الأربعاء، 1 مايو 2019

من يهتم باللاإكتراثية؟




الأديان تحدثت عن كائنات تدعى آلهة، فظهر من ينكر قداسة الأديان وظل على إيمانه بالآلهة\الإله فهو ربوبي، كما ظهر من ينكر وجود الآلهة أصلا فهو لاربوبي\ملحد..

إلى هنا والأمور واضحة، إلا أنه جاءنا من يقترح بأن القضية غير قابلة للحسم سلبا أو إيجابا، فهو لاأدري..

هذا تعبير عجيب نوعا ما، وأتصور أنه سيبدو مدهشا لو استخدمناه في مجالات أخرى: مثل الجدل القديم بين الرأسمالية والإشتراكية، فتخيل أن يقول أحدهم أنه لا يدري أي النظامين أفضل، أو أن المسألة معقدة جدا - هذا وارد، ولكن تخيل أن يتم خلق تصنيف ثالث يعتمد على هذا الشخص الذي لا يدري الرأسمالية أنسب أم الإشتراكية: فيصبح لدينا لاأدرية اقتصادية..

أو خذ هذا السؤال الذي يطرح مؤخرا عن أيهما أفضل للمجتمعات: الثورة أم الإصلاح؟ والحقيقة أنني شخصيا صرت أميل إلى الموقف اللاأدري، فيبدو أن المتغيرات كثيرة جدا بين مجتمع وآخر، يشكل لا يمكنك من الخروج بنتيجة حاسمة أبيض وأسود، ولكني لا أتصور أن أطلق على نفسي لاأدري سياسي..

على كل حال فاللاأدرية صارت شائعة ومقبولة، وما كدنا نستوعبها حتى جاءنا مولود رابع، وهو اللاإكتراثية..
صاحبنا هذا - يقولون- لا يؤمن بوجود الله، ولا يؤمن بعدم وجود الله، وهو أيضا لا يقف على الحياد بين الرأيين، وإنما هو لا يهتم أصلا بالقضية..

هو حر طبعا، ولكن أن يصبح هذا اللاإهتمام تصنيف جديد يضاف للقائمة - أليس هذا غريبا بعض الشيء؟

منذ متى صارت "لا تفرق معي" هي موقف بحد ذاته من قضية ما؟

فلو أنك سألت أحدهم عن رأيه في تفضيل الرأسمالية والإشتراكية، فقال لك: حل عن راسي، فهذه المسألة لا تهمني ولن تغير شيئا بحياتي، فهنا سوف تبتسم بوجهه قائلا: أها أنت لديك موقف فلسفي عميق من المسألة، وهو أنك لا تهتم..
ووجه الغرابة هنا أننا بالحقيقة لا نتحدث عن موقف فكري وإنما شعور نفسي باللامبالاة تجاه القضية، وهو شعور قد يكون مفهوم ومبرر، ولكن هل هذا يكفي لأن نصنفه بشكل فلسفي؟

فلماذا إذن لا نضيف إلى القائمة "المزاجي"، فهذا شخص لا مؤمن ولا ملحد ولا لاأدري ولا لاإكتراثي، فلو سألته إن كان يؤمن بالله أم لا فسيجيبك أنه أحيانا يهتم بالمسألة، وأحيانا يراها تافهة، فهو متقلب بين الإثنين..

ويمكن أن نضيف أيضا تصنيف "المستمتع" وهو شخص يستمتع بنقاش قضية وجود الله، وكذلك "الضاحك" وهو شخص كلما سمع سؤال: هل الله موجود؟ ابتسم ضاحكا في سخرية وسعادة..

عذرا على الأمثلة المتبذلة، ولكن المقصد أن الشعور النفسي تجاه قضية ما، لا يستدعي برأيي تصنيفا.. لأن المشاعر مسألة متغيرة لا يمكن تحديدها، فالحقيقة أن كلنا ما بين الإكتراث واللاإكتراث بشأن جميع القضايا، والفارق هو في الدرجة أو الوقت الذي نوليه للمسألة في مراحل عمرية مختلفة..

ولا أعرف ما هي درجة اللامبالاة التي تجعلني أصنف ضمن اللاإكتراثيين، فهل لو فكرت بالدين أو كتبت منشورا عن الدين كل أسبوع فقد صرت مهتما؟ ماذا عن شخص يكتب كل سنة؟ ماذا عن شخص لا يفكر بالموضوع ولا يناقشه إلا لو سئل عنه، هل هذا لاإكتراثي أم لا؟ لا جواب لأن المسألة مطاطة شخصية جدا..

والأهم أن هذا الشعور- بعدم الإهتمام- لا يتعارض بالضرورة مع الموقف الفكري، فأكثر الملحدين لا يهتمون بالأديان وبالتالي يصح تصنيفهم كلااكتراثيين (ولعلنا لا نرى سوى نسبة قليلة منهم وهم الناشطون دينيا بوسائل التواصل الإجتماعي، وأما الغالبية فلا تفعل)..
بل يمكنني القول أن النسبة الغالبة من العوام المؤمنين بالأديان ينطبق عليهم تعريف اللاإكتراثي، فهذا الشخص ربما لا يقرأ ولا يناقش ولا يفكر، وقد لا يمارس الطقوس إلا حسب العرف والعادة والتقليد، ولكنه لا يهتم بالقضية بالمعنى البحثي أو الجدلي..

أما لو تناولنا الجانب الفكري: أن اللاإكتراثي هو شخص يرى أن تلك القضية لا تؤثر في حياتنا، فلا أدري كيف توصل إلى هذا الإستنتاج؟ فلو فرضنا أن إله الأديان حقيقي، فمن يجرؤ على القول أن هذا لا يهم؟ يا أخي نتحدث عن كائن سيحرقك بالنار إن لم تؤمن به، وبالتالي في حالة وجوده فهذا شأن خطير ينبغي علينا جميعا التفاعل معه، وفي حالة عدم وجوده فقد صرنا ملحدين، أي أنك اضطررت للإكتراث ولو قليلا لتفكر وتناقش هذا الطرح ثم تتحرر منه..

أما بعد، فالأديان جزء أساسي من التراث الإنساني الماضي والحاضر، تؤثر في حياتنا بدرجات متفاوتة شئنا أم أبينا، وإن كان كل صاحب عقل لن يخضع حياته لتلك التعاليم، فبنفس الوقت فإن كل مثقف مضطر لأن يعرف شيئا عنها، وأما الذي لا يهتم كثيرا بها فهذا حقه، كما أن ليس الجميع يهتم بالسياسة أو الموسيقى أو الأدب، فالأذواق والإهتمامات تختلف، ولكن لا أرى أي داعي لتصنيف الأذواق وكأنها مواقف فلسفية..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق