الثلاثاء، 1 يناير 2019

الحقائق تكمن في البيانات



(ترجمة حوار مع عالم النفس المعرفي ستيفن بينكر)
-------------------------------
س: ما الشيء الوحيد الخاطئ بالعالم الذي تود تغييره، ولماذا؟

- هناك الكثير من القادة والمؤثرين، بما فيهم سياسيون وصحافيون ومفكرون وأكاديميون، يستسلمون للإنحياز التأكيدي القائم على تقييم العالم من خلال الحكايات والصور، بدلا من البيانات والحقائق..


رئيسنا اعتلى الحكم برؤية متشائمة عن "المذبحة الأمريكية"، في مرحلة تقترب فيها معدلات الجرائم من أدنى مستوياتها التاريخية.. سلفه الجمهوري أنشأ قسما فيدراليا جديدا ودشن حربين مدمرتين ليحمي الأمريكيين من خطر، الإرهاب، والذي يقتل كل عام عددا أقل ممن يقتلون بواسطة لسعات النحل أو ضربات الصواعق.. في العام التالي لهجمات 11\9، تعرض 1500 أمريكي ممن خافوا من الطيران إلى الموت في حوادث سيارات، غير مدركين أن رحلات خطوط بوسطن الجوية تحمل مخاطرة تساوي قيادة سيارة لمسافة 12 ميل..

س: كيف نغير تلك الأمية الإحصائية المدمرة وذلك الإزدراء للبيانات؟

- حالة وفاة واحدة من سيارات تسلا ذاتية القيادة تحتل عناوين عالمية، بينما 1.25 مليون وفاة كل عام من السيارات التي يقودها البشر لا تلقى اهتماما.. أطفال صغار يتم إرعابهم بتدريبات مدرسية عن كيفية الإختباء من حالات إطلاق النار نتيجة هياج، والتي تمثل احتمالا شديد الضآلة لقتلهم، إذا ما قورنت بحوادث السيارات أو الغرق أو حتى حالات القتل غير الناتجة عن هياج، والتي تقتل ما يماثل مرة ونصف ضحايا ساندي هوك كل يوم (حادثة إطلاق نار راح ضحيتها 27 شخص).. بضعة حالات إطلاق نار تم تسييسها بقوة وأقنعت النشطاء أن الأقليات تحت خطر قاتل بسبب رجال الشرطة العنصريين، بينما ثلاثة محللين (اثنان منهم من هارفارد) أظهروا أنه لا يوجد تحيز عرقي في حوادث إطلاق النار الشرطية..

الكثيرون مقتنعون أن البلد عنصرية، منحازة جنسيا، معادية للمثليين، عنيفة جنسيا، بشكل لا يمكن إصلاحه، بينما الحقيقة أن تلك الآفات في انحدار مستمر (وإن لم يكن بالسرعة المطلوبة).. الناس على اليمين واليسار أصبحوا لامبالين تجاه المؤسسات الدولية لأنهم يعتقدون أن العالم يصبح أكثر فقرا وأكثر تمزيقا من جراء الحروب، بينما في العقود الأخيرة تشير معدلات الفقر المدقع وقتلى المعارك إلى انخفاض حاد..

الناس مرتعبون من الطاقة النووية (أكثر وسائل الطاقة الخالية من الكاربون قابلية للتطوير) بسبب صورة لجزيرة ثري مايل (والتي لم يتنج عنها أي وفيات)، وفوكوشيما (والتي لم تقتل أحدا، فالوفيات نتجت عن الإعصار، وإخلاء مرتبك غير ضروري)، وتشيرنويل (والتي قتلت أشخاصا أقل ممن يقتلون بسبب الفحم في كل يوم).. وهم يتخيلون أن الطاقة الشمسية يمكن أن تحل محل الوقود الأحفوري، بدون أن يحسبوا كم ميلا مربعا يجب ملئه بالألواح الشمسية ليشبع حاجة العالم المتزايدة للكهرباء.. ويعتقدون أن التضحيات الإختيارية، مثل خلع مقبس اللابتوب، هو وسيلة منطقية للتعامل مع التغير المناخي..

كيف نغير تلك الأمية الإحصائية المدمرة وذلك الإزدراء للبيانات؟ نحن بحاجة إلى جعل "الإحتكام للحقائق" جزءا أصيلا من ثقافة التعليم والصحافة والنقد والسياسة.. الوعي بوجود خلل في البديهة الإنسانية ينبغي أن يكون جزءا من الحكمة التقليدية لكل شخص متعلم.. إدارة السياسات والنشاطات عن طريق الوقائع البارزة، بدون الإحتكام إلى البيانات، يجب أن يتم اعتباره سخيفا بقدر إدارة تلك الأمور عن طريق التمائم والأحلام والأبراج..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق