الثلاثاء، 1 يناير 2019

المغزى من تحية الإسلام





يقولون: أليس أكبر دليل على أنه دين سلام هو تحيته الجميلة، "السلام عليكم"..؟

يؤسفني أن العكس هو الصحيح..

لو سألتني، فتلك التحية "السلام عليك" تبدو لي مقلقة للغاية، إذ أن ذكر السلام وأن تخصني به مشكورا، يوحي وكأن خيار اللاسلم - الحرب - هو خيار متاح وموجود وربما قريب جدا..

لتقريب الفكرة: تصور أنني رأيتك في الصباح فابتسمت ملء أسناني وبادرتك قائلا: لن أذبحك!

ربما أحاول طمأنتك، ولكن بربك هل ستشعر بالإطمئنان؟ لا أظن، لأن سيرة الذبح نفسها (حتى بنفيه) ستبدو غريبة هنا..

حين نتذكر التراث الدامي المجيد لنشاة الإسلام، وكيف أن سيرة النبي وصحابته هي سيرة حروب ومعارك وغزوات وقطع طرق قوافل ومذابح وخدع واغتيالات ومؤامرات، تتخللها بعض النكاحات من حين إلى آخر، حين نتذكر ذلك، نفهم كيف أن التحية، أو ما يسمونه "إلقاء السلام" هي حالة خاصة جدا من الهدنة المؤقتة والإستثنائية..

ولو أردت أن تفهم ببساطة جوهر الجهاد الإسلامي الذي كان يقوم به محمد وصحابته، فلا عليك سوى أن تقرأ هذه الآية..
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ) النساء 94..
من تفسير ابن كثير: عن ابن عباس قال : مر رجل من بني سليم بنفر من أصحاب النبي وهو يسوق غنما له ، فسلم عليهم، فقالوا : ما سلم علينا إلا ليتعوذ منا . فعمدوا إليه فقتلوه ، وأتوا بغنمه النبي فنزلت هذه الآية..
وفي الطبري نقرأ نفس القصة بتفصيل أكبر (عن فلان قال: بعثنا رسول الله إلى إضَمٍ، فخرجت في نَفَرٍ من المسلمين... فخرجنا حتى إذا كنا ببطن إضَم، مرّ بنا عامر بن الأضبط الأشجعي على قَعود له، معه مُتَيِّعٌ له، ووَطْبٌ من لبن. فلما مر بنا سلَّم علينا بتحية الإسلام، فأمسكنا عنه، وحمل عليه محلِّم بن جثَّامة الليثي لشيء كان بينه وبينه فقتله، وأخذ بعيره ومتَيِّعَه. فلما قدِمنا على رسول الله ، فأخبرناه الخبر، نـزل فينا القرآن: " يا أيها الذين آمنوا إذا ضَرِبتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لستَ مؤمنًا")..

المعنى أن جماعة من أصحاب محمد كانوا سائرين، فوجدوا رجلا معه بعض الغنم والطعام، فألقى عليهم تحية الإسلام، لكنهم رغم ذلك قتلوه (أو قتله واحد منهم) وسرقوا ما معه وجاءوا به إلى زعيم عصابتهم - عفوا أقصد نبيهم - فنزلت الآية تعاتبهم: إذا خرجتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقتلوا من يحييكم بتحية الإسلام..

من القصة نستنتج أن "الضرب في سبيل الله" كان ضربا حقيقيا!، إذ كان يتلخص في قيام الصحابة الأفاضل بالإستيلاء العشوائي على ممتلكات كل من يجدوه في طريقهم..
كما نستنتج أن تحية الإسلام كانت أشبه بكلمة سر للتبادل بين أفراد العصابة، تعصمهم من بطش بعضهم (وإن كانت لم تنفع عامر المسكين)..

 قال ابن عباس كان رجل في غنيمة له فلحقه المسلمون فقال السلام عليكم فقتلوه وأخذوا غنيمته

وفي الآية دليل على أن من أظهر شيئا من علامات الإسلام لم يحل دمه حتى يختبر أمره ، لأن السلام تحية المسلمين ، وكانت تحيتهم في الجاهلية بخلاف ذلك فكانت هذه علامة .



ذلك معنى الضرب في سبيل الله، وذلك معنى الإسلام، وذلك معنى تحيته.. والآية تقول لهم ببساطة : بلا طمع وبلا فوضى، لا تقتلوا الحلفاء بل ركزوا على غير المسلمين..
وتأمل قوله "ما سلم علينا إلا ليتعوذ منا".. ما أبلغها من عبارة تلخص الكثير عن نشأة هذا الدين..

هل فهمت الآن معنى "السلام عليكم" وسط هذا المناخ الحربي؟

وهل فهمت لماذا لا تقال التحية لغير المسلمين؟ فكما جاء بالحديث (لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام، وإذا لقيتوهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه) رواه مسلم.. إذ كيف يقوم المسلم بإلقاء السلام على كافر، بينما الوضع يمكن أن يتغير بلحظة واحدة، إما لأن الكافر رفض دفع الجزية، أو لأن المسلم ربما طمع في ممتلكاته..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق