الثلاثاء، 1 يناير 2019

لماذا البعض ينتقد الإعتدال الديني؟



سؤال متكرر: يا ملحد أمرك غريب، حين ترى مسلما معتدلا ينكر الأمور المشينة في دينه، مثل العبودية والجهاد وزواج الأطفال..إلخ، ويحاول إعادة تفسير النصوص بشكل متسامح، فلماذا تناكفه وتصر عليه أن الإسلام دين إرهاب وإجرام؟!
هل تريده أن يترك الإعتدال ويصير داعشي حتى ترتاح؟
--------------------------

الجواب من وجهة نظري:

1- من يترك الدين ويتحرر منه بالكامل هو - غالبا- شخص يهمه أن يكون فكره يتسم بالحق والدقة والعلمية، بأكثر مما يهمه النتائج الواقعية على ذلك الفكر..


فلو كان يخاف الحقيقة أو يقبل النفاق والحلول الوسطية لما ترك دينه أصلا، وإنما لاجتهد في ترقيعه كما يفعل البعض..

بمعنى آخر نحن - أكرر: غالبا- لسنا مصلحين اجتماعيين، وإنما نحن باحثون نحاول التفكير ونهتم بشدة بالحقائق المجردة..


هذا يعني أنني أقول ما أعتقده بصدق، حتى لو كانت بعض نتائجه سيئة (مثل أن القارئ المسلم قد يصاب بالحزن أو تتأثر مشاعره أو حتى يتحول إلى إرهابي، هذه مشكلته هو)..
-------

2- صاحب السؤال يضع عدة افتراضات لا أراها صحيحة، فهو يفترض أن المسلم سيقتنع بكلام الملحد: أن الإسلام دين لا يتماشى مع الإنسانية، ثم يفترض أنه حين يقتنع بذلك فإنه لن يترك الإسلام وإنما سيترك إنسانيته..


وهذه كلها افتراضات غير حتمية، فكثير منا حين اكتشف تناقض الإسلام مع العقل والإنسانية اختار الأخيرين وترك دينه..
-------

و3- الملاحظة أن المسلم المعتدل الذي يعلن أن الإسلام دين سلام ليس فيه عبودية أو ضرب زوجات..إلخ.. وحين يتوجه بهذا الكلام إلى ملحد لا يؤمن بالإسلام أصلا،
فهذا يعني أنه يقولها ليس ليحارب الإرهاب، لأن من يكلمه ليس إرهابيا أصلا،
وإنما يعني أنه يقولها بغرض واحد: أن يدافع عن الإسلام، ويطلب الإعتراف بأنه دين عظيم ورائع وجميل ومناسب للعصر..

وهنا ليس من المطلوب من الملحد (أو أي شخص صادق) أن يصفق له ويوافقه،
فتلك الموافقة لا تعتبر فقط نفاقا وإخلالا بالصدق وبالنزاهة الفكرية، حيث نقر بعظمة دين نعلم جيدا أنه لا يتسم بأي عظمة،

وإنما هي كذلك تعتبر إهانة موجهة لعقل ذلك المسلم، وتعني أننا نحتقره ونعامله مثل الطفل الذي يقوم أهله بالكذب عليه حتى يقوم بالتصرف الصحيح، وذلك لأنهم لا يرونه أهلا للحقيقة..
-------

حين أقول لك رأيي بصراحة - حتى لو أزعجك - فهذا يعني أنني أحترم نفسي وأحترمك، وأحد جوانب ذلك الإحترام هو أنني لا أرى نفسي مسئولا عن أفعالك، فلتكن إرهابيا لو شئت ولتواجه مصيرك، هذه ليست مشكلتي، لأنني لست معالجك النفسي ولست مصلحا اجتماعيا..


وذلك مع ملاحظة أننا - أتحدث عن نفسي ونسبة كبيرة من اللادينيين العرب- لا نهتم بالذهاب إلى منزل أحد لإقناعه بالعدول عن دينه، وإنما نحن نكتب حصرا في منتديات خاصة للنقاش الديني، ويفترض أن من يدخل بتلك المجموعات يكون مدركا لوجود وجهات النظر المختلفة حول دينه، ومؤهلا للتعامل مع النقد دون أن يفقد سلامته العقلية أو النفسية..


وربما يختلف الحال لو أننا كنا في منصب رسمي أو كان كلامنا يؤثر بشكل واسع بالمجتمع، حينها ربما- أقول ربما- نضطر لبعض النفاق والتزلف والمراوغة، وهي السمة المميزة لأغلب أهل الإعلام والسياسة - ولكن حتى ذلك الحين نحمد الطبيعة أننا لسنا مضطرين لذلك..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق