون علما ولا يقدمون أي خدمة للمجتمع، ويستمدون الإحترام فقط من ارتدائهم لقبعات مرتفعة، وبالتالي فتناول الأديان وآلهتها بالسخرية هو خطوة ضرورية، ليس بغرض الإساءة أو جرح مشاعر المؤمنين، ولكن بغرض إزالة هالة القداسة المهيبة الزائفة التي أحاطت الأديان نفسها بها عبر القرون، وبالتالي تعريتها لرؤيتها في حجمها الحقيقي..


24- ماذا عن الله؟
إذا اتفقنا على بشرية الأديان فسننتقل إلى القضية الوجودية ونسأل: ولكن ماذا عن الكون والحياة، هل جاءا هكذا بالصدفة بلا خالق أو رب؟ ولكن لنطرح سؤالا مختلفا: إذا سلمنا بضرورة وجود "جهة ما" خلقت الكون والحياة، فما الذي يجعلنا نصف تلك الجهة بأنها رب أو إله؟ ولماذا الربوبي أحيانا يصف تلك الجهة بالكمال أو الخير أو الحكمة أو المحبة أو العدل، ولماذا يتحدث عنها صفة المفرد والمذكر؟ لماذا لا تكون تلك الجهة هي- مثلا- مجموعة كائنات شريرة اتفقت فيما بينها على خلق الكون؟ الجواب الوحيد أن الربوبي مايزال متأثرا بصورة الإله الديني المذكورة خاصة في الديانات الإبراهيمية، والتي هي - كما ذكرنا- مستمدة من صورة الحاكم العظيم قديما، وهذا يعني أن فكرة الإله هي فرع عن الدين، وليس العكس، وهذه نقطة غاية في الأهمية تجعلنا نكتشف أن الله لا يختلف عن آمون رع أو زيوس أو كريشنا، تلك آلهة المصريين أو اليونانيين أو الهنود، وهذا إله اليهود والعرب- وهو سبب كافي لأن نتخلص من الربوبية مع تخلصنا من الأديان، مع الإحتفاظ باحتمالية وجود جهة ما غامضة خلقت الكون..



25- تناقضات الكمال
افتراض وجود خالق كامل يخلق الكثير من المعضلات والتناقضات المنطقية: فمثلا لماذا يحتاج الكامل الحكيم إلى خلق الكون والبشر أو فعل أي شيء؟ إن كانت تحركه الضرورة فهو ناقص القدرة، وإن كان يفعل بلا ضرورة فهو ناقص الحكمة.. كذلك كيف يمكن أن يكون كامل الرحمة والعدل بنفس الوقت؟ بينما كمال أحدهما ينقص من الآخر، فلو عاقب المذنب فهو ناقص الرحمة، ولو عفا عنه فهو ناقص العدل.. وكيف يكون كامل العلم والقدرة بنفس الوقت؟ فهل يستطيع تغيير ما علم مسبقا أنه سوف يفعله؟ إن قلنا نعم فعلمه ناقص، وإن قلنا لا فقدرته ناقصة.. وكذلك هل يستطيع خلق صخرة يعجز عن حملها؟ في الحالتين نجد أن قدرته ناقصة - والخلاصة أن فكرة الكمال نفسها فكرة مستحيلة الوجود لأنها متناقضة داخليا..


26- مشكلة الشر
هي معضلة قديمة وتصلح لمخاطبة من يؤمن بإله كامل وخير، وتسير كالآتي: هل الإله يريد منع الشر ولكنه لا يقدر؟ إذن هو عاجز.. هل هو قادر على منع الشر ولكنه لا يريد؟ إذن هو شرير.. هل يريد وقادر؟ إذن من أين يأتي الشر؟، والخلاصة أن وجود الشرور حولنا: الأمراض والحروب والزلازل والبراكين هي شواهد على استحالة وجود إله كامل ورحيم وعادل وعليم.. يحاول البعض الرد على تلك المعضلة بعدة أمور: منها القول بأن تعريف الشر ملتبس، ولكن هذا غير صحيح فالشر هو الألم والمعاناة، خاصة غير الضروريين.. ويحاولون القول بأن الشر هو فقط غياب الخير، وهو تلاعب لفظي يمكن عكسه بالقول أن الخير ليس إلا غياب الشر.. ويقولون أن الشر ضروري لكي نشعر بالخير، ولكن هذا يبدو عجيبا مع وجود إله مطلق القدرة، ومطلق الخير، ويعدنا بنعيم أبدي لا شر فيه.. ويقولون أن الشر منبعه الإنسان وحريته، ولكن يفوتهم ملاحظة الشرور في الطبيعة مثل الأمراض والكوارث الطبيعية - والخلاصة أن كل محاولات الردود لا تزيل المعضلة أو تحلها..


27- الدعاء لا يستجاب
هذه من التجارب العملية البسيطة التي تحدث أمامنا كل يوم ويمكنها أن تثبت وجود - أو عدم وجود- إله قادر يراقبنا ويرعانا: ببساطة ارفع يديك إليه بالدعاء، وستجد أن النتيجة - إحصائيا- مطابقة لتوجهك بالدعاء إلى أي إله آخر، أو حتى إلى حجر أصم، فما تتمناه قد يحدث أو لا يحدث، وذلك تبعا لسهولته واحتماليته الواقعية ولضربات الحظ، فلو أنك أصبت بمرض بسيط وذهبت إلى طبيب ماهر فالأرجح أنك ستشفى سريعا، ولو أصبت بمرض خطير ولم تشرع بالعلاج فالأرجح أن أمورك ستسوء، وذلك بغض النظر عن الإله الذي تتوجه إليه بالدعاء، ويمكنك التأكد من ذلك حين ترى المؤمن يهرع إلى الأطباء قبل أن يدعو، وحين ترى الكوارث الطبيعية تصيب الجميع بلا تفرقة، وحين ترى متوسط العمر مرتفع في المجتمعات المتقدمة تقنيا وطبيا، وحين ترى الفقر والجوع والجريمة منتشرة في البلاد المنهارة سياسيا واقتصاديا، والتي أكثر سكانها مؤمنون مخلصون، ولكنك مع ذلك لا ترى أثرا لتدخل الآلهة فيها، إلا لو كانت آلهة الشر والخراب..
 

28- العالم يسير بقوانين ثابتة
اغمض عينيك وحاول أن تتخيل كونا يسير بإرادة شخص مهيمن مطلق القدرة، والآن تخيل كونا يسير بقوانين ميكانيكية ثابتة مثل الساعة المضبوطة، ألا ترى أن الصورتين تتناقضان نظريا؟ إما أن الأمور تسير حسب قرارات كائن علوي له شخصية وإرادة وأغراض، يحب ويكره ويفرح ويغضب، وإما أن الأمور تسير بخصائص طبيعية لا يسيرها عقل أو إرادة شخصية، ولا يمكن الجمع بين التصورين - وكل الشواهد تشير إلى أننا نعيش في عالم من النوع الثاني.. هذا ونجد أن كل مزاعم الخوارق والمعجزات هي ادعاءات تاريخية أسطورية أو معاصرة من قبيل الحكايات الشعبية التي يحاول كل أصحاب دين الترويج لأنفسهم من خلالها، والتي يمكن تفسيرها طبيا ونفسيا وفيزيائيا، وواقعيا لم يثبت أن قوانين الطبيعة تم خرقها ولو مرة واحدة..


29- عبث المعجزات
ولكن حتى لو سلمنا جدلا بوجود الخوارق المعجزة قديما أو حديثا، فهذا- إن صح- فلن يثبت شيئا بالحقيقة، إلا أن معرفتنا ناقصة أو أن علومنا خاطئة، وهذا لن يبرهن بالضرورة على وجود أي عفاريت سماوية، فلو فرضنا أن شخصا جاءنا فأحيا الموتى أمام أعيننا وطار في السماء وحول الماء إلى نبيذ، فما الذي سيثبته ذلك؟ أنه مدعوم من خالق الكون؟ لا، ليس بالضرورة، فقد يعني أشياء أخرى منها أن هذا الشخص ساحر ماهر أو يمتلك تكنولوجيا خارقة أو ربما جاء من المستقبل أو حتى مدعوم من كائنات فضائية..إلخ، الإحتمالات كثيرة، فالمعجزة تعني أن شيئا ما ليس على ما يرام، ولكنها لا تثبت شيئا، لأن الإثبات- بالتعريف- هو عملية منظمة ممنهجة تقوم على دراسة القوانين المعروفة، ولكن المعجزة - بالتعريف أيضا- هي خرق للنظام والمألوف، فهي تصلح للتشكيك في المعرفة ولكنها لا تصلح لإرساء معرفة جديدة، فلا يجتمعان.. هذا المعنى نجده في ثنايا النصوص الدينية نفسها، حين ترى النبي يحاول البرهنة على صحة رسالته عن طريق القيام بمعجزة، وفي نفس الوقت يحذر أتباعه من تصديق أي مدعي نبوة آخر أو مسيح دجال، مهما جاء بمعجزات، لأنها في تلك الحالة تكون سحرا أو من الشيطان - وهكذا فتصديق المعجزات لا يؤدي إلى الإيمان بالدين، وإنما الإيمان بالدين هو الذي يؤدي إلى تصدق المعجزات..


30- التطور
الحياة ظاهرة كيميائية، والكائنات الحية لم تخلق فجأة بشكل سحري، وإنما هي نشأت بشكل مبسط نسبيا وتعقدت ببطء تدريجي عبر مليارات السنين، وهذا التطور لم يحدث عن طريق سلسلة متصلة من المصادفات، وليس عن طريق مهندس مصمم، وإنما عن طريق ثالث هو آليات طبيعية، فبسبب الطفرات (العشوائية) نجد أن الكائنات تولد بسمات مختلفة قليلة عن سمات الوالدين، ثم إن الكائن الذي يمتلك سمات تؤهله للبقاء وسط ظروف بيئته ينجح في التناسل وتمرير جيناته، بينما الكائن الذي يمتلك سمات سلبية يموت (الإنتقاء الطبيعي)، والنتيجة النهائية أن الأنواع تتطور باستمرار، وتصير أقوى وأسرع وأنسب لظروفها، كما تتفرع إلى أنواع جديدة - ذلك التطور هو حقيقة علمية ثابتة تدل عليها الحفريات والتشريح والجينات، وهي مباحث مختلفة لكنها تتفق جميعا في رسم نفس الصورة التي فطن لها تشارلز داروين من قبل..


31- خرافة الروح
من الناحية العلمية فليس هناك روح وجسد، تلك الثنائية خرافة أخرى ساقطة، وإنما كل ما نشعر به ونفكر فيه هو نتاج عمل المخ المادي، ولهذا نجد أن التأثر متبادل بين الفكر والمادة، فالإشارات العصبية تحرك أطرافنا، والمخدرات تعطل عقولنا، وحدوث الألم قد يسبب لنا الحزن، كما أن الإستغراق في الحزن قد يؤدي إلى آلام جسدية، فلا فصل بين النفس والجسد كما نتوهم.. وأما الروح فهي خرافة نبعت من ملاحظة القدماء أن الميت لا يتنفس، أي أن رياح\روح الحياة، أو النفس، قد خرجت منه.. والنتيجة أن الحديث عن وجود حياة بعد الموت هو كذلك حديث غير علمي، حيث أن الوعي ناتج عن نشاط المخ، يزول بزواله..

32- الكون لا يبدو مخلوقا
لا يوجد نظام يحكم الكون كما يزعم البعض، وإنما ما لدينا هو خصائص طبيعية للأشياء، نسميها قوانين الطبيعة، وهي لا تحتاج إلى مهندس لوضعها، ولم تنتج سوى كرات صخرية ونارية تدور وتتصادم لملايين السنين بلا هدف، ولكن الفوضى حين تشغل مساحة كافية وتستمر وقتا كافيا فقد تخلق أنماطا محدودة من الترتيب غير المقصود، وهو ما حدث في بعض مناطق كوكبنا.. وذلك مع ملاحظة أن كوننا لا يبدو مصنوعا من أجلنا، وأكثر الكواكب والنجوم والمساحاة الفضائية لا تصلح لإقامة حياة، بل أكثر كوكبنا بمحيطاته وصحاريه لا يصلح، بالإضافة إلى أن الحياة ظاهرة حديثة فقد ظل الكون لنحو عشرة مليار سنة بلا حياة - فلماذا الخالق العظيم يحتاج إلى كل تلك المساحة وكل ذلك الوقت؟ هذا كله لا ينبئ بأن هناك تخطيط أو غاية، وإنما هي تقلبات طبيعية صادفت حظا سعيدا، ومن يرى غير ذلك يشبه مسافرا في الصحراء صادف واحة خضراء صغيرة وسط الرمال، فظن أن هناك من وضعها هنا خصيصا من أجله..

33- الخلق خرافة
يستند المؤمنون أحيانا إلى مبدأ السببية لمحاولة إثبات أن الكون مخلوق، ولكن حتى المؤمن لا يعتبر أن قانون السببية مطلق، فهو يستثني الله منه، حيث قام بالخلق بشكل عفوي دون سبب يؤثر عليه، وربما كذلك يستثني الروح الإنسانية من السببية (لأنه يؤمن بحرية الإرادة العفوية)، وكذلك من الجانب العلمي نجد أن ميكانيكا الكم (فيزياء الجسيمات الصغيرة) لا تخضع لمبدأ السببية التقليدي الذي نعرفه، والخلاصة أن كلا الفريقين يؤمن أن السببية يمكن كسرها، وأن هذا حدث في بداية الكون.. ولكن تخبرنا الفيزياء أن مفهوم العدم وهم، وأنه حتى الفراغ ينبض بذبذبات الطاقة، وأن مبادئ الفيزياء تسمح بظهور جسيمات في ذلك الفراغ، كما تخبرنا أن طاقة الكون الكلية تساوي صفرا، لأن مجموع المادة (طاقة إيجابية) يساوي مجموع الجاذبية (طاقة سلبية) والنتيجة أننا لسنا أمام خلق وإنما تحول للطاقة من صورة إلى أخرى..

34- إله الفجوات
ما سبق لا يعني أن العلم قد توصل إلى جميع الإجابات بشكل كامل، فقضايا مثل نشأة الحياة الأولى وسر الوعي وبداية الكون هي قضايا مايزال العلماء يبحثون فيها، ولكن يجب ملاحظة أن نقص العلم - أو حتى الجهل- ليس سببا كافيا للإستسلام للخرافات.. وإلا كنا مثل الإنسان البدائي الذي عجز عن تفسير ظاهرة البرق والرعد فقال بأن الآلهة غاضبة، أو مثل القروسطي الذي عجز عن فهم سبب المرض فقال بأنها شياطين..إلخ - فحتى مع نقص العلوم نجد أنفسنا ملزمين بالبحث المنطقي والطبيعي القائم على الرصد والتفكير المنظم، وليس على تصديق خيالات بدو الصحاري، وهكذا يبقى التنظير العلمي أقرب إلى التصديق لأنه يفسر الأشياء بالإحالة إلى سمات الطبيعة التي يمكن رصدها ومعرفتها وإثباتها، ولا يفترض وجود عفاريت غيبية قامت بالأمر وكشفته لفرد واحد في كهف خفي، وهكذا تبقى المعتقدات الدينية عائق حقيقي أمام التفكير العلمي، لأنها تقدم لنا وهم المعرفة، وهو أخطر من الجهل..


35- معنى الحياة
يرى البعض أنه بدون الدين فحياتنا عبث تام، جئنا من العدم ومصيرنا إلى العدم، بلا معنى أو غاية.. وأول ما يخطر بذهني هنا هو: أين المعنى العظيم في وجود كائن خفي خلقنا لنؤمن به ونعبده دون رؤيته، ولنطيع أوامره دون فهمها، وذلك لكي يضعنا في حديقة كبيرة نمرح فيها إلى الأبد؟ على الجانب الآخر فالكون بالفعل لايبدو أن له غاية معينة شاملة، فالقصدية هي سمة حديثة ناشئة لدى الكائنات ولاسيما البشر، ومن الغباء الشديد أن نسقط سماتنا على الكون ذاته، كما من الغباء الظن بأن توقنا للمعنى والعدالة والخلود يجب أن يعني بالضرورة وجود تلك الأشياء، وكأن الكون موجود لتلبية رغبات أشباه قرود تعيش على ذلك الكوكب بأطراف مجرة ضمن مئات المليارات من المجرات.. وأمام تلك الحقيقة القاسية (غياب المعنى) أمامنا حلان: إما أن نخترع معنى نخدع به أنفسنا فنوهمها بأننا مركز اهتمام الوجود كله، وإما أن نتقبل المسألة ونسعى نحن لخلق معاني متعددة ومحدودة لحياتنا نعيش من أجلها..


36- الإلحاد هو البداية لا النهاية
لقد اعتدنا على أن الدين هو منظومة شاملة تجيبنا على جميع الأسئلة وتدير كل شئون حياتنا، ولكن البعض يترك تلك المنظومة إلى اللادينية أو الإلحاد، ولكن ظل الإعتقاد موجودا عند البعض أن الإلحاد لابد وأن يكون منهج فكري - دين موازي- يجيب بدوره على الأسئلة ويدير الحياة، وهذا عبث، فالخروج من الأديان يعني أنك قد تحررت من القطيع وصرت فردا تبني أفكارك بنفسك من خلال القراءة والبحث، ولا تتلقاها جاهزة من كتاب مقدس أو كاهن، فكل شيء قابل للتشكيك وكل شخص قابل للخطأ، والعلم التجريبي، وإن كان أفضل أداة معرفة توصل لها البشر، وإن كان يقدم لنا أفضل إجابات متاحة عن أسئلة الوجود والنشأة، إلا أنه يظل أداة محدودة ومتطورة باستمرار، لا تدعي العصمة أو الكمال، وأما بناء مفاهيم عن الأخلاق والمعنى فهي مهمة البشر جميعا، وهم قادرون على إنجازها بشكل مستقل عن خرافات العصر البرونزي..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق