الجمعة، 19 يوليو 2019

عن الإختلاف والتشابه



لو تحررنا قليلا من السيرة الموروثة، ولاحظنا سياق دعوة محمد وعلاقته بخصومه، لربما استطعنا فهم بعض الآيات القرآنية بشكل مختلف، أقرب إلى واقع نشأة هذا الدين..

من القرآن - وبعض نصوص السيرة - نلاحظ أن أول احتكاك لمحمد كان مع أهل الكتاب، رهبان النصارى، وربما بعض اليهود، وأنه حين أعلن دعوته اتهمه خصومه بأنه "يعلمه بشر"، يقول القرآن أنه ذو "لسان أعجمي".. وترد أسماء عديدة مرشحين لتعليم محمد، كما ترد نصوص تربطه بالسريانية، لغة اليهود آنذاك..

كما نلاحظ أن هدف محمد الأول كان إثبات شرعيته بالإستناد إلى أهل الكتاب، فيقول أن كتابه جاء "مصدقا لما معهم"، وأن محمد هو النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ.. وحين آمن به بعض اليهود ابتهج بهم وتحدى العرب قائلا: أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟

ومن هنا يمكن أن نعيد فهم تلك الآية:
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا


فربما يكون المقصود بالإختلاف ليس "التناقض" كما يفهمها أكثرنا، وإنما قد يقصد "الإختلاف عن الرسالات السابقة".. فهنا يقول لهم: دليل صحة كتابي أنه متطابق مع ما جاء بالتوراة والأناجيل، اللتين جاءتنا من مصدر إلهي، ولو كان كتابي من عند غير الله لما جاء متشابها معهما بهذا الشكل..

ومسألة "التشابه" (مع الكتب السابقة) يمكن أن تفسر لنا آية أخرى غريبة:
هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ

فلعل المقصود أن بعض آيات القرآن جاءت متطابقة مع نصوص سابقة يعرفونها، وكأنها ترجمة مباشرة، بينما جاءت نصوص أخرى غير متطابقة، فأثارت شكوك البعض، ولكن - يؤكد القرآن - أنه لا داعي للشك، لأن تلك الآيات، وإن لم تكن محكمة التطابق مع التوراة والأناجيل، إلا أنها متشابهة في المعنى، فلا ضير..

وأتصور أن هذا المعنى قريب مما اقترح لكسنبرغ في قراءة سريانية أرامية للقرآن، فهو يرى أن كثير من آيات القرآن ليست سوى "ترجمة" عربية لنصوص كتابية..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق