الثلاثاء، 1 يناير 2019

القوي الضعيف



من فنون الترقيع أن تكون قادرا على الكيل بمكيالين، فتقول الشيء هنا وعكسه في موضع آخر..

ومن الوسائل الشهيرة في ذلك هي "حجة المضطر":
فزعيمك الذي تحبه يرتكب أمورا تتناقض بشكل صريح مع شعاراته المرفوعة..
وخصومه الأوغاد يشيرون إلى ذلك ساخرين وناقدين..
فلا تجد شيئا تدافع به عن الزعيم، سوى أن المسكين محصور بالظروف الخارجية، ولا يمكنه أن يفعل إلا هذا..

وتنسى تماما أنك قبلها كنت تتفاخر بقوة زعيمك وقدراته العظيمة على قلب الظروف..

فقول الشيء وعكسه هو أمر لا يزعج أبدا المتعصبون وأصحاب الأيديولوجيات..

يخطر بذهني 3 أمثلة طريفة:

1- حين كان محمد مرسي (الإخواني) رئيسا لمصر، قبلها كان هو وأتباعه يلعنون الأنظمة العربية التي تتخاذل أمام الصهاينة، وكانوا يرفعون الشعارات المعتادة للإسلاميين، عن ضرورة معاداة اليهود ودق طبول الحرب من أجل تحرير القدس..إلخ، ولكن بعد الرئاسة أرسل رسالة إلى "فخامة" شيمون بيريز يتمنى الخير لدولته ويصف نفسه ب"صديقكم الوفي"..

وبالطبع تم تناول تلك الرسالة في عدة وسائل إعلامية، مبرزة التسجيلات الأقدم (فقط منذ شهور قليلة)..

وكان الرد التبريري من الإسلاميين: هذه الرسالة ليست من صياغتنا ولكنها نموذج ديبلوماسي يجب إرساله كما هو..

فكأن الجماعة المختارة التي حكمت البلاد وتعلن طموحات عظيمة تعد بقلب الموازين، بداية من القضاء على الفساد الداخلي، مع منافسة الغرب وإعادة إحياء الأمة واستنفار الهمم وتوحيد الشعوب وإعلان الجهاد وهزيمة إسرائيل..إلخ، تلك الجماعة الخارقة عاجزة عن الإمتناع عن إرسال رسالة تهنئة إلى الكيان الصهيوني، أو حتى عن تغيير صياغة الرسالة الناعمة والمهنئة والمعترفة بذلك الكيان..

2- سلطان المسلمين وناصر الشريعة وكاسر أنف الغرب، كما يروج أتباعه، رجب طيب إردوغان، يحكم بلدا تمارس فيه الدعارة بشكل قانوني وتمنح فيه التراخيص للمواخير، مما يجعل صورة الخلافة ليست كما يريد المتحمسون..
فكيف يمكن الخروج من ذلك المأزق؟

ينبري المحبون والمنبهرون والمدافعون، فيقولون أنه لا يمكنه أن يوقف تلك الممارسة، لأن العلمانية الفاسدة متجذرة بتركيا، فهو مضطر لأن يجاريها..

أي أن أمير المؤمنين وقاهر اليهود ومرعب أوروبا، والذي يحكم بلده بشكل متصاعد يقترب تدريجيا من الدكتاتورية منذ نحو 15 عام، والذي يحتكر الإنتخابات ويهزم الإنقلابات ويرفع ويخفض ويعز ويذل ويحظر ويسجن، هذا الخليفة عاجز عن مقاومة صناعة العهر فقط ، بل إن عدد المومسات قد تضاعف في عهده وفي ازدياد وبركة دائمة ولله الحمد..

3- والمثال الأشهر هو العبودية التي لم يحرمها الإسلام، والرد الجاهز أن الظروف حينها لم تكن تسمح، أي أن الله كان يريد منع العبودية ولكنه لم يستطع..

نفس ذلك المرقع قد يتفاخر كيف أن محمدا قد قلب موازين المنطقة ووحد العرب وقهر الروم والفرس، بفضل دعم الله وتعاليم الإسلام الخارقة..

لكن يبدو أن القوة العظيمة تعمل وتتعطل بشكل سحري، وحسب مزاج المسلم وحالته التبريرية..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق