الأربعاء، 21 مايو 2014

مندوب تسويق الدين




منذ أيام قام شخص متدين مؤمن (مسيحي تحديدا) بأخذ فقرات كتبها آخر (مسيحي سابق و ملحد حالي) على صفحته الشخصية على الفيسبوك, و قام بنقلها على صفحته هو, مع وضع تعليقه عليها
..

أما الفقرات التي كتبها الملحد فكانت خواطر شخصية و تعبيرا حارا عن حالة إحباط شديدة يمر بها, وصلت إلى درجة أنه فقد الرغبة في الحياة..

أما التعليق الفرح الشامت من المؤمن فكان نص من كتابه المقدس- الإنجيل- على لسان يسوع مفاده أن الإبتعاد عن المسيح و البحث عن السعادة في غيره هي شرور يرتكبها الإنسان, و بالتالي فهي تستوجب التعاسة و الألم الدائمين لمن يفعلها..

و في أحد التعليقات اللاحقة لصاحبنا المؤمن أكد نيته فيما فعل قائلا: بالطبع أنا سوف أشير لكل من ترك إيماني لأؤكد كم هو عطشان و تعبان..

حسن, لن نناقش هنا مدى دقة العبارة الإنجيلية المنسوبة للأخ يسوع من أنه لا سعادة بدون المسيحية, أو مدى دقة ربط ذلك الزعم- إن صح- بصحة الدين نفسه.. بل كل ما سنناقشه هنا هو أمر ملفت آخر و هو نظرة و خلق معينين, يورثها الدين أحيانا لأصحابه..

يقولون أن الدين يورث الأخلاق و المحبة للمتدين .. و لكن يبدو أن الشواهد كلها تؤكد أن العكس هو الصحيح..

بالطبع هناك مؤمنون على أخلاق راقية ممتازة , و لكن بالملاحظة فهؤلاء يكون لديهم تربية و ثقافة و تعليم – و قبل هذا طبيعة شخصية- تجعلهم كذلك.. أما الإيمان حين ينفرد وحده بالإنسان, فيغدو تربيته الوحيدة و ثقافته الوحيدة و تعليمه الوحيدة, فالنتيجة هي أبعد ما تكون عن المحبة و الأخلاق..

المحبة الحقيقية من شروطها أن تكون عاطفة إنسانية, متجردة و موجهة تجاه من نحب.. أما محبة الدين المزعومة فهو شيء آخر تماما..

الإيمان حين يسيطر على الإنسان فلا يعود يرى غيره, يحوله إلى كائن غريب, أشبه بدمية, مسخ, روبوت منقاد و خاضع و مطيع و أسير لعقيدته الدينية و لتعاليم كتابه المقدس, مهووس بانتصار صديقه الخيالي (إلهه) على الأصدقاء الخياليين لجميع البشر (الآلهة الأخرى).. أمام هذا الهدف المقدس المحموم الواحد تختفي جميع قيم الإنسانية و الخير و المحبة المخلصة الصادقة..

الدين كثيرا ما يحول المؤمن المبشّر به إلى شيء أشبه بموظف تسويق أو مندوب مبيعات نصف آلي مهووس بمنتج مؤسسته , لا يرى غيره, و الناس في نظره ليسوا سوى مشترين محتملين لمنتجه هذا.. كل أخلاق و كل محبة ستظهر هنا هي ألاعيب تاجر لا تهدف إلا إلى أن تجعلك تبتلع منتج شركتنا و تشتريه, و ذلك حتى يرضى المدير (الإله) عنّي و يمنحني المكافأة (الجنة) التي وعدني بها..

هكذا يختزل الإنسان ماديا و معنويا في منتج مؤسسته الدينية و يصبح عبدا أسيرا في خدمة ذلك المنتج..

و لأن الخرافات و المبالغات و اللامنطق هي جزء أساسي من الإيمان, نجد أن صاحبنا الموظف المخلص يبالغ بشكل كبير جدا في الحديث عن عظمه منتجه, فيقسم لك بأغلظ الإيمان أنه علاج سحري فعال لكل مشاكل الحياة دون استثناء! "أنا كنت حزينا فأسعدني المنتج , كنت ضعيفا فقواني المنتج , كنت مريضا فشفاني, كنت مذنبا فغفر لي, كنت مفلسا فأغناني, كنت غبيا فجعلني ذكيا, كنت بدينا فجعلني رشيقا, كان شعري خشنا فجعله ناعما.. و طالما العلاج السحري نفع معي فتأكد أنه سينفع معك.. كل مأزق أو مشكلة تخطر بذهنك فعلاجي هو حلها الوحيد.. لكن مهلا, احذر التقليد و احذر المنتجات الأخرى المغشوشة و المقلدة.. نحن الموزع الوحيد للدين الحقيقي الوحيد- و أي منتج آخر منافس لن يفيدك عزيزي العميل , بل لن يزيدك إلا مرضا و ألما و بؤسا..

أه و بالمناسبة صاحب شركتنا يحبك, و هو يبذل الجهد و يضحي بوقته من أجلك أنت شخصيا..فكن لطيفا و لا تجادلني كثيرا..

هكذا بينما نرى الإنسان الطبيعي يتعاطف مع الآخرين و يحزن لحزنهم, نرى صاحبنا فرحته الكبرى في أن يرى كل مريض و كل مهان و كل نادم و كل خائف و كل تعيس من أصحاب المعتقدات الأخرى الذين لم يشتروا منتجه بعد.. هذا المنظر الرائع يبهج روحه لسببين: أولا لأنه يثبت له بالدليل و البرهان أهمية منتجه العزيز إلى قلبه و تعاسة من لا يتناوله , و ثانيا و الأهم أنه يغريه بزبائن جدد محتملين.. هؤلاء المرضى و التعساء لم يعودوا بشرا في نظر صاحبنا و إنما سوق مفتوحة واعدة بالأرباح!

و ليت الأمور تقف عند هذا الحد, بل إن موظف التسويق المهووس هذا مستعد لأن يقنعك إنك مريض فقط حتى تشتري منتجه.. مستعد أن يقنعك إنك مُهان لا كرامة لك إلا بشراء منتجه, خائف لا أمان لك إلا بشراء منتجه, مذنب لا مغفرة لها إلا بشراء منتجه, تعيس لا سعادة لك إلا بشراء منتجه.. يفعلها و هو مقتنع إنه لا يريد لك سوى الخير, الكامن في منتجه, حيث لا خير سواه..

و كما لنا أن نتوقع, فالكابوس الأكبر لصاحبنا أن تخبره إنك لست بحاجة لمنتجه و لا تود التعامل مع مؤسسته .. حاول أن تخبر هذا المؤمن إنك لست مريضا و لست تعيسا و لست مذنبا, بل أنت بخير تماما, فشكرا على عرضك على كل حال..  قلها و تأكد بإنك قد صرت عدوه فورا!.. ترى ما هي قيمتك الإنسانية بعد أن رفضت عرضي التجاري؟! لا شيء, بل صرت في نظري مجرد زبون عنيد أحمق يتصور أنه كامل لا ينقصه شيء فهو ليس بحاجة إلى منتجي العظيم أنا – ياللتكبر و ياللغرور و ياللجحود!

لكن طبعا الموظف المتمرس الشاطر ليس من الحماقة لأن يظهر غضبه لك , فهو مازال يأمل في أن تكون زبونه يوما ما .. بالتالي ربما يبتسم في وجهك ابتسامة واسعة عريضة تظهر أضراس العقل عنده, و هو يقول "حسن, كما تريد عزيزي , و لكن تأكد أن منتجي المقدس الرائع جاهز لك دائما, و في خدمتك في أي لحظة ستحتاجه فيها.. أه و بالمناسبة صاحب شركتنا يبلغك مرة أخرى بأنه يحبك, و بأنه يضحي- بوقته- من أجلك!"

هذا هو الرد الذي ستسمعه من صاحبنا, و لكن يمكن ترجمة هذا الكلام بشكل أكثر وضوحا إلى  "حسن, كما تريد أيها العنيد التعس , و لكن تأكد أن سعادتك و صحتك و استقرارك النفسي المزعوم هذا لن يدوم لك..ستسقط حتما يوما ما و بشكل ما , و حينها ستأتي إلىّ راكعا طالبا جرعة واحدة من منتجي.. فقط انتظر عزيزي"

أتساءل: ترى, هل يوجد نموذج لكراهية منافقة ترتدي قناع محبة مثل هذا؟!

أكرر أن بعض المؤمنين المخلصين لأديانهم لديهم أخلاقا رائعة تستجق كل احترام , و لكن البعض الآخر من المؤمنين المتحمسين تشعر أنه لسوء حظهم فإن أديانهم لا تمتلك سيفا تفرض به الإيمان على الغير, و بالتالي لا يبقى أمام هؤلاء سوى استخدام سيوف الحرب النفسية من الكذب و الخداع و التهويل و قلب الحقائق و الإبتزاز العاطفي و التلاعب بمشاعر البشر و الإرهاب الفكري و الإغتيال المعنوي, لفرض دينهم\منتجهم , و هي سيوف أحيانا تكون من القسوة على البعض ما يهون إلى جوارها السيوف الحديدية..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق