الثلاثاء، 1 يناير 2019

ظهور الإسلام- العامل المناخي



(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ ۖ أَفَلَا تَسْمَعُونَ) القصص 71..

(فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ - يَغْشَى النَّاسَ ۖ هَٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ - رَّبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ - أَنَّىٰ لَهُمُ الذِّكْرَىٰ وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ - ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ - إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا ۚ إِنَّكُمْ عَائِدُونَ - يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَىٰ إِنَّا مُنتَقِمُونَ) سورة الدخان 10-16..

في صيف عام 536، أي قبل ولادة محمد بعقول قليلة، ظهرت سحابة سوداء غريبة غطت سماوات شمال أفريقيا، وغرب آسيا، وجنوب أوروبا، ووضعت منطقة البحر المتوسط وما حولها في برد وليل حالك، واستمر ذلك التأثير لشهور وربما سنوات..

وقد قام العديد من المؤرخين بتسجيل تلك الظاهرة الغريبة، منهم البيزنطي بروكوبيوس، حيث كتب "كانت الشمس تعطي نورها بلا ضياء، مثل القمر، طوال ذلك العام".. كما ذكر عددا من الأمراض والحروب التي نشأت عن احتجاب نور الشمس.. وتم الكتابة عن تأثير تلك الظاهرة، في مناطق من سوريا وأيرلندا، متضمنا الحديث عن إظلام الشمس واضطراب المحيط، وعن فساد الثمار وقصور في المحاصيل..

وقام العلماء بدراسة بقايا تلك الفترة، فتفحص جذوع الأشجار بين 536 و551 أظهر تقلصا في نمو الأشجار في الصين وأوروبا وأمريكا الشمالية.. حجب نور الشمس نتج عنه انخفاضا في درجات الحراراة، مع تقلبات مناخية غير تقليدية.. وفيما يخص البشر أدى ذلك إلى انخفاض في المحاصيل والأطعمة، مما تسبب في مجاعات ببعض المناطق، مصحوبة باضطرابات اجتماعية وسياسية..

وقد تزامن مع ذلك أحداث أخرى، ربما تكون مرتبطة بتلك الظاهرة، منها انتشار واحدة من أكبر موجات الأوبئة في التاريخ، وهو المعروف بإسم "طاعون جستنيان" (541- 542) والذي عبر الإمبراطورية البيزنطية وامتد من أسبانيا حتى الصين، قاضيا - بشكل مخيف ومؤلم- على نحو ثلث السكان..

وفي الصين وقعت مجاعة وجفاف، مع كتابات عن "غبار أصغر يهطل كالجليد" ؛ وكذلك في العراق تم تسجيل هبوط غير تقليدي لجليد كثيف..

أما عن سبب تلك الظاهرة، فلدينا عدة نظريات، منها أنها نتيجة لسقوط مذنب من الفضاء، أو بسبب نشاط بركاني هائل أدى لتلك السحابة..

أما عن تأثيرات تلك الظاهرة على المجتمعات والسياسة، فيقترح البعض أن لها دورا في اضطراب حياة الفايكنغ، مما دفعهم للبحث عن أراضي أكثر خصوبة في العمق الأوروبي.. وساهمت في دفع القبائل المغولية للهجرة غربا.. وربما أدت إلى سقوط الإمبراطورية الفارسية.. وساعدت في الصعود والإنتشار السريعين للإسلام..

في كتاب "تحت ظل السيف" للمؤرخ توم هولاند، يذكر تلك الظاهرة، ويربطها بتدمير مدن عديدة كانت مزدهرة في الشام وتركيا..

كما يبدو أن تلك الظاهرة كان لها تأثير ديني مهم، إذ جعلت الناس يؤمنون أن نهاية العالم باتت وشيكة..

ومما زاد ذلك الشعور الحروب الكونية ذات الطبيعة الدينية، بين الفرس والبيزنطيين، ومساهمة اليهود والمسيحيين والزاردشتيين فيها..

فقد تكون تلك الظاهرة ساعدت من الناحية الدينية في شحذ العواطف الأخروية والقيامية لدى الشعوب المختلفة، كما أنها ساعدت من الناحية السياسية على إضعاف الإمبراطوريات القوية آنذاك، مما مهد الطريق لنشوء قوى جديدة في المنطقة، ومنها الإسلام..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق