الجمعة، 23 مايو 2014

العول: دليل آخر على بشرية القرآن


(نشر في مجلة الملحدين العرب العدد العاشر سبتمبر 2013)

هو محاولة من المسلمين اللاحقين لإصلاح أخطاء القرآن في حساب أنصبة الميراث.. و هو تلاعب واضح في النصوص و مخالفة صريحة للقرآن- رغم إقرار الصحابة له!

العول لغة
هو الإرتفاع و الزيادة- يقال : عال الماء إذا ارتفع ، و عالت القضية إلى المحاكم إذا رفعت إليها.
و منه الجور و تجاوز الحد - يقال : عال الرجل إذا ظلم, و منه قول القرآن: (ذلك أدنى ألا تعولوا) قال مجاهدٌ: لا تميلوا ولا تجوروا..

من لسان العرب: العَوْل: المَيْل في الحُكْم إِلى الجَوْر. عالَ يَعُولُ عَوْلاً: جار ومالَ عن الحق.. وعال المِيزانَ عَوْلاً، فهو عائل: مالَ.. وعالَتِ الفَريضةُ تَعُول عَوْلاً: زادت.

و من القاموس المحيط: عالَ: جارَ ومالَ عن الحَقِّ

العول شرعا
هو زيادة في عدد سهام أصحاب الفروض عن أصل المسألة ، بحيث تزيد عن الواحد الصحيح - و تلك الزيادة تستلزم نقصا في الأنصبة .

أو بتعبير آخر هو إعادة تقسيم الأنصبة حين يكون مجموع الأسهم أكبر من الواحد الصحيح..

مثال مبسط ابتدائي
لو أردنا أن نقسم مبلغا من المال بين شخصين, فسيكون نصيب كل منهما النصف: 1\2 + 1\2 = 1

لكن لو جاء شخص ثالث يريد نصيبا مماثلا لهما, حينها لا يمكن أن يحصل على النصف أيضا لأن هذا ببساطة يعني أن تكون القسمة 1\2 + 1\2 + 1\2 = 3\2 أي أكبر من الواحد الصحيح فيستحيل التقسيم!

هنا يأتي دور العول, و هو التعامل مع السهم الزائد بتنقيص نصيب كل فرد..
و يمكن حساب ذلك عن طريق ضرب المجموع المشكل (3\2) في معامل ليصير واحدا صحيحا (و هو مقلوب الكسر- في حالتنا = 2\3), ثم نضرب هذا المعامل في النصيب الأصلي كل فرد, فيكون الناتج هو نصيبه الجديد..

في مثالنا هذا يكون نصيب كل فرد من الثلاثة عبارة عن نصيبه الأصلي 1\2 في المعامل 2\3 = 1\3, و بذلك تستقيم المعادلة مع المعطيات الجديدة و تصبح الأنصبة 1\3 + 1\3 + 1\3 = واحد صحيح..

و هذا نفس ما يتم في بعض حالات الميراث التي يزيد مجموع الأسهم عن واحد..

نبدأ بذكر الآيات الخاصة بالميراث في القرآن:

(يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا(11) وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُث مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيم) (12) النساء.ِ

( يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (176) النساء.

أول حالة عول
العول لم يظهر في زمن محمد و لا أبو بكر, إذ فيما يبدو لم تحصل مسألة تستوجبه.. و إنما وقع أولا في زمن حكم عمر ابن الخطاب, إذ توفيت امرأة و تركت زوجا و أختين شقيقتين, مما جعل مجموع الأسهم أكبر من الواحد الصحيح..

و قد شاور عمر الصحابة في هذه المشكلة, و اتفقوا على أن "يعيلوا" الفرائض, فقال عمر:
" ما أجد شيئا هو أوسع لي أن أقسم المال بينكم بالحصص، فأدخل على كل ذي حق ما دخل عليه من عول الفريضة"..

يقال أن أول من اقترح العول هو العباس ابن عبد المطلب الذي أشار به على عمر.. و الوحيد الذي رفض العول هو ابن العباس, و لكن لم يؤخذ بكلامه.. ثم صار العول بعدها مذهب الجماعة و عليه الإجماع بين السنة- قال ابن قدامة في المغني:"ولا نعلم اليوم قائلاً بمذهب ابن عباس رضي الله عنهما ، ولا نعلم خلافاً بين فقهاء العصر في القول بالعول "..

و حل المسألة السابقة يكون كالتالي:

الزوج أصلا يستحق نصف الميراث 1\2
الأختان تستحقان الثلثين 2\3

فمجموع الأسهم يكون 7\6 ( أكبر من الواحد..)

كما ذكرنا نقوم بأخذ مقلوب المجموع (أي 6\7) و نضربه في الأنصبة الأصلية لنحصل على الأنصبة الجديدة المعدلة..

بهذا يكون نصيب الزوج بعد العول هو 1\2 في 6\7 أي ثلاثة أسباع,
و نصيب الأختين 2\3 في 6\7 أي أربعة اسباع..

الحالة الثانية..

و جاء الظهور التالي لحالة تستلزم العول في زمن علي ابن أبي طالب, إذ مات رجل عن أب و أم و زوجة و ابنتين, وسألو عليا في ذلك فقال : صار ثُمُنها تُسْعاً..

و لنفهم قوله نحلل المسألة بنفس الطريقة:

الأنصبة الأصلية:
البنتين: الثلثين 2\3
الأب: 1 السدس \6
الأم : السدس 1\6
الزوجة: الثمن 1\8

المجموع = 9\8

الأنصبة بعد العول:
البنتان: 2\3 في 8\9 = 16\27
الأب: 1\6في 8\9 = 4\27
الأم : 1\6في 8\9 = 4\27
الزوجة: 1\8في 8\9 = 1\9

و هذا يفسر قول على أن ثُمن الزوجة صار تُسعا.. و هذه المسألة سميت لاحقا بـ"المنبرية" إذ يقال أن عليا قد حلها و هو على المنبر..

مثال آخر..
امرأة ماتت عن زوج و أب و أم ..

الأنصبة الأصلية:
الزوج 1\2
الأب 1\3
الأم 1\3
المجموع 7\6

الأنصبة الجديدة:
الزوج 3\7
أب 2\7
أم 2\7

حالات أخرى..
لا شك أن حالات العول كثيرة تصل لعشرات الحالات, حتى أن أنواع الميراث تقسم في الشرع إلى ثلاثة أقسام:

1-حالات زائدة: و هي التي يكون مجموع الأنصبة فيها أكبر من الواحد الصحيح (العول)..
2-حالات عادلة : و هي التي يكون المجموع فيها واحدا صحيحا..
3-حالات ناقصة: و هي التي يكون المجموع فيها أقل من الواحد الصحيح فيتم رد جزء من المال (و تسمى "الرد")..

و من حالات العول الزائدة:
زوج و أختان, أو زوج و ابنتان,
زوج وأم وأخوان لأم وأخ شقيق أو أكثر
أب و أم و زوجة و ابنتين (المسألة المنبرية)
زوج و أب و أم و ابن
زوج وأم وأختان لأم وأختان شقيقتان (و تسمى أم الفروخ)
جد وأم وأخت (و تسمى الخرقاء)
زوج وأخت شقيقة, أو زوج وأخت لأب (و تسمى اليتيمتان)
جدة وزوجة وبنتان واثنا عشر أخا وأخت شقيقة واحدة. (و تسمى الدينارية)
زوجة، وأخت شقيقة، وأخت لأب، وأخوين لأم، وأم (و تسمى الدينارية الصغرى)
جد وزوج وأم وأخت لأب أو لأبوين (و تسمى الأكدرية)
جدتان وثلاث زوجات وأربع أخوات لأم وثماني أخوات لأبوين. (و تسمى أم الأرامل)
زوج وست أخوات متفرقات ( و تسمى المروانية)
جد وثلاث جدات متحاذيات وثلاث أخوات متفرقات. (و تسمى الحمزية)
زوجة وأم وأختان لأم وأختان شقيقتان وابن قاتل. (الثلاثينية)
أب وأم وبنتان ماتت إحداهما وخلفت بقية هؤلاء الورثة. (و تسمى المأمونية)
أربع زوجات وخمس جدات وسبع بنات وتسع أخوات لأب. (و تسمى الإمتحان)
زوج وأم وأخت شقيقة. (و تسمى المباهلة)
جد وزوج وأم وأخوان لأم وإخوة لأب. (و تسمى المالكية)
جد وزوج وأم وإخوة لأم وإخوة أشقاء. (و تسمى شبه المالكية)
بنتان وبنت ابن وابن ابن ابن. (و تسمى القريب المبارك)
أختان شقيقتان وأخت لأب وأخ لأب. (و تسمى الأخ المبارك)
زوج وأخت شقيقة وأخت لأب وأخ لأب. (و تسمى الأخ المشئوم)
زوج وأب وأم وبنت وبنت ابن وابن ابن. (و تسمى القريب المشئوم)
جد وأم وأخت شقيقة وأخ لأب وأخت لأب. (و تسمى مختصرة زيد)

المأزق
المشكلة في العول ليست فقط في نقص القرآن عن الإحاطة بجميع الحالات , و ليست فقط في اجتهاد الصحابة في أنصبة الإخوة و الجد و الجدة مما لم يرد في القرآن مما أدى لاختلافات كثيرة بينهم (على سبيل المثال فحالة الخرقاء المذكورة تسمى أيضا بالمسدسة لأن فيها ستة أقوال مختلفة للصحابة!), المشكلة الحقيقية هي الخلل الحسابي في القرآن, مما اضطر الصحابة إلى أن يناقضوه صراحة!- و بالتحديد قوله "مما ترك"..

لنعود للمسألة المنبرية التي قام بحلها على ابن أبي طالب:

    الأنصبة الأصلية:
    البنتين: الثلثين 2\3
    الأب: 1 السدس \6
    الأم : السدس 1\6
    الزوجة: الثمن 1\8

    الأنصبة بعد العول:
    البنتان: 2\3 في 8\9 = 16\27
    الأب: 1\6في 8\9 = 4\27
    الأم : 1\6في 8\9 = 4\27
    الزوجة: 1\8في 8\9 = 3\27 (أي 1\9)

و لكن هذا يعد مخالفة واضحة لنصوص القرآن:

(فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ)

(وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ)

(فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ)

لاحظ: مما ترك, مما ترك, مما تركتم..

فالقرآن يتحدث عن الأنصبة من المتروك- أما هنا فلا البنتان أخذوا الثلثين مما ترك, و لا الأب و الأم أخذا السدسين مما ترك, و لا الزوجة أخذت الثمن مما ترك!!

هذا هو المأزق و المشكلة الكبرى التي أرى أنها تؤكد بشرية كاتب القرآن الذي أساء الحساب..

و هناك قصة وردت عن الحالة المسماة أم الفروخ- و تسمى أيضا الشريحية لحدوثها زمن القاضي شريح: إذ روى أن رجلا أتاه وهو قاض بالبصرة فقال ما نصيب الزوج من زوجته قال النصف مع غير الولد والربع معه ..فقال امرأتي ماتت وخلفتني وأمها وأختيها لأمها وأختيها لأبيها وأمها.. فقال لك إذن ثلاثة من عشرة.. فخرج من عنده وهو يقول: لم أر كقاضيكم هذا لم يعطني نصفا ولا ثلثا!

هناك تعليق واحد:

  1. ألا يمكن الاعتراض على هذا بكون النص جاء عاما، والعام عند الأكثرية لا يطعن أن تخالف بعضُ فروعه حكمَ الأغلبية؟

    ردحذف