السبت، 20 يوليو 2019

التحرر من الإنتماء



الإنتماء شيء لطيف لما ينتج عنه علاقة ترابط ومحبة للقريبين منك: أسرتك، أهل بلدك، او الأشخاص الذين يشتركون معك باللغة أو الدين أو التاريخ أو العادات، لا بأس بكل ذلك..

ولكن حين يتحول الإنتماء إلى تقديس أعمى لأرضك ورموزك وتاريخك ودينك، واعتبار أن جماعتك هي أعظم جماعة بالدنيا فقط لأنك ولدت فيها، وحين تتحول إلى تزييف للحقائق وتبني نظرة خيالية للعالم، وحين تتحول إلى عداء للآخرين وتقسيم للناس إلى أبيض وأسود، جماعة الخير وجماعة الشر، أهل الحق وأهل الباطل، نحن والآخرون، فهنا ليذهب الإنتماء إلى الجحيم وما يأتي معه من تعصب وجهل وكراهية ونرجسية وبارانويا ونظريات مؤامرة بلهاء: العالم كله يحقد علينا ويتآمر ضدنا، لأننا الأفضل أو الأعظم أو الأعرق، أو لأننا نعبد الإله الواحد الصحيح ..

ونعم، العقلانية تعني التحرر من الموروث الضيق وإسقاط هالات القداسة، مع الإنفتاح على العلوم والتراث العالميين، ومرحبا بالإنتماء اللطيف الذي لا يعوق تلك الحرية وذلك الإنفتاح، وألف لعنة على الإنتماء المتعصب الذي يمنعنا عن التعايش مع إخواننا من الشعوب الأخرى، وعن الإستفادة من إنجازاتهم الحضارية العلمية والفكرية والفنية..

والدول التي تقدمت لم تتقدم إلا لأنها أسقطت قداسة الماضي ومارست الإنتقائية الصارمة ضد التراث، مع إلقاء الكثير منه بالقمامة لو لزم الأمر - فلو استمرينا على تعظيم أجدادنا الذين كانوا يعتقدون أن الأرض مسطحة، فلن نتمكن أبدا من ترسيخ حقيقة أنها كروية، فالإعتراف بأن القدماء كان لديهم جهالة هو بداية طريق اكتساب المعرفة، والإعتراف بأن القدماء كانت تنقصهم عناصر إنسانية كثيرة هو بداية التقدم في طريق الإنسانية.. 

تبقى الحقيقة أنه لا شيء يربطني بهذه الأرض وتلك الجماعة إلا أنني ولدت فيها، وبهذا المنطق لو ولدنا في جماعة أخرى لكنا ندافع عنها بكل حماس، فتلك هي غريزة القطيع التي تسعى البشرية للتخلص منها، والإنتقال إلى التعايش السلمي بين المختلفين تحت مظلة إنسانية واحدة..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق