الأحد، 21 يوليو 2019

كابوس الدجالين



في الغرب، كما في الشرق، يوجد آلاف الأشخاص ممن يزعمون أن لديهم قدرات روحانية خارقة للطبيعة : يشفون المرضى, يتنبئون بالمستقبل و يعرفون الطالع ، يكلمون الموتى, يرون و يسمعون أشياءا عن بعد، يقرأون الأفكار, يحركون الجمادات و يثنون المعادن..إلخ، و العديد من هؤلاء يصبحون نجوم مجتمع بارزين في الإعلام، كما يحصلون على أموال طائلة من العوام المؤمنين بقدراتهم.

هناك شخص واحد لا يحب أصحاب الإدعاءات الخارقة مقابلته أبدا، بل و يكرهون مجرد سماع اسمه، فالرجل يمثّل لهؤلاء ما يمثّله الشرطي للمجرمين.


"أنت قابل للإنخداع!"
في واحدة من محاضرات تيد الشهيرة TED، نرى المحاضر شيخا هرما يدخل القاعة برأسه الكبيرة الصلعاء و جسده الضئيل و ملابسه البسيطة و لحيته البيضاء الكثة و الطويلة، يمشي بصعوبة متقدما أمام الجماهير حاملا سنوات عمره التي قاربت التسعين.

لكن منذ استهلال الحديث يظهر الرجل حيوية ذهنية يقظة طريفة، بل خبيثة، غير متناسبة بالمرة مع شيخوخته الظاهرة، فيفاجئ المشاهدين بعدة أمور: عويناته التي يرونها على وجهه ليست عوينات بل هي مجرد إطارات فارغة دون زجاج! أما ما حسبوه ميكروفونا يحمله في يده متكلما فيه فهو ليس ميكروفونا بل ماكينة حلاقة كهربية!


"أنتم قابلون للإنخداع، خاصة حين لا تتوقعون ذلك"-  هذا ما يريد البدء بقوله للجمهور بتلك المزحات الصغيرة.

و لا يلبث الرجل أن يخرج علبة أقراص كاملة فيبتلعها دفعة واحدة -  من ماذا؟ دواء منوّم!، من ذلك الفرع من الطب البديل المعروف بالعلاج التجانسي homeopathy ؛ و بما أن الدواء منوّم فتلك العلبة يفترض أن تخدر العجوز و تقتله، إلا أننا سنلاحظ أن إكماله لباقي المحاضرة بشكل طبيعي نشط هو أبلغ رسالة إنكار و تسفيه عمليين لذلك العلاج غير الفعال، الذي يعتمد على الإيحاء و التأثير النفسي لا أكثر.

يلي ذلك إلقاء مشوق عن أهمية التفكير العقلاني و النقدي، مع ضرورة التشكيك الحذر في كل ما نسمعه أو نراه، حتى نتجنب التعرض للخداع و النصب.

"مهما كنت ذكيا أو متعلما فإنه يمكن خداعك!" هذه مقولة يهوى جيمس راندي تردادها باستمرار.

و ذلك ما يقوم به الرجل فعليا: خداع العوام بشكل مقصود علني، بهدف توعيتهم و إيقاظ ملكاتهم النقدية و من ثم تحصينهم ضد الإنخداع على أيدي الدجالين الفعليين، الذين كرس راندي العقود الأخيرة من حياته لكشفهم و فضحهم.

الكاذب الصادق

راندال جيمس هاميلتون زوينج، أو المعروف بإسم الشهرة جيمس راندي ، ولد في 7 أغسطس 1928، في تورنتو بكندا، و منذ الصغر ترك دراسته و اشتغل بالسحر و ألعاب الخداع ، ثم عبر شبابه و كهولته عمل في عروض حواة مسرحية متنوعة متعلما العديد من الحيل، كما كتب عمود أبراج حظ في إحدى الصحف، و لاحقا عمل كمؤدي في نوادي ليلية في بريطانيا و أوروبا و الفلبين و اليابان، و منذ منتصف الأربعينات بدأ ممارسة فن التفكك من القيود و الأغلال و الهروب من الزنازين Escapology ، الأمر الذي برع فيه الساحر الأسطوري هاري هوديني من قبل،  و في الستينات و السبعينات قام راندي بتقديم عدة برامج على الراديو و التليفزيون عن السحر و حيل الحواة.


و في الستين من عمره تقاعد جيمس راندي- الذي عرف بلقب "المذهل"-  و بدأ يحقق في ماهية القوى الروحانية و فوق الطبيعية المزعومة، و قد حصل على الجنسية الأمريكية عام 1987 ، و لاحقا سيقوم بتأليف العديد من الكتب عن الخوارق و تاريخ السحر.

هكذا، على خطى هوديني، انتقل راندي من أداء ألعاب الحواة إلى نشاط آخر هو كشف مزاعم أهل الخوارق و العلوم الزائفة، مثل أدعياء الشفاء الروحاني و التخاطر الذهني و مخاطبة الموتى و التحريك عن بعد..إلخ، و قد أنشأ "مؤسسة جيمس راندي التعليمية" JREF بغرض تفحص تلك المزاعم و التحقق منها.
 
هاري هوديني

لقب طريف آخر تم إطلاقه على راندي هو"الكاذب الصادق"، إذ أنه حين يمارس ألاعيبه يؤكد دائما للمشاهدين أنه لا توجد أي سحر أو روحانيات أو خوارق في المسألة، بل فقط حيل ذكية و خفة يد و إيحاءات نفسية بارعة ؛  و الجدير بالذكر أن ذلك اللقب نفسه هو عنوان الفيلم الوثائقي الذي تم عمله حول قصة حياته An Honest Liar ، و الذي استغرق تصويره ثلاث سنوات و تم إطلاقه في 2014.

في تخصصه الأحدث - كشف أدعياء القدرات الخارقة - يطبق راندي أسلوبين ناجحين للغاية: الأول هو قيامه بتكرار أفعال أولئك المدعين بنفسه أمام الجميع، مما يثبت إذن بشكل عملي أن تلك الأفعال يمكن إجراءها ببعض البراعة و لا تستلزم أي إمكانيات فائقة للطبيعة.

هكذا نشاهد لراندي عروضا جماهيرية يبدو فيها أنه يعرف أمورا غير متاحة لحواسه ، أو يقوم بثني المعادن- المعالق و المفاتيح- عن طريق التركيز فقط، أو حتى يشرع بنفسه في إجراء "الجراحات الروحانية" Psychic surgery  ، و هي عمليات جراحية مزعومة تُجرى بالأيدي فقط، دون مخدر أو أدوات جراحة! ؛ إجراء منتشر يمارسه بعض الأدعياء خاصة في الفلبين و البرازيل، مستخدمين – إلى جوار المهارة و خفة اليد- دماء الحيوانات و قطع من أعضاء الدجاج لتمثيل أعضاء المريض التي يخرجونها بأيديهم العارية أمام الجماهير المنبهرة!


و الأسلوب الثاني الذي يستخدمه راندي لكشف الدجالين هو مطالبتهم بالقيام بما يقومون به تحت رقابة صارمة و قواعد علمية دقيقة تستبعد أي احتمال لتلاعب أو حيل خفية أو إيحاءات - و هو في طلبه هذا يكون شديد الإلحاح على المدعين، الذين يصل بهم الحال غالبا إلى الهروب، و هو هروب يحرص راندي على تسجيله و إعلانه على الملأ.

بتلك الوسائل البسيطة نجح هذا الكاذب الصادق - مرة بعد مرة-  في كشف الكثير من أدعياء السحر و أصحاب الخوارق المزعومين حول العالم، و الذين يجدون أنفسهم في مواجهة زميل سابق خبير، يعرف جميع حيلهم دون استثناء.

يوري غيلر 
هو شاب روحاني إسرائيلي كان يزعم أنه يمتلك القدرة على ثني المفاتيح و المعالق المعدنية بعقله وحده، كما يستطيع قراءة أفكار الناس و رؤية ما في الأماكن المغلقة، بل و كان يظهر على التليفزيون مؤكدا أن الجميع بإمكانهم القيام بذلك فقط ببعض التركيز و الإرادة! ، حتى حظي الرجل بشهرة عالمية و حصل على ثروات هائلة، كما صار نجما إعلاميا تتناوله الصحف و المجلات و البرامج بصفته ظاهرة محيّرة خارقة لكل قواعد العلوم المعروفة.

و لكن ذلك الإنبهار و البريق لن يستمران لفترة طويلة.

خرج جيمس راندي لينتقد ادعاءات غيلر بشكل عملي بأن قام بتكرار كل ألاعيبه السحرية، مع الفارق المعتاد أنه أكد على أن ما يقوم به هو مجرد حيل مدروسة لا أكثر: يمكن تجهيز ملعقة و ثنيها عدة مرات قبل الظهور لتضعيفها فتنثني بسهولة بمجرد الإمساك بها و التظاهر بالتركيز الروحاني عليها، و ربما يمكن صرف أنظار الناس و ثني المفتاح عن طريق دفع طرفه خفية في المنضدة أو الكرسي ثم إظهار طرفه علنا بشكل احترافي يبدو معه و كأنه ينثني بالتدريج أمامنا ، و كذلك يمكن الإستعانة بمرايا صغيرة لتخمين ما رسمه الشخص في ورقة ووضعها في ظرف مغلق، و ذلك عن طريق إدارة الوجه و تغطية العينين باليدين أثناء قيام الشخص بالرسم، مع استخدام المرآة المخفية في اليد لرؤية ما يقوم برسمه في الخلف، ثم التظاهر لاحقا بتخمينه عن طريق التركيز الروحاني التمثيلي.

التفاسير و المحاكاة التي قام بها راندي لا تعتبر بحد ذاتها دليلا حاسما على أن يوري غيلر نصاب، و لكنها – على الأقل- تقدم للناس احتمالا أكثر منطقية لما قد يكون حدث فعلا، بشكل يظل أكثر ترجيحا من مزاعم القدرات الروحانية الخارقة.

و لكن لاحقا جاءت الفرصة لخطوة أخرى أكثر قوة و حسما.

في 1973 تم استضافة غيلر في برنامج تليفزيوني آخرToday show  من تقديم المذيع جوني كارسون، و الذي تصادف أنه هو نفسه ساحر سابق و متشكك مثل راندي، فاستعان كارسون براندي لمساعدته على تحضير الأمور بحيث يتجنب أي ألاعيب خفية من قبل غيلر ، فنصحه جيمس بإعداد أدوات التجربة بنفسه و عدم السماح ليوري أو فريقه بالإقتراب منها، و بالطبع عدم السماح للساحر المزعوم بإحضار أدواته الخاصة- و التي قد يكون تلاعب بها مسبقا.

 و جرى إعداد المسرح بشكل مناسب : تم تقديم عدة ألعاب سحرية لغيلر و السماح له باختيار ما يشاء منها : معالق جاهزة ليثنيها بعقله ، علب مغلقة واحد منها فقط ممتلئ ينتظر أن يقوم بتخمينه دون لمسه ، كما قيل له أن واحدا من موظفي البرنامج قد قام بعمل رسمة محفوظة في ظرف مغلق، و سألوا يوري هل تود استخدام قدراتك لمعرفة الرسمة؟ فتحجج بأنه قد يحاول القيام بذلك في وقت لاحق.

كذلك فشل غيلر في معرفة العلبة الواحدة الممتلئة وسط العلب، كما رفض ثني أية معالق في هذا اليوم، معلنا أنه لا يشعر بأن لديه القوى الروحانية الكافية في الوقت الحالي ، و بدا على الشاب العصبية و الإرتباك الشديدين.

بعد البرنامج لفترة طويلة شرع يوري غيلر في رفع عدة دعاوي و قضايا تعويض ضد راندي الذي تسبب في إهانته و تدمير سمعته على هذا النحو.

بيتر بوبوف
نموذج آخر لدجال نجح جيمس راندي في كشفه علنا.

هو مبشر تليفزيوني مسيحي و معالج روحاني ذاع صيته في الثمانينات بسبب عروضه المبهرة، حيث كان يقف وسط الجماهير الغفيرة بالآلاف يعظ صارخا بصوته المؤثر ، و ما يلبث أن يختار شخصا عشوائيا من الحضور و يتكلم معه عارفا معلوماته الشخصية كإسمه و المرض الذي يشكو منه، ووسط الحشود المؤمنة يهتف بإسم المسيح معلنا أنه قد تم طرد الشيطان من الضحية و تم تدمير ذلك المرض اللعين إلى الأبد، هللويا - و من المؤكد أن بوبوف بدا لأتباعه رجلا مؤيدا من الله بقدرات خارقة على المعرفة و على الشفاء.

لكن لاحقا سيتبين أن الأمور ليست بتلك البساطة أو تلك الروحانية.


في عام 1986، و بالإستعانة بماسح راديو خاص، تمكن راندي من التقاط موجات راديو كشفت سر المعرفة الفائقة التي يستعرضها بوبوف و يزعم أنها من عند الله ؛ إذ اتضح أن زوجته إليزابيث تقوم في أثناء العروض بإبلاغه بيانات الأشخاص الذين يتحدث معهم ، و التي عرفتها هي من خلال جلسات "إنترفيو" تحضيرية سابقة للعرض، فكان بوبوف في أثناء العرض ينصت إلى تلقين إليزابيث له من خلال سماعات لاسلكية مخفية في أذنه، و يتظاهر بأنه يستحضر المعلومات من قوى روحانية كبرى، و يسردها أمام الجموع المشدوهة.

نجح راندي - عن طريق الماسح-  من تسجيل تلقينات زوجة بوبوف له.

ثم في مناسبة أخرى نجح في دس رجل متنكر في ثياب امرأة زعمـ(ت) أن لديهـ(ـا) سرطان رحم، فقام بوبوف بشفائهـ(ـا)!

و حين تم إذاعة تلك المقاطع علنا (3) و تم كشف ألاعيب بوبوف في برنامج تليفزيوني شهير- هو نفس برنامج كارسون ذلك الذي كشف غيلر من قبل - تفجرت الفضيحة ، و مع المزيد من الضغط الإعلامي  اضطر المبشر إلى الإعتراف بالدور الذي كانت تلعبه زوجته من وراء الكواليس، و كالمتوقع انهارت شعبية بيتر بوبوف بشدة حتى أنه أعلن إفلاسه بعد أقل من عام و نصف من تلك الحادثة ، و لم يبد أن قدراته الروحانية الخارقة قد نفعته كثيرا.

جولات أخرى لكشف المحتالين
بالإستعانة ببضعة أدوات و بمبادئ مبسطة من المنهج العلمي، نجح جيمس- المذهل- راندي في كشف عشرات الدجالين الآخرين عبر عقود.

في أحد العروض يقوم بمواجهة شخص يدعونه "الرجل المغناطيس" يزعم أن لديه خاصية خارقة تجعل المعادن تلتصق بجسده ؛ أعلن جيمس أن هذا الإلتصاق ناجم عن مادة زيتية لزجة على صدر الرجل، و لكشف الحيلة قام بتغطية جذعه ببودرة تلك و طلب منه تكرار حيلته، إلا أنه لم ينجح بل انزلقت الأجسام المعدنية من على جسده -  مما أكد ظن راندي.

ساحر آخر مشهور يدعى جيمس هيدريك، كان يقوم أمام الملأ بالتركيز بنظره مقتربا من كتاب مفتوح على منضدة، ثم يفاجئهم بتقليب صفحات الكتاب بعقله فقط ، مبهرا الجماهير ؛ واجهه راندي بأن ما يقوم به هو حيلة بسيطة تعتمد على النفخ خفية في الأوراق، و لكشف الحيلة قام برش قطع صغيرة من الفوم الخفيف جدا حول الكتاب، و طلب من الرجل أن يقوم يقلب الصفحات دون تحريك الفوم، لكن هيدريك تملّص من الإستجابة ، مما فضح كذبه أمام الجميع.

و مع شخص آخر يزعم أن لديه قدرة خاصة على رؤية "الهالات الروحانية" للأشخاص و معرفة أماكن تواجدهم السابقة، أحضر راندي خمسة متطوعين و أوقفهم وراء ساتر، ادعى الرجل أن بإمكانه رؤية هالاتهم من خلاله، ثم جعل راندي المتطوعين يظهرون من وراء الساتر، و طلب من الرجل أن يحدد المكان الذي كان كل شخص واقفا فيه حسب هالته ، و النتيجة توقعات خاطئة تماما .

و مع سيدة تدعي أن باستطاعتها معرفة إن كان الشخص حيا أو ميتا فقط من خلال النظر إلى صورته دون معرفة سابقة ، أحضر لها راندي صور خمسة أشخاص مجهولين و طلب منها تحديد إن كانوا أحياء أم أموات، و النتيجة أيضا خرجت لا تشي بأية قدرات خاصة .

سيدة أخرى أكدت أن بإمكانها مساعدة الشرطة في الكشف عن الجرائم عن طريق قدرتها الخارقة على معرفة الماضي المتعلق بأية أداة بمجرد لمسها ، فقام جيمس باختبار قدرتها عمليا من خلال تحضير بضعة أدوات متنوعة أمامها، مع الطلب منها أن تذكر تاريخ كل أداة، و النتيجة ارتباك و فشل ذريع .

اختبار آخر قام به راندي لشخص "راصد للمعادن" ، و هو ممارسة شهيرة يدعي البعض فيها قدرتهم على معرفة أماكن مواد معينة (ماء أو معادن) تحت الأرض من خلال الإمساك بعصا طويلة و رصد ذبذباتها ؛ و للتحقق من الأمر أحضر راندي سبعة علب مغلقة و طلب من الرجل استخدام عصاته لمعرفة العلبة الوحيدة التي تحتوي على الزنك الخام وسط العلب الأخرى الفارغة، و النتيجة خيبة أخرى .

مدعية أخرى تزعم دراستها للقوى الفائقة لحجر الكريستال، و تؤكد أن بعض أنواع تلك الحجارة تحسن من صحة الشخص فورا بمجرد الإمساك بها في يده حتى أن حركة ذراعه تزداد قوة عن الطبيعي! ؛  لتفحص ادعاءها قام راندي بوضع الحجر السحري المزعوم في كيس مغلق، و أحضر جواره خمسة أكياس مماثلة تحتوي على سم فئران، ثم استعان بسيدة وسيطة أخرى- صحافية- و جعلها تمسك كل كيس بيدها على حدة، و طلب من المعالجة أن تقيس قوة حركة ذراع الوسيطة في كل مرة لتتعرف بتلك الطريقة على الكيس الصحيح، الذي يفترض أنه سيترك تأثيرا ملحوظا على قوة السيدة – لكن السيدة اختارت كيسا خاطئا مما أظهر كذب ادعاءاتها .

و في مواجهة ممارس مزعوم للتخاطر العقلي Telepathy ، كان الرجل يستعرض انتقال فائق للأفكار بين وسيطين مرافقين له (رجل و سيدة)،فيقوم بتوصيل جهاز رصد خاص (شبيه بجهاز كشف الكذب) إلى أصابع الرجل، بهدف تحديد موعد نقل الأفكار من السيدة إليه، فحين يستقبل الرجل الأفكار ينشط ذهنه فيصدر الجهاز رنينا خاصا؛ هنا اقترح راندي أن التزامن قائم على مجرد اتفاق لتبادل علامات بصرية خاصة بين الرجل و السيدة، و لكشف الأمر يطلب من الرجل أن يجلس مدير ظهره إلى السيدة، بينما يقوم راندي شخصيا بإصدار إشارة إلى السيدة لنقل أفكارها إلى الرجل في توقيت محدد، يفترض أن الجهاز يواكبه معلنا وصول الأفكار إلى المستقبل – لكن ما حدث هو صدور الرنين في غير توقيت الإشارة عدة مرات، مما أوضح الأمور و أكد أن التوافق الأول كان بالفعل نتيجة اتفاق بصري بين الرجل والسيدة- التي شعرت بالحرج من كشف الأمر فغطت وجهها بيدها و غرقت في ضحك مكتوم .

استضاف راندي أيضا خبير "علم خطوط" Graphology ، ممن يؤكدون أن لديهم قدرة على تحديد شخصية المرء و العمل المناسب له من خلال خط  يده وحده، و هو علم مزعوم تم الترويج له بشكل واسع حتى أن بعض الشركات صارت تستخدم "خبراء" ذلك "العلم" لمساعدتهم على اختيار المتقدمين للوظائف لديها ؛ للتحقق من ادعاءات الرجل أحضر راندي أمامه خمسة أشخاص يشغلون خمس وظائف مختلفة، و أعطاه خمس نماذج لكتابات أولئك الأشخاص، ثم طلب منه أن يقوم بمعرفة أي الأشخاص ينتمي إلى أي المجالات العملية اعتمادا على خط يده  وحده، و النتيجة تطبيق عملي صارخ على فشل ذلك العلم المزيف .

تلك المواجهات الفضائحية المدمرة - و غيرها- جعلت كثير من أدعياء القدرات الخارقة يتجنبون الإستجابة لتحديات جيمس راندي و باتوا يهربون منه كالجحيم.

سيلفيا براون
هي كاتبة أمريكية لديها قدرات وساطة خارقة مزعومة تمكنها من التواصل مع أرواح الموتى الذين يبلغونها رسالات من العالم الآخر توصلها لأحبائهم، ليس مجانا طبعا.

ظهرت سيلفيا في العديد من البرامج التليفزيونية و الراديو، و رغم تعرضها لبعض الإنتقادات بسبب بعض التنبؤات الخاطئة إلا أنها حظيت بإقبال ساحق من المؤمنين بقدراتها، وصل إلى أنها- كما قيل- كانت تتلقى 700 دولار في مقابل استشارة لمدة 20 دقيقة، على التليفون!، كما تم تقدير دخلها السنوي من تلك القراءات الروحانية وحدها إلى ثلاثة ملايين دولار.

أشد المنتقدين لسيلفيا - كالمتوقع- كان جيمس راندي؛ و كرد على انتقاداته أعلنت السيدة في عام 2001 ، إبان ظهورها في برنامج الإعلامي الشهير لاري كينغ، أنها ستؤكد شرعيتها عن طريق قبول تحدي جيمس راندي الشهير، بمنح مليون دولار لأي شخص يتمكن من إثبات أن لديه أي نوع من القدرات الخارقة للطبيعة تحت رقابة علمية صارمة ، لكن سيلفيا سرعان ما تراجعت عن كلامها مدعية بأن مبلغ التحدي غير موضوع في الضمان، و رغم إظهار راندي لخطاب موثق بأن المبلغ موجود، و إبداءه الإستعداد لوضعه في الضمان- بالمخالفة لشروط الجائزة- إلا أن براون لم تستجب و لم تبادر بالإتصال بمؤسسة راندي، و ذلك رغم إعلانها مسبقا عدة مرات أنها مستعدة للتحدي.

".. زعمت سيلفيا أنها لم تستطع الإتصال بي لأنها لم تجد اسمي في دليل التليفون ؛ بحق السماء هذه السيدة تدعي أنها تتصل بالموتى،  لكنها لم تتمكن من الإتصال بي أنا؟!"،  أنا - على الأقل- على قيد الحياة لو لاحظتم!" – بتلك النبرة الساخرة يتحدث جيمس عن الروحانية المزعومة في محاضرته الشهيرة في تيد.

الجدير بالذكر أن سيلفيا براون- التي قامت بتأسيس كنيسة Novus Spiritus  في منتصف الثمانينات، تم لاحقا – في 93- إدانتها قضائيا بتهم تتعلق بذمتها الماليةـ و صدر ضد زوجها – الثالث- حكما بالسجن، و ضدها حكما آخر مع وقف العقوبة.

المشروع- الفضيحة-  ألفا
  Project alpha
في عام 1979 تم إعلان أن الثري و المهندس الشهير جيمس ماكدونيل دوغلاس، رئيس مجلس إدارة ماكدويل دوغلاس للطيران، قد قام بمنح نصف مليون دولار لجامعة واشنطغتون لتأسيس مختبر جديد ماكدونيل للأبحاث العقلية فوق الطبيعية.

مدير مختبر ماكدونيل – بروفيسور الفيزياء بيتر فيليبس، المهتم بالخوارق و الباراسيكولوجي لسنوات طويلة-  أعلن للصحافة أنه سيشرع في فحص ظاهرة القدرة العقلية على التأثير على الجمادات psychokinesis خاصة لدى الصغار ؛ و وسط ثلثمائة شاب متقدم تم اختيار شابين صغيرين هما مايك إدواردز  و ستيف شو، اللذان أذهلا الجميع بأفعالهما التي بدت خارقة ، و بعد سلسة من الإختبارات المتنوعة أعلن الباحثون في المختبر أن إدواردز و شو (المعروف بإسم باناكيك) يمتلكان ولا شك قدرات فائقة تمكنهما من التأثير على الجمادات بعقليهما دون لمس.

لكن في مؤتمر صحافي - سيأتي بعد نحو خمسة سنوات-  ستتفجر المفاجأة : الشابان محتالان، أرسلهما و قام بتدريبهما جيمس راندي شخصيا!

قبل بدء الفحوصات، أرسل راندي إلى مدير المختبر فيليبس رسالة متضمنة أحد عشر "محذورا" يفضل التنبه لها في اختبارات التحقق من ادعاءات الخوارق: منها مثلا نصيحته بعدم السماح للمتقدم بتغيير قواعد الإختبار في المنتصف لمصلحته، بل ينبغي أن تظل القواعد ذاتها معمول بها بدقة، و في إطار تحريك المعالق حذر راندي من وضع عدة نماذج لمعالق متنوعة أمام المدعي بل يجب الإكتفاء بنموذج واحد، كما نصح راندي بوجود ساحر\ محتال آخر في أثناء الإختبار، و عرض القيام بنفسه بهذا الدور، بالإضافة إلى بعض النصائح و الإقتراحات الأخرى.

منذ البداية لم يبد أن الباحثين في مختبر ماكدونيل اهتموا بتطبيق اقتراحات راندي، فأكد فيليبس أنه قادر بمفرده على الإشراف على التجارب بدقة و الخروج بنتائج دقيقة علميا ، و لكن يبدو أن هذا الوعد لم يتحقق؛ فقد تم السماح للمدعين بأخذ زمام المبادرة في الإختبارات، مما مكنهم من خداع العلماء بعدة طرق، كما تبين لاحقا و تم توثيقه في عدة مصادر هنا وهنا وهنا.

على سبيل المثال فالشابان قاما باستغلال وجود عدة نماذج للمعالق أمامهم ، فتمكنوا – بخفة يد- من تبديل العلامات الورقية المكتوبة من ملعقة إلى أخرى، و هكذا حين قام الباحثون بقياس المعالق مرة أخرى بعد التجارب ظنوا أن مقاساتها تغيرت عما كانت عليه قبل التجارب، الأمر الذي عزوه إلى تاثيرات الشابين العقلية!

كذلك في باقي الإختبارات الأخرى، التي خرجت تقارير علماء المختبر مؤكدة أن إدواردز و باناكيك نجحا فيها مثبتين قدراتهما، تبين لاحقا أن الشابين نجحا في خداع العلماء بألاعيب ماكرة و خفة يد شبيهة بحيل الحواة.

و في منتصف عام 81 ، في مؤتمر للسحرة، قام راندي بالتلميح أنه هو من أرسل الشابين إلى المختبر و قام بتدريبهما لخداع الباحثين ، لكن تم التعامل مع كلامه على أنه مجرد مزحة.

قبل هذا مباشرة، كان فيليبس قد راسل راندي طالبا منه المساعدة، فأرسل الأخير له عدة فيديوهات و تسجيلات عن أساليب الخداع في عالم السحر، و منها فيديو متعلق بألاعيب يوري غيلر، مما دفع الباحثون في المختبر إلى تغيير أساليبهما و استبدالها بخطوات و قواعد أكثر دقة و صرامة، فقاموا بوضع علامات مصغرة على المعالق بدلا من العلامات الورقية ، و منعوا الشابين من التلاعب المباشر مع أدوات الإختبارات، بالإضافة إلى قواعد أخرى استخدمها راندي مسبقا في كشفه لمحتالين سابقين.

هنا بدا أن القوى الخارقة للشابين قد تبددت فجأة، لكن الحقيقة أنهما باتا عاجزين عن خداع الباحثين، و خرجت التقارير التالية للمختبر تخفف من نغمة الحماس السابقة، مشيرة إلى أن القدرات الخارقة للشابين "ليست بالوضوح المتوقع".

و أخيرا في 83، أعلن جيمس راندي في مؤتمر صحافي أنه قد قام بخداع مختبر ماكدونيل التابع لجامعة واشنطغتون، و أمام الجميع استدعى الشابين للقيام بحيلة ثني الملعقة، ثم سألهما"هل تتفضلان بإخبارنا كيف تفعلانها؟"، فأجابه أحدهما ببساطة "نغش!" مما استدعى تأوهات الحضور المصدومين.


إدواردز و باناكيك مع جيمس راندي

و هكذا انتهت المسرحية، التي تضمنت نجاح شابين صغيرين مدربين - باستخدام ألاعيب حواة - في خداع علماء مختصين على مدار أعوام، و عبر 160 ساعة من الإختبارات و الفحوصات المختلفة.

و كالمتوقع كان للقضية توابع ضخمة، نجم عنها انهيار المستقبل الوظيفي للعديد من الباحثين المشتركين في المشروع، كما تم إغلاق مختبر ماكدونيل نهائيا.

بالطبع لم تكن الفضيحة أو الإحراج أو تشويه السمعة هي الهدف مما قام به "المحتالون" الثلاثة، و لكن الغاية كانت البرهنة على ما يؤكده المتشككون أمثال راندي منذ زمن: أن الكل يمكن خداعه، حتى العلماء.

القضية ببساطة أن المؤمنين بالروحانيات كانوا دوما يشتكون من أن مشكلتهم الرئيسية هي عدم توفر التمويل اللازم لإجراء الأبحاث التي ستثبت صدق معتقداتهم، و لكن على الجانب الآخر المشككون يرون أن المسألة أكبر من هذا: و تتعلق بالإنحياز المسبق للمعتقدات التي يود الروحانيون إثباتها بأي شكل.

الباحثون في مختبر ماكدونيل لم يكونوا أغبياء، و لكن كان لديهم ميل إلى تصديق وجود القدرات الخارقة، و لهذا تم خداعهم، لأن انحيازهم المسبق جعلهم يمنحون الشابين الفرصة لخداعهم.

و لعل أكثر ما يؤكد هذا هو ما أشار له راندي لاحقا، من أنه قد اتفق مع إدواردز و باناكيك منذ البداية أن لو تم سؤالهما في أي وقت "هل أنتما مخادعان؟ هل تقومان بتزوير نتائج الفحوصات؟" أن يجيبا بنعم(!) – ولكن المدهش أن هذا السؤال البسيط، الذي كان كفيلا بإنهاء المسألة فورا، لم يتم طرحه على الشابين بشكل مباشر أبدا طوال فترة الإختبارات!

مسرحية خوزيه ألفاريز
لم يكن مشروع ألفا هو المقلب الوحيد الذي أجراه جيمس  راندي لإثبات قابلية الناس للإنخداع ، ففي عام 1987 قام باختراع كيان وهمي سماه "كارلوس" قال أن عمره ألفين سنة، و ادعى أن هذا الكائن يتجسد في عدة أجسام عبر العصور، آخرهم فنان أمريكي شاب يدعى خوزيه ألفاريز.

ألفاريز في الحقيقة هو ممثل أدائي، و هو رفيق راندي و تلميذه و مساعده، حيث أشرف الأخير على تدريب الشاب على العديد من الحيل و الألاعيب، فعلمه- مثلا- أن يضغط كرة بينغ بونغ تحت إبطه لإبطاء نبضات قلبه في أثناء التظاهر بنوبات التلبس الروحاني، ثم اتجه الإثنان إلى أستراليا في 88 ، بعد أن راسل راندي العديد من شبكات التليفزيون و الجرائد الأسترالية حاكيا لهم عن استعراضات عجائبية لكارلوس في الولايات المتحدة.

و في أستراليا، تم استضافة ألفاريز- كارلوس- في عدة برامج تليفزيونية كبرى، و عبر سماعة أذن لاسلكية كان راندي يلقنه الأجوبة المناسبة على أسئلة اللقاءات؛ و تجلت ذروة نجاح الجولة في عرض أوبرا سيدني، حيث عرض أمام الجماهير عدة قطع كريستال خاصة تدعى "دمعات كارلوس" بسعر 500 دولار للواحدة، كما عرضت "كريستالة أطلانتيس" بـ14000 دولار، و حظيت المعروضات بحالة إقبال شرائية مدهشة (رغم أن فريق راندي رفض تلقي الأموال لنفسه) .

بعد كشف الخدعة انفجرت حالة من الغضب العارم في الإعلام الأسترالي، الأمر الذي استجاب له راندي بالتصريح بأنه لا يوجد صحافي واحد أتعب نفسه في محاولة التقصي حول المعلومات العجائبية التي تم الترويج لها عن كارلوس.

و الطريف أن نجومية كارلوس لم تخفت، فقد ظل الناس يقابلون خوزيه في الشارع مصرين على الإقتناع بقدراته الروحانية الخارقة.

تحدي المليون دولار
لعل أشهر ما يتصل بجيمس راندي و مؤسسته هو ذلك التحدي الشهير بمنح مليون دولار جائزة لأي شخص ينجح في إثبات أن لديه قدرة روحانية أو خارقة أو فوق طبيعية من أي نوع، بشرط أن يتم ذلك تحت رقابة علمية مناسبة .

بدأت المسألة في عام 1964حين كان راندي في أحد البرامج التليفزيونية و تحداه أحد الباراسيكولوجيين بأن يراهن بماله إن كان واقفا مما يدعيه، فاستجاب جيمس بأن عرض ألف دولار من ماله الخاص لأي شخص ينجح في إثبات وجود قوى فوق طبيعية لديه تحت اختبارات مدققة - و منذ ذلك الحين تزايد المبلغ حتى وصل إلى مليون دولار.

أما الشروط فليست معقدة لكنها دقيقة مصممة لفضح الحيل و الألاعيب: إن كنت تزعم ثني المعالق بعقلك فلن يسمح لك أن تحضر معالقك الخاصة، إن كنت تزعم رؤية الهالات حول الأشخاص فعليك القيام بذلك تحت اختبارات صارمة ، إن كنت تزعم الرؤية عن بعد فلن يسمح لك بالإقتراب مما ينتظر منك رؤيته ، إن كنت سترصد الماء أو المعادن بعصاك فعليك أن تكون مستعدا لفعل ذلك تحت ظروف موضوعية متحكم بها، إن كنت ستقوم بعملية جراحية روحانية فستقوم بها و الكاميرات تراقب كل حركة من حركاتك.

و الجدير بالذكر أن مئات تقدموا إلى التحدي حتى اليوم، أما عدد الذين نجحو في اجتياز الإختبارات الأولية فهو: صفر!

خاتمة: درس العقلانية

في 28-1-2015،  في السادسة و الثمانين من عمره، كتب راندي معلنا استقالته من منصبه في مؤسسته، معلنا في نفس الوقت أنه لن يتوقف عن معاركه، بالمحاضرات و الكتابة ، ضد الشعوذة و الدجل و ادعاءات الخوارق .

لعقود طويلة قام راندي بالترويج لمفاهيم العقلانية و العلمية و الدقة و لأهمية التفكير النقدي الواعي التشكيكي، و  قد تم نشر عدة مقالات عن الرجل في  Scientific American  و غيرها.

في يوليو 1995 بعنوان
A skeptically inquiring mind
و في 9 مارس 2015 بعنوان
A Plea for a Scientific Worldview from An Honest Liar, on Debunker James Randi

نسمعه في أحد اللقاءات يصرح بأنه شخصيا يريد الحفاظ على عقله دقيقا و صاحيا قدر الإمكان، فهو لا يدخن أي شيء و لا يشرب الخمر أبدا ، لأنه ممن يرفضون تشويش عقولهم و تركيزهم أو تقليل قدراتهم المنطقية بأي شكل، و من أقواله أن هناك فارقا هائلا بين أن يكون لديك عقلا منفتحا، و أن يكون لديك ثقبا في رأسك يتسرب منه مخك!-  بمعنى آخر ليس من الحكمة الإنفتاح العقلي على كل شيء أو الإستعداد لتصديق كل شيء دون تدقيق.


و فيما يقوم به هو لا يفضل لقب "هادم" الخوارق، و إنما يعتبر نفسه "محققا علميا" فيها، و في أحد اللقاءات له مع ريتشارد دوكنز سأله الأخير: ماذا لو كانت تلك القوى الخارقة موجودة و نجح أحد المختبرين في تحقيق تحديك؟"، فأجاب راندي أن هذا سيسعده تماما، و أنه سيكون راضيا بدفع المليون دولار في مقابل تقديم حقيقة معرفية جديدة للناس.

و هو لا يتفق مع من يقولون أن الدجالين- حتى لو كانوا كذابين فهم على الأقل يريحون الناس نفسيا و يقدمون لهم التعزية ..إلخ ، بل على العكس هو يؤكد على الجانب السيء و الشرير لما يقومون به، ليس فقط من ناحية خداع المريض و ضياع وقته و ضياع فرصته في الحصول على حلول حقيقية لمشاكله، بالإضافة طبعا إلى ابتزاز أمواله ، لكن راندي أيضا يشير إلى التأثير النفسي السيء للخزعبلات ، فالمتحدثون مع الموتى على سبيل المثال يربطون الشخص عاطفيا بقريبه أو صديقه المتوفى لفترة أطول من المعتاد، فيزداد حزنه بدلا من أن يقل، و يشبه راندي أولئك المشعوذين بالعقبان، طيور جارحة تجلس على الأشجار و تنتظر مجيء المعاناة و الحزن إليها ؛ الأشخاص الحزينون يكونون أكثر ضعفا و احتياجا للمساعدة و بالتالي هم أكثر قابلية للإنخداع- الدجالون ينقضون على اولئك الضحايا لاستنفاد أموالهم دون شفقة.

بالطبع ليس جيمس راندي هو المتشكك الوحيد الذي يجتهد في فضح ادعاءات الدجالين، و هو حتما ليس أولهم و ليس آخرهم، و لكن لعله أشهر من يقوم بذلك اليوم و أكثرهم جاذبية و كاريزما و دهاءا ، و المهم أن تلك العدوى الحسنة (الإستعانة بالعلوم لكشف الدجل) هي عدوى تنتشر بشكل كبير حتى صار هناك أجيالا جديدة من العقلانيين الذين يتبنون الترويج لنفس قيم الدقة و الفحص العلمي، ليس فقط في الغرب و لكن في أماكن أخرى حول العالم يتواجد فيها أولئك المشعوذين- كالهند على سبيل المثال التي صار فيها عقلانيون يتكبدون صعوبات عديدة لمواجهة الدجل المستشري هناك و فضحه بأساليب علمية.

 وما أحوج عالمنا العربي إلى من يقوم بمثل هذا الدور.

هناك تعليقان (2):