السبت، 20 يوليو 2019

لست مركز الكون



تقول الأبيات المنسوبة لعلي ابن أبي طالب، مخاطبة الإنسان:
(وتحسب انك جـِرمٌ صغير  - وفيك انطوى العالم الاكبر)

ويختلف معه تماما الشاعر المصري صلاح جاهين:
(إنسان أيا إنسان ما أجهلك
 ما أتفهك في الكون و ما أضألك
شمس وقمر و سدوم و ملايين نجوم
وفاكرها يا موهوم مخلوقه لك؟!)

والفارق بين النظرتين هو الفارق بين الكلاسيكية والحداثة، فلا نبالغ لو قلنا أن تاريخ المعرفة هو تاريخ اكتشاف ضآلة الإنسان وسط ضخامة الكون، كما قال جاهين..

بعد أن كنا منقادين بعواطفنا ونرجسيتنا التطورية العزيزة لنظن أن العالم مخلوق حصرا من أجل نوعنا، صار العلم يصفع غرورنا مرة بعد مرة، لنكتشف أننا لا نزيد عن ذرات متناثرة في كون لا يمكن لعقولنا تصور ضخامته..

وأكبر صفعتين هما صفعتا غاليليو وداروين، وكلاهما له إرهاصات سبقته : الأول أخبرنا أن أرضنا ليست مركز الكون كما كنا نظن ، وإنما هي كوكب آخر يدور حول الشمس، ولاحقا اكتشفنا أن المجموعة الشمسية نفسها ليست سوى جزء صغير جدا بالكون، وهي أيضا تتحرك، ضمن مئات المليارات من النجوم والكواكب..

وأما الثاني فأخبرنا أن نوعنا البيولوجي غير متميز إلى تلك الدرجة، وأننا لم نهبط من السماء وأنما نشأنا عن الأرض، متطورين عن أسلاف حيوانية، مما يجعلنا أحد أبناء الطبيعة لا أسيادها..

وإن أردت معيارا قويا تقارن به بين المنهج العلمي والمنهج الديني، لترى أيهما يقدم لك نظرة أكثر واقعية للعالم ، فانظر أيهما يخاطب أطماعك ويغذي أمنياتك ويدغدغ أحلامك ويلائم نرجسيتك، وأيهما يصدمك بالواقع المتواضع وأحيانا المرير : أنك لست مميزا بالشكل الذي كنت تظنه، وأنك لست مركز الوجود، وأن الكون مكان واسع لا يعبأ بك كثيرا، فهو كان موجودا من قبلك، وغالبا سيستمر من بعدك..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق