الأربعاء، 21 مايو 2014

كشف الكتاب المقدس



(الإدعاء الرئيسي للكتاب أنه يظهر من التحليل الأثري لقصص الآباء والفتح والقضاة والمملكة الموحدة أنه بالرغم من عدم وجود دليل مقنع على أي منها لكن هناك أثار واضحة تضع هذه القصص في محتوى متأخر من القرن السابع قبل الميلاد") ا.هـ

بتفصيل أكثر : الكاتبان يريا أن الظروف السياسية الصعبة التي واجهت مملكتي يهوذا و إسرائيل في القرن الثامن و السابع ق.م  (ما بين غزو أشور لإسرائيل 722 , و غزو البابليين ليهوذا 586) هي التي خلقت الدافع و الحاجة إلى كتابة التوراة بهذا الشكل (طبعا هذا لا ينفي وجود إرهاصات سابقة, و إضافات لاحقة , لكن الجسد الرئيسي للكتاب و الهدف منه تجلى في تلك الحقبة تحديدا)..


و يضع الكتاب الكثير من الأدلة و التحليلات المؤيدة لطرحه, و المعتمدة على أحدث ما تصول له علم الآثار و المسح التنقيبي الشامل في أرض فلسطين و ما حولها وصولا إلى العراق شرقا و مصر غربا..

التبلور الأهم للدين اليهودي حدث في عهد الملك اليهوذي القوي يوشيا 622 ق.م , الذي بدأ عهد ما يسمى بـ"الإصلاح الديني", حيث استعان بالكهنة لفرض عبادة يهوه على كل الشعب, مدينا الوثنية و عبادة الآلهة الآخرين بصرامة شديدة ..

في تلك الحقبة ظهر كتاب الشريعة اليهودي (و هو على الأرجح سفر التثنية) و ظهرت النواة الأولى للتوراة- التي تهدف إلى خدمة أغراض يوشيا و أعوانه لتوحيد الشعب..

هكذا أساطير الآباء (إبراهيم و إسحاق و يعقوب و يوسف) هي صياغات كتبت متأخرة, و تهدف لاختراع رموز و سلالات دينية مقدسة تضم كل القبائل المتحالفة في إسرائيل في القرن السابع, و توحد بينها عرقيا و ميثولوجيا تحت إله واحد و عائلة واحدة و مدينة مقدسة رئيسية واحدة, مع ربط سيرة أولئك الآباء بمدن معينة كان لها مغزى في القرن السابع تحديدا..

كذلك قصة الدخول و الخروج الإسرائيلي من مصر (و الذي ثبت تاريخيا أنه لم يحدث بالشكل الموصوف في التوراة) هي ترديد محرف و شبه أسطوري لواقعة دخول الهكسوس الكنعانيين إلى مصر و خروجهم مطرودين منها , مع قلب الأدوار طبعا لإظهار الإسرائيليين كأبطال مضطهدين - و مع تأكيد العداء اليهودي مع مصر الذي كان مشتعلا في زمن يوشيا..

و أيضا قصص غزو يوشع - خليفة موسى- لمدن كنعان بعد الخروج و التيه (و الذي نجح علم الآثار في نفي حدوثها) هي مجرد إسقاط ماضوي على الملك يوشيا نفسه, عاكسة طموحه المتصاعد لوراثة الأراضي الشمالية التي انسحبت منها أشور في القرن السابع أيضا, و خلق إمبراطورية إسرائيلية موحدة..

أخيرا قصة مملكة داود و سليمان الموحدة (و هي أيضا ممالك وهمية, و لم يثبت أن الشمال و الجنوب كانا متحدين في أي وقت) هي محاولة إضافية لخلق مجدا إسرائيليا زائفا و منح سلالة داود (جد الملك يوشيا) شرعية مقدسة للملك..

و الأخطر هو ما طرحه الكاتبان أن من يسمون "بشعب إسرائيل" هم مجرد جماعة كنعانية من عدة قبائل, لا تنفصل في أصلها عرقيا أو حتى ثقافيا عن أي حضارة كنعانية أخرى معاصرة.. لكن الحاجة الطارئة لخلق قومية منفصلة توحد بين تلك القبائل المتحالفة, كان هو الدافع وراء كتابة التوراة بالشكل الذي وصلنا اليوم.. 

بمعنى آخر: ما حدث هو أن بعض الكنعانيين "أصبحوا إسرائيليين" و خلقوا دينا و قومية خاصة بهم على مدى قرون, تبلور الجزء الرئيسي فيها في زمن مملكة يهوذا, حتى و إن كان بدأ قبلها و استمر بعدها..

هكذا يعاد صياغة التاريخ لخدمة السياسة و أهداف الحكام , و تستخدم الرموز الدينية و الأساطير لخلق هويات قومية جديدة..

هذا يفسر أيضا سر الإصرار التوراتي على التوحيد الإلهي, ففي تلك البيئة إله واحد كان يعني معبد واحد, و مرجع كهوتي واحد, و بالتالي ملك واحد متحالف مع أولئك الكهنة و مستمدا شرعيته منهم.. أما عبادة آلهة الآخرين و الزواج بهم و الإختلاط بعاداتهم فقد كان بمثابة "الخيانة العظمى" و التي قد تفسد المشروع الإمبراطوري الوحدوي- فلا غرابة أن نجد التوراة تدين تلك الأفعال بشدة..

الخلاصة أن التوحيد الديني كان هو الوصفة السحرية لكل من ينشيء نظاما مركزيا طموحا كالذي أراد يوشيا إنشاؤه..

هذا فيلم وثائقي حول الكتاب (1) , (2) , (3) , (4)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق