الثلاثاء، 1 يناير 2019

الإله فرع عن الدين




نخطئ كثيرا لو تصورنا أن الأديان متفرعة عن الإله، وإنما العكس هو الصحيح: الإله هو أحد الأفكار الدينية، لا مكان له خارجها - فالدين نشأ أولا ثم ولد الإله..

الإله لا مكان له على ساحة العلوم الطبيعية، فهو بالمعيار العلمي ليس فرضية صحيحة، بل وليس فرضية خاطئة حتى وإنما هو أسوأ من ذلك: هو ليس فرضية علمية أصلا، فالعلوم ترتبط بما هو معرف بدقة ويفسر الظواهر بشكل قابل للتجريب وللتخطئة..
والإله كذلك لا مكان له في الفلسفة، وإن كانت الفلسفة - مقارنة بالعلوم- أكثر تسامحا مع الهراء عموما، إلا أننا لم نسمع عن فلسفة تناقش إمكانية أن الأمراض من فعل الشياطين، أو الصواعق من فعل زيوس..
فيخطئ البعض -من اللاأدريين خاصة- كثيرا حين يضع الإله- بكل احترام- في خانة المجاهيل، فيقول أن العلم مازال غير قادر على تفسير نشأة الكون أو أصل الحياة أو سر الوعي، وبالتالي يظل الباب مفتوحا للإيمان بأن الإله مسئول عن تلك الأمور الثلاثة..
ومكمن الخطأ هنا هو تجاهل تاريخ الأديان، والتي لو راجعناها سنكتشف أن الآلهة والشياطين والأرواح والملائكة كانت تفسر كل شيء تقريبا: الخلق والحياة والموت والمرض والرزق ودوران الأفلاك والنصر في الحروب..إلخ، ثم إن المعارف العلمية بدأت تفسر الظواهر شيئا فشيئا بشكل طبيعي مادي بلا خوارق..
وهكذا بدأ الإله يفقد وظائفه تدريجيا، ولم تبق له إلا بعض المجاهيل، أشهرها الثلاث المذكورة، ولكن الحقيقة أن تلك القضايا ليس لها أي خصوصية في ذاتها تجعلنا ننسبها هي بالذات لإله ما، اللهم إلا أنها ماتزال لم يكشفها العلم بالكامل بعد، ولكن لا يوجد فارق نوعي بين أن تجهل كيفية خلق الكون فتنسبه للإله، وبين أن تجهل كيفية شروق الشمس فتنسبها للإله رع - فلماذا نسخر من الثانية ونحترم الأولى؟
هذا لا يجعل الإله فوق العلوم أو فوق الفلسفة، فالعالم ليس بناية حتى نصنفه على شكل طوابق، وإنما الحق أن الإله خارج تلك المجالات، فهو أشبه بمقولة ذاتية شعورية، خرافة، أسطورة، سمه ما شئت..
أما المكان الوحيد الذي يجد الإله فيه نفسه، فهو- كما ذكرنا- الأديان، والتي لكل منها آلهته بصفاتها الخاصة، حسب طبيعة الشعب الذي أفرزها..
وأما المجالات الوحيدة الجديرة بنقاش الأديان والآلهة فهي : أولا التاريخ، وثانيا علوم النفس والإجتماع وما بينهما - الأول يخبرنا كيف ومتى وأين ولماذا نشأت وتبلورت وانتشرت تلك الأفكار الدينية، والثاني يخبرنا لماذا يتمسك الناس بها رغم افتقارها إلى أي دليل..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق