السبت، 20 يوليو 2019

المقامة الرجولية



يُحكى في أحد بلاد العربان، الزاخرة بالمجد والعنفوان، أن المواطنين الشرفاء الغيورين، قد أمسكوا يوما بصبي وفتاة من الشياطين، بالجرم متلبسين، إذ كانا في الشارع واقفين، وبكل شوق وحنين، لبعضهما محتضنين!

وكانت فضيحة مدوية، حيث انقضت عليهما الجماهير الأبية، الرافضة للعري والإباحية، وقيدوهما بثبات، وانهالوا عليهما بالضرب والصفعات، وألقوا عليهما الوعيد والتهديدات، والشتائم واللعنات، لأفراد الأسرة الأحياء منهم والأموات، جزاءا وفاقا لجميع العشاق الملاعين، الذين يتصورون أننا شعب من الديوثين، الخالين من المروءة والدين.. مالهم كيف يحكمون؟ أفبعذابنا يستعجلون؟

واختلفت الآراء، فيما يجب اتخاذه من إجراء: بين صقور يرون وجوب قتل الفاسقين، أعداء الحق والدين، انتقاما للفضيلة، وحفاظا على شرف القبيلة، وبين وسطي يريد جلد مرتكبي القبيحة، تخلصا من عار الفضيحة، فالجلد هو عقوبة الجناة، كما نجده في شرع الله، وأما عن فريق الحمائم، فقد رأى الإكتفاء بإبلاغ ولاة الأمر أصحاب اللحى والعمائم، ليقوموا هم بالتصرف الملائم..

ولكن مع استمرار التحقيقات الميدانية الشديدة، ظهرت بالقضية حقائق جديدة، حيث بدأ الشاب الكلام بروية، مفجرا مفاجأة مدوية، فقد حرك بالحديث شفتاه، معترفا بأنه لا يعرف الفتاة، ولا تربطهما أي علاقة، سواء حب أو حتى صداقة!، وإنما القصة وما بها، أنه كان يتحرش بها، وذلك بدون سابق معرفة، وهو نادم على تلك الفعلة المقرفة..

وهنا هدأت الأجواء، وتنفس المواطنون الصعداء، حيث لم تعد المسألة جريمة زنا نكراء، تستحق إسالة الدماء، وإنما هي مجرد اعتداء، من ذكر على إحدى النساء، ومن منا لا يرتكب الأخطاء؟

وكانت نهاية المأساة، بأن تم تأنيب الفتاة، على ارتدائها ملابس ذات طابع جريء، كفيلة بأن تفتن شبابنا البريء، وتم تذكيرها بضرورة الحجاب، تجنبا للعذاب، في يوم الحساب، وبعدها تم إطلاق سراح الشاب، مع الإعتذار على ما سببوه له من اضطراب..

ورجع المواطنون إلى حياتهم العادية، وهم يفتلون شواربهم الرجولية، مرتاحين الضمير، حامدين ربهم على أن بلادهم الشريفة ما تزال بخير..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق