الجمعة، 23 مايو 2014

هل كل من رفض الإسلام هو في النار؟



ما أراه و سأسعى لإثباته هنا أن الإجابة بنعم: كل من يرفض الإيمان بمحمد هو (في نظر الإسلام طبعا) كافر و مصيره في جهنم دون استثناء, و بغض النظر عن سبب رفضه..

مقدمة:
الإسلام – مثله مثل الدينين الإبراهيميين الذين سبقاه- يحصر الخلاص في أتباعه وحده فقط.. هذا ما تؤكد عليه نصوص القرآن و الأحاديث بوضوح شديد و قولا واحدا: إن الدين عند الله الإسلام- و من يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه- ما يسمع بي أحد من اليهود و النصاري ثم لا يؤمن بي إلا كان من أصحاب النار!

إذن المسلمون فقط هم في الجنة و سائر الناس هم في النار.. هذا ما قاله القرآن و قاله محمد, و هذا ما فهمه الصحابة و التابعين و تابعيهم, و هذا ما رآه و أجمع عليه الفقهاء المسلمون عبر التاريخ: طالما وصلتك رسالة محمد و لم تؤمن بها فأنت في النار!

المشكلة:
لكن في عصرنا استجدت مشكلة أخلاقية لدى بعض المسلمين من أصحاب المنطق و الضمائر فتساءلوا : كيف يمكن أن يعاقب الله العادل الرحيم شخصا بالنار الأبدية لمجرد أنه رأي- حسب وجهة نظره- أن الإسلام دين مزيف فلم يعتنقه؟ حتى لو كانت الدلائل و البراهين تقطع بأن الإسلام هو الدين الحق, فربما هذا الشخص لم يحسن فهم أو تفسير تلك البراهين.. فهل الله يمكن أن يعذب الناس على جهلهم أو سوء تقديرهم؟

و زاد التساؤل حدة أن هذا الذي رفض الإسلام قد يكون في الحقيقة شخصا طيبا حسن النية و الأخلاق يسعى للحق و يحب الخير للناس.. فلم يبد من المناسب أبدا أن يعذب الله مثل هذا الشخص فقط بسبب أنه لم ينجح في الوصول لحقيقة معينة..!

التفسير البديل(؟):
طبعا هؤلاء المسلمين لا يمكن أن يروا أن إله الإسلام ظالم أو قاسي أو غير منطقي.. و أيضا لا يمكن أن يروا أن محمدا – باعتباره صاحب دعوة سياسية في الأساس - كان همه أن يحصل على أكبر عدد ممكن من الأتباع, و بالتالي كما استخدم الإرهاب المادي لفرض نفوذه و هيمنته, فقد استخدم أيضا الإرهاب الديني: النار الأبدية, و هي وسيلة تهديد فعالة جدا لإخافة من تسول له نفسه أن ينأى عن دعوته.. و هذا هو ما يفعله أي دين يسعى للسيطرة و الإنتشار- حتى المسيحية المتسامحة الرقيقة لم تجد بدا من وضع جميع مخالفيها في بحيرة النار و الكبريت!

هذا هو التفسير اللاديني للأمر, و لكنه بطبيعة الحال لا يناسب المسلمين!

إذن فطالما الله في نظرهم يجب أن يكون عادلا, و طالما محمدا يجب أن يكون نبيا حقيقيا, فلا مفر من إعادة تأويل النصوص لتتسق مع المنطق و العدل و الرحمة ..

بالتالي قالوا الآتي: الشخص الذي يرفض الإسلام لن يخلده الله في النار- لا لا أنتم أخطأتم الفهم- في الحقيقة المقصود هو "شخص يعلم تماما أن الإسلام هو الدين الحق, و لكنه رفض هذا الحق عامدا متعمدا غرورا و استكبرار و تعاليا على خالقه و خالق الكون"- أي أن هذا الشخص رفض الإمتثال لأوامر الله على علم.. فبحق السماء ألا تتفقون معنا أن مثل هذا المستكبر اللعين يستحق الخلود في جهنم؟؟

على الجانب الآخر من بحث و اجتهد و اقتنع مخلصا أن الإسلام دين مزيف, فهذا لن يؤاخذه الله بخطأه في الإستنتاج.. فهل هو في الجنة إذا؟ لا بل هو له اختبار خاص يوم القيامة يتحدد به مصيره.. هكذا يحتفظ الله بعدله و برحتمه, و يحتفظ الإسلام بمنطقيته قدر الإمكان..

و يستشهد أصحاب هذا الرأي بعدة أمور يعتبرونها تدعم رؤيتهم, أهمها أن كلمة "كافر" التي يستخدمها القرآن لوصف أصحاب النار تعني لغة "من ستر الشيء و غطاه", مما يعني في نظرهم أن الكافر هو شخص أخفى الحق و هو يعلمه.. أما صاحبنا الذي رفض الإسلام عن اقتناع فلا يصح عليه لقب كافر..

كذلك يستشهدون بمواقف و قصص تتحدث عن أناس علموا الحق في داخلهم و أنكروه استكبارا و جحودا, مثل قوم فرعون الذين ذكر القرآن أنهم رأوا آيات موسى مبصرة "فجحدوا بها و استيقنتها أنفسهم ظلما و علوا".. و مثل روايات عديدة في السيرة عن أشخاص علموا نبوة محمد لكنهم جهروا بإنكارها خوفا على مكانتهم و حرصا على نفوذهم و مناصبهم.. أصحابنا يقولون أن مثل هؤلاء هم فقط المقصودون بالكفر و هم وحدهم أصحاب النار..

التفنيد:
هذا الكلام- مع كامل الإحترام للحس الأخلاقي لمن يطرحه – هو ترقيع و تلفيق فادح يمكن نقضه بسهولة ..

أولا: كلمة كافر لا تعني أنه يعلم الحق و يخفيه- هذا اخترع محض من أصحاب النظرية المذكورة الذين خلطوا بين أصل اشتقاق الكلمة, و بين معناها الإصطلاحي...

و يكفي أن نطلع على المعاجم المتاحة لنجد أول معنى مذكور للكفر أنه ببساطة عدم الإيمان!

من لسان العرب: الكُفْرُ: نقيض الإِيمان..
من الصحاح في اللغة: الكُفْرُ: ضدُّ الإيمان.
من القاموس المحيط: الكُفْرُ، (بالضم): ضِدُّ الإِيمان،

حتى معنى الستر و التغطية- و هو من معاني الكلمة أيضا- فمعناه أن الكافر قلبه مغطى عن الشيء أي أنه يجحده و يرفضه و لا يؤمن به و لا يعتنقه..

من لسان العرب: ورجل كافر: جاحد لأَنْعُمِ الله، مشتق من السَّتْر، وقيل: لأَنه مُغَطًّى على قلبه.

من الصحاح في اللغة: وكلُّ شيء غَطَّى شيئاً فقد كَفَرَهُ. قال ابن السكيت: ومنه سمي الكافِرُ، لأنه يستر نِعَمَ الله عليه.

من القاموس المحيط: وكفَرَ نعْمَةَ اللهِ، و~ بها كُفُوراً وكُفْراناً: جَحَدَها، وسَتَرَها. وكافَرَهُ حَقَّهُ: جَحَدَهُ. وكَفَرَ عليه يَكْفِرُ: غَطَّاهُ، و~ الشيءَ: سَتَرَهُ،

إذن الكافر هو غير المؤمن, و هو من يجحد نعمة الله عليه فيسترها, و ليس من معاني الكفر أبدا أن صاحبه يعلم الحق و يخفيه!!

و دليل آخر أن الكفر يعني عدم الإيمان و فقط هو قول القرآن : (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى).. فهل الحديث هنا عن شخص يعلم أن الطاغوت حق و لكنه يستر ذلك في قلبه؟؟؟ قطعا هذا فهم مضحك, و إنما المقصود ببساطة إنه لا يؤمن بالطاغوت كسلطة و حكم..

ثانيا: هل تصدقون أن شخصا يتمتع بقواه العقلية سيعرف أن فلانا هو رسول من عند الله, و مع ذلك يستمر في معارضته؟؟؟

أعلم تماما أن القرآن و السيرة تقول بوجود مثل هذا الشخص, و أعلم أنكم تقدمون تلك المصادر على العقل و المنطق, و لكن حتى لو صدقنا القرآن و افترضنا معكم وجود مثل هذا المتهور- الذي يسعى بقدميه إلى الخلود في النار و هو يعلم(!!)- فكم في رأيكم تبلغ نسبته بين من رفضوا الإسلام؟ هل هي أكثر من 1% منهم مثلا, مقابل 99% مقتنعون حقا بما هم عليه؟

فلماذا إذن في رأيكم لا نجد القرآن و لا الأحاديث تذكر لنا مصير تلك الفئة الأخرى؟؟

القرآن كما يفترض هو رسالة الله الخاتمة للبشر, و هو عبارة عن 600 صفحة تقريبا مليئة بمواعظ و تشريعات و قصص تفصيلية.. لماذا لا توجد آية أو حديث واحد فقط يحدثنا عن مصير الملايين ممن رفضوا الإسلام عن اقتناع و إخلاص- و هم و لاشك الغالبية من "الكفار"؟؟؟

لماذا لم يفرد لنا نحن الملحدين و اللادينيين عن اقتناع آية واحدة وسط مئات الآيات التي تتحدث عن أصناف المؤمنين و الكفار و المنافقين و اليهود و النصارى و المجوس و الصائبة؟؟

لماذا لم يقل لنا القرآن مباشرة أن "من يرفض الإسلام عن إخلاص و اقتناع فلن يذهب إلى النار"؟ إن كانت هذه هي الحقيقة

هل حين قال الله أن من لم يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين- هل كان يتحدث عن الأقلية- و هم المستكبرون؟ فلماذا لم يستثن؟ و لماذا لم يتحدث في مواضع أخرى عن الأغلبية المخلصون لأديانهم؟؟

لماذا حين قال محمد:
و الذي نفسي بيده لا يسمع بي رجل من هذه الأمة ، و لا يهودي و لا نصراني ثم لم يؤمن بي الا كان من أهل النار
الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 157

لماذا لم يوضح أن المقصود هم من رفضوا على علم- إن كان هذا حقا هو المقصود؟

ثالثا :هناك حديث يتيم يستشهد به البعض أحيانا:

أربعة يحتجون يوم القيامة : رجل أصم لا يسمع شيئا . ورجل أحمق ، ورجل هرم ، ورجل مات في فترة . فأما الأصم فيقول : رب لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئا . وأما الأحمق فيقول : رب جاء الإسلام وما أعقل شيئا ، والصبيان يحذفونني بالبعر . وأما الهرم فيقول : رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئا . وأما الذي مات في الفترة فيقول : رب ما أتاني لك رسول . فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه ، فيرسل إليهم : أن ادخلوا النار ، فمن دخلها كانت عليه بردا و سلاما ، و من لم يدخلها سحب إليها
الراوي: الأسود بن سريع و أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 881
خلاصة حكم المحدث: صحيح

هنا يطرح محمد- أو من ألف الحديث من بعده- حلا لمشكلة من لم تصله الرسالة, فيتصور أن أصما و أحمقا و عجوزا و رجلا مات في الفترة, كلهم جاءوا يوم القيامة يحتجون أنه لم تصلهم رسالة الإسلام بشكل صحيح.. فما العمل في هؤلاء؟

هنا يأتي الله لهم بالنار و يطلب منهم أن يدخلوا إليها, فمن دخلها نجا و من رفض منهم هلك- هكذا حلت القضية!!

طبعا لن ندخل في أسئلة كثيرة يطرحها هذا الحديث, مثل الحكمة من امتحان هؤلاء بتلك الطريقة العجيبة , بل و ما الحكمة من خلقهم في الدنيا أصلا, و لماذا لم يضعنا الله جميعا في هذا الإختبار و يريحنا و يريح نفسه من مسألة الخلق و الحساب..إلخ؟؟؟

لن ندخل في تلك الأمور التي تثبت أن الأمر مجرد ترقيع من ترقيعات محمد أو المسلمين من بعده, حين انتبهوا إلى مسألة الأشخاص الذين لا يمكن تكليفهم..

و لكن ما يهمنا هنا أن هذا الوضع لا ينطبق علي من نتحدث عنهم أنهم رفضوا الإسلام عن اقتناع.. فالملحد اللاديني ليس أصما و لا أحمقا و لا هرما و لا مات في الفترة.. هو سمع رسالة محمد و عقلها و فكر فيها, ثم لم يؤمن بها! فلا ينطبق عليه الحديث كما لا ينطبق عليه قوله (و ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)..

إذن الخلاصة أنه ليس هناك نص واحد يتحدث عن مصير تلك الفئة المسكينة, و كأنها غير موجودة!

رابعا الحقيقة الصادمة و التي يجتهد أصدقاءنا لإنكارها هي أن القرآن – على عكس ما يروجون- لا يفرق أبدا بين من يرفض الإسلام عن استكبار و من يرفضه عن اقتناع- الكل في النار!.. فمن رفض الإسلام استكبارا هو كافر و في النار, و من رفضه عن اقتناع هو أيضا كافر و في النار..!!!

لا نكاد نجد في القرآن أي تقبل للإختلاف أو نلمح أي عذر حتى لمن يتردد و يتشكك في الإسلام- ناهيك عن من يرفضه..

بل إن القرآن يتحدث عن الإيمان -لا على إنه مسألة اعتقاد و اقتناع- بل و كأنه مسألة رضوخ اختياري و استسلام لسلطة, فيأمرنا به أمرا!

ثم إن هناك نصوص واضحة تؤكد أن مشركي مكة كانوا مخلصين في كفرهم, و مع ذلك لا يبدو أن هذا الإخلاص سيشفع لهم- انظر مثلا:
(ومنهم من يستمع اليك وجعلنا على قلوبهم اكنة ان يفقهوه وفي اذانهم وقرا وان يروا كل اية لا يؤمنوا بها)

إذن هم يستمعون لمحمد, و لكن الله هو من أصم آذانهم و منعهم عن رؤية الإيمان! (طبعا سيقول أصحابنا أن ذلك هو جزاء كفرهم – لكن القرآن لا يقول هذا!) هو فقط محاولة من محمد ليجعل رفضهم هذا كأنه جزء من خطة الله الكونية..

(وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها )
فقط ائتنا بآية تؤكد إنك رسول من عند الله و سنؤمن لك!

فيرد عليهم القرآن الرد الآتي الشديد التهافت:
(قل انما الايات عند الله وما يشعركم انها اذا جاءت لا يؤمنون)

و كأنهم لا يعلمون أن الآيات عند الله!

و نلاحظ أنه هنا- و على خلاف مواضع أخرى في القرآن- لم يجزم أنهم لن يؤمنوا! و إنما هو كأنه يقول باللهجة المصرية:" إيش عرفكم- مش يمكن تأتي آية و لا يؤمنوا؟"

خامسا: فلو افترضنا- بعد كل هذا- إننا مخطئين في قولنا أن القرآن و الأحاديث لا تفرق بين الكافر عن اقتناع و الكافر عن استكبار, و لو افترضنا أن رؤيتكم و تفسيراتكم هي الأصح, فاسمحوا لنا بالسؤال: هل هناك صحابي أو تابعي أو إمام فعل مثلكم ففرق بين الإثنين؟ هل هناك مفسر أو عالم أو فقيه واحد من فقهاء الإسلام على مر التاريخ فهم ما فهمتموه فقال إن الكافر عن اقتناع لن يكون مصيره جهنم؟؟؟ أم إن هذا الفهم تفردتم به دون هؤلاء جميعا و لم يظهره الله إلا على أيديكم أنتم- بعد 1400 سنة من نزول رسالته؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق