الجمعة، 27 يناير 2017

هدم أسطورة دين العفة 6


سادسا: دين الإنحلال

حضارة السبي و الجواري
و لاحقا فإن تلك الممارسات من السبي و الإغتصاب ستتوسع بسبب الفتوحات.

فسنجد على سبيل المثال أن موسى ابن نصير- المشرف على فتح شمال أفريقية و أسبانيا- قد أسر ثلاثون ألف فتاة عذراء من الأسر الأسبانية و أرسلها إلى دمشق حيث الخليفة الأموي (كما جاء في "الكامل" لابن الأثير 4\295).

كما يروى عن خليفة أموي آخر – عبد الملك ابن مروان- قوله (مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ جَارِيَةً لِلتَّلَذُّذِ فَلْيَتَّخِذْهَا بَرْبَرِيَّةً , وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَهَا لِلْوَلَدِ فَلْيَتَّخِذْهَا فَارِسِيَّةً , وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَهَا لِلْخِدْمَةِ فَلْيَتَّخِذْهَا رُومِيَّةً) ("تاريخ السيوطي" 221، و "مصنف ابن أبي شيبة" – كتاب الأمراء – 30120).

 أما هارون الرشيد فقيل أنه كان يمتلك ألفين جارية، كما جاء في "كتاب الأغاني" الجزء العاشر، و قال السيوطي عنه أنه كان غارقا في اللهو و اللذات و الغناء، أما الخليفة العباسي المتوكل على الله فكان له أربعة آلاف جارية أسيرة حرب وطئن كلهن، منافسا النبي الملك اليهودي سليمان على ما يبدو ("مروج الذهب" 2\92، "تاريخ الخلفاء" للسيوطي 277).

و حين استولى صلاح الدين الأيوبي على قصور الخلفاء الفاطميين بمصر قيل أنه وجد في القصر الكبير اثنتي عشر ألف نفسا ليس من بينهم ذكور إلا الخليفة و أولاده (المقريزى في "المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار"- الجزء الثاني)، و هكذا فالحكام و الأثرياء المسلمون قاموا باستغلال ما أحلّه لهم رب الإسلام على أكمل وجه.

و ينقل لنا ﺍﻟﺴﻴﻮﻃﻲ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ "ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﺨﻠﻔﺎﺀ"- ﺑﺎﺏ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮﻭﺍﻥ رسالة من أحد الخلفاء لتابعه في أفريقيا يطلب منه انتقاء أجود أنواع الجواري من أجله، حيث نقرأ (ﻛﺘﺐ ﻫﺸﺎﻡ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻣﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻓﺮﻳﻘﻴﺔ: ﺃﻣﺎ ﺑﻌﺪ، ﻓﺈﻥ ﺃﻣﻴﺮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺭﺃﻯ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﺒﻌﺚ ﺑﻪ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﻧﺼﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮﻭﺍﻥ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ، ﺃﺭﺍﺩ ﻣﺜﻠﻪ ﻣﻨﻚ، ﻭﻋﻨﺪﻙ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻮﺍﺭﻱ ﺍﻟﺒﺮﺑﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺎﻟﺌﺎﺕ ﻟﻸ‌ﻋﻴﻦ ﺍﻵ‌ﺧﺬﺍﺕ ﻟﻠﻘﻠﻮﺏ، ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﻌﻮﺯ ﻟﻨﺎ ﺑﺎﻟﺸﺎﻡ ﻭﻣﺎ ﻭﻻ‌ﻩ. ﻓﺘﻠﻄﻒ ﻓﻲ ﺍﻹ‌ﻧﺘﻘﺎﺀ، ﻭﺗﻮﺥ ﺃﻧﻴﻖ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ، ﻋﻈﻢ ﺍﻷ‌ﻛﻔﺎﻝ، ﻭﺳﻌﺔ ﺍﻟﺼﺪﻭﺭ، ﻭﻟﻴﻦ ﺍﻷ‌ﺟﺴﺎﺩ، ﻭﺭﻗﺔ ﺍﻷ‌ﻧﺎﻣﻞ، ﻭﺳﺒﻮﻃﺔ ﺍﻟﻌﺼﺐ، ﻭﺟﺪﺍﻟﺔ ﺍﻷ‌ﺳﻮﻕ، ﻭﺟﺜﻮﻝ ﺍﻟﻔﺮﻭﻉ، ﻭﻧﺠﺎﻟﺔ ﺍﻷ‌ﻋﻴﻦ، ﻭﺳﻬﻮﻟﺔ ﺍﻟﺨﺪﻭﺩ، ﻭﺻﻐﺮ ﺍﻷ‌ﻓﻮﺍﻩ، ﻭﺣﺴﻦ ﺍﻟﺜﻐﻮﺭ، ﻭﺷﻄﺎﻁ ﺍﻷ‌ﺟﺴﺎﻡ، ﻭﺍﻋﺘﺪﺍﻝ ﺍﻟﻘﻮﺍﻡ، ﻭﺭﺧﺎﻣﺔ ﺍﻟﻜﻼ‌ﻡ).

و المفارقة أن تلك العادة التي أحلها نبي الإسلام - أسر النساء و اغتصابهن-  ستصبح سلاحا يرتد فيصيب قوم محمد أنفسهم، فحين نجح جيش الشام تحت حكم الخليفة الأموي يزيد ابن معاوية في الإنتصار على أهل المدينة المتمردين، قام جنوده باستباحة المدينة لثلاثة أيام، فأشاعوا القتل و السرقة، ثم أنهم قاموا باغتصاب نساء مدينة رسول الله ، حتى تخبرنا المصادر الإسلامية أن هناك ألف - أو عشرة آلاف- امرأة غير متزوجة حملت، و أنجبن بعدها بتسعة أشهر- فنقرأ من تاريخ اليعقوبي 2\250 (وأباح حرم رسول الله حتى ولدت الابكار لا يُعرف من أولدهن)، كما نقل ابن كثير في البداية والنهاية 8\242 ("و وقعوا على النساء حتى قيل انه حبلت ألف امرأة في تلك الايام من غير زوج"، وقال المدائني عن ابي قرة قال هشام: "فإنَّه ولدت ألف امرأة من المدينة بعد وقعة الحرة من غير زوج") ، وفي "تاريخ الاسلام و وفيات المشاهير والاعلام" 26 ("نهب مسرف بن عقبة المدينة ثلاثاً وافتض فيها ألف عذراء")، و في "تاريخ الخلفاء" للسيوطي (واللهِ ما كادَ ينجو منهم أحد، قتل فيها خلق من الصحابة رضي الله عنهم ومن غيرهم، ونهبت المدينة، وافتضَّ فيها ألف عذْراء)، كما نقرأ في "الأخبار الطوال" للدينوري 265 (وذكر المدايني عن أبي قرة قال: قال هشام بن حسان: ولدت الف امرأة بعد الحرة من غير زوج وغير المدايني يقول عشرة آلاف امرأة)؛ و هكذا فما أحلّه محمد لرجاله أصاب قومه بعد عقود قليلة من وفاته- و استمرت تلك الممارسات البشعة طوال التاريخ الإسلامي يقوم بها المنتصر ضد المهزوم.

على الجانب الآخر سنجد الفقهاء يهتمون بوضع قواعد عن بيع الجارية و شرائها، و يجيبون عن أسئلة تجارية و مالية دقيقة (نجد ذكر آراء الفقهاء تلك على سبيل المثال في الجزء 24 من الموسوعة الفقهية الكويتية و في غيرها من المصادر)؛ مثل: ماذا لو اشترى الرجل جارية و وجد فيها عيبا؟ ماذا لو اشتراها و وجدها حاملا؟ و هل يجوز إقراض الإماء؟ و ما العمل لو اقترض أحدهم جارية من آخر ثم ردها لسيدها حاملا؟ و ماذا قام أحدهم برهن جارية لدى آخر فقام بوطئها؟ و إلى أي حد تسقط قيمتها المالية بعد افتضاض بكارتها..إلخ؛ فعلى سبيل المثال قرر الفقهاء أنه يحل للأب أن يطأ جارية ابنه، بينما لا يحل للإبن أن يطأ جارية أبيه، و استندوا على حديث محمد بأن الإنسان و "ماله" ملك لأبيه، و ذلك باعتبار أن الجارية نوع من المال!

كما قرر الفقهاء أنه من الأفضل للرجل أن لا يطأ المرأة الأسيرة قبل قسمة الغنيمة، و ذلك لأنها مازالت شركة بين المسلمين جميعا، أما لو فعل ذلك فلا يقام الحد عليه ("الجوهرة النيرة"- مسألة الشهادة على الإحسان 5\132، "البحر الرائق شرح كنز الدقائق" 13\339، "نهاية الأرب في فنون الأدب"- قادة الجيوش والجهاد- 2\214، و غيره).

على الجانب الآخر قال البعض أنه يجوز للرجل أن يطأ الجارية حتى قبل القسمة، و استشهدوا بما فعله الصحابة في أحد الغزوات مع النبي، حيث نقرأ في كتاب "الأم" للإمام الشافعي 7\371 (قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إذا كان الإمام قد قال من أصاب شيئا فهو له فأصاب رجل جارية لا يطؤها ما كان في دار الحرب، وقال الأوزاعي له أن يطأها وهذا حلال من الله عز وجل بأن المسلمين وطئوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصابوا من السبايا في غزاة بني المصطلق قبل أن يقفلوا), فكالعادة يكون اختلاف الفقهاء رحمة!

كأمثلة فقط ، سننقل القليل من أقوال الفقهاء حول أحكام بيع و شراء و رهن الجواري، و التي يجمعها لنا كاتب مقالات "العبودية في الإسلام" الجزء الخامس : فنقرأ مثلا أنه (ذُكِر في وطئ الثيب: إن وطئ الراهن أمته المرهونة غصبا عن مرتهنها فإن لم يحبلها بقيت رهناً. "منح الجليل شرح مختصر خليل- ج11 ص479")، (صفة البكارة في الجارية بمنزلة جزء من عين، هو مال متقوم ولهذا استحق بالبيع شرطا، والدليل على الفرق أن المشتري بعدما وطئ البكر ليس له أن يبيعها مرابحة من غير بيان وفي الثيب له أن يبيعها مرابحة بعد الوطء من غير بيان، وكذلك لو كانت ذات زوج فوطئها الزوج عند المشتري، فإن كانت بكرا ليس للمشتري أن يردها بعيب النكاح بعد ذلك، وإن كانت ثيبا فله ذلك. وكذلك البائع إذا وطئ المبيعة قبل القبض، فإن كانت ثيبا لم يسقط شيئا من الثمن ولا يتخير المشتري به في قول أبي حنيفة بخلاف ما إذا كانت بكراً. "المبسوط- باب العيوب في البيوع- ج15 ص489")، (... لو وكل رجلا بأن يشتري له جارية فاشترى جارية ومات قبل أن يبين أنه اشتراها لنفسه أو لموكله يحل للموكل وطؤها. "إحياء علوم الدين- الشك في السبب المحلل والمحرم- ص477")، (قال أبو حنيفة في رجل دفع إلى رجل مالا مضاربة فعمل فيه فربح ثم اشترى من ربح المال جارية فوطئها فحملت منه فادعى الحبل فإن كان فيه فضل كانت أم ولده وغرم رأس المال. "الدرر السنية- ج3 ص30")، (وقال أهل المدينة : إن اشتري جارية من ربح المال أو من جملته فوطئها فحملت منه ونقص المال أخذت قيمة الجارية من ماله, وإن لم يكن له مال بيعت الجارية حتى يوفى المال من ثمنها."الدرر السنية- ج3 ص31") انتهى.

و كالمتوقع فتناول تلك المعضلات الإقتصادية كان يهتم بالدرجة الأولى بحقوق المواطن الذكر المسلم طبعا، و كانت الأجوبة تصاغ في كثير من الأحوال بقياس الجارية إلى البهيمة، فالحكم الشرعي قد يكون واحد في الحالتين.

حضارة الإباحية  و الفحش
كما أشرنا في البداية، يحلو للمسلم المعاصر انتقاد الحضارة الغربية بصفتها حضارة فسق و دعارة، و هو يظن أن حضارته الإسلامية كانت حضارة عفة و زهد و جهاد، حيث يسمع مرارا عن ذلك الخليفة الذي كان يحج عاما و يغزو عاما، بينما تفوته القراءة عن عدد آلاف الجواري التي كان يملكهن نفس ذلك الخليفة المزعوم، و طبيعة الحياة الإباحية التي كان يعيشها هو و غيره، تحت رعاية الله و شريعته و رسوله و الفقهاء.

بالإضافة إلى تعدد الزوجات و شيوع أنواع المتعة بالنساء، نجد انتشار تجارة الجواري و الأسيرات الأجنبيات الوافدات من فتوحات المشرق و المغرب، تلك الممارسة التي خلقت طبقتين من النساء: طبقة الزوجات المحصنات، و طبقة فتيات المتعة الشائعات، و هن نساء يتم شرائهن بالمال بهدف القيام بالخدمات الجنسية لذكور العرب -  و الطريف أن أبرز مظاهر ذلك الإنحلال و أكثرها فجاجة و فجورا كان في عصر العباسيين، الملقب بالعصر الذهبي للحضارة الإسلامية ، و المتميز بحكم بني العباس "الأشراف" المنتمين بالقرابة إلى النبي محمد شخصيا من جهة عمه.

كما يوجد في كل مكان أسواق للبضائع و المواشي، نجد أنه في أكثر المدن الإسلامية كان يوجد سوق نخاسة، لبيع البشر رجالا و نساءا و أطفالا؛ فكان التجار يوقفون العبيد صفوفا للعرض، و غالبا كان يتم عرض الجارية شبه عارية - حسب الشرع- يأتي التجار لتفحصها من أعلى رأسها حتى أخمص قدميها، و يكشفون عن عوراتها، و يدققون في أسنانها و يتأكدون من استقامة ظهرها، ثم يناقش البائع في الثمن، المتلائم حتما مع جودة المنتج ، و في النهاية يدفع له المال و تصبح المرأة ملكا له.

نقرأ لمحة عن ذلك من كتاب "تاريخ المستبصر" 1\57 يرسم لنا صورة حية عما كان يحدث في أسواق الجواري تحت ظل الحضارة الإسلامية العظيمة و طوال تاريخها ، يقول (..تبخر الجارية و تطيب و تعدل و شد وسطها بمئزر و أخذ المنادى بيدها و يدور بها في السوق و ينادي عليها و يحضر التجار الفجار يقلبون يدها و رجلها و ساقها و أفخاذها و سرتها و صدرها و نهدها. و يقلب ظهرها و يشبر عجزها و يقلب لسانها و أسنانها و شعرها ويبذل المجهود. و إن كانت عليها ثياب خلعها و قلب وأبصر و في أخر الأمر يقلب فرجها و جحرها معاينة من غير ستر و لا حجاب. فإذا قلب و رضي و اشترى الجارية تبقى عنده مدة عشرة أيام زائد و ناقص فإذا رعى و شبع ومل و تعب و قضى و طرء و انقطع وطره يقول زيد المشترى لعمرو البائع: بسم الله يا خواجا بيني و بينك شرع محمد بن عبد الله فيحضر عند الحاكم فيدعى عليه العيب) انتهى.

كما تحكي لنا هند السامرائي أستاذة التاريخ الإسلامي بجامعة تكريت بعض أحوال تلك النخاسة، في مقالة لها منشورة على الإنترنت بعنوان "أثر الجواري في العصر العباسي"، فتقول (إن الحديث عن الجواري يقتضي أولا الحديث عن النخاسين أو (تجار الجواري)؛ كان هؤلاء يشكلون فئة اجتماعية متكاملة، من حيث عدد العاملين معهم من عمال وكتاب و وسطاء وشبكات دعارة ودعاية وتثقيف، ولهم فروع وعيون واتصالات مع وسطاء وتجار فرعيين مقيمين في جميع انحاء الأرض.. كان للنخاسين دُوراً في (بغداد) مخصصة لتلك التجارة تقع على  شواطئ نهر دجلة قرب أسواق الرقيق. كما أن هنالك دوراً خاصة للرقيق مجاورة لدورهم، وهنالك حكايات كثيرة عما يجري في تلك الدور من مجون تحت إشراف النخاسين وبتوصية منهم استجلابا لطبقة الأغنياء وطبقة الشعراء ممن يستهويهم ذلك النوع من الحياة اللاهية في أوساط الجواري) انتهى.

و تضيف الكاتبة أن الجواري كان لهن تأثير في أدب ذلك العصر، فتقول أنه بسببهن (..ظهر الغزل الفاحش الذي لم يعد يخاطب الحرائر من النساء بل يخاطب الجواري المتهتكات واللاتي لا يبالين بالأوصاف الرخيصة لهن، فقد كانت الخلاعة والمجون جزءاً من حياة هذه الفئة).

و هذا ما تنطق به المصادر التاريخية في تلك الفترة؛ و لا نقصد فقط كتب الفقه و السير التي تركز بالأساس على أحوال الحكام و السلاطين ، و إنما هناك المصادر الأدبية و هي لا تقل أهمية، فالمؤرخ يعلم أن القصص و الأشعار المكتوبة في فترة من الفترات، هي تعبير مهم عما كان عليه الحال الإجتماعي للشعوب و العوام آنذاك.

هكذا فالشغف بالجنس بفنونه و تفاصيله و فضائحه و أنواعه، الحلال و الحرام، و أشكال الفجر و الإنحلال و الهوس بالجواري و الغلمان، نجدها في العديد من المؤلفات الإسلامية التراثية ، نذكر منها على سبيل الأمثلة كتاب "الأغاني" للأصفهاني، و كتاب "معجم الأدباء" لياقوت الحموي، و كتاب "ليالي ألف ليلة" مجهولة المؤلف، و كتاب "رجوع الشيخ إلى صباه" للإمام النفزاوي، "الروض العاطر في نزهة الخاطر" لنفس الكاتب، و كتاب "تحفة الأرواح و موائد السرور و الأفراح" للثعالبي، و "الدرر الكامنة" لابن حجر، و "النجوم الزاهرة" لابن تغري بردي،  و "الإمتاع و المؤانسة" لابن حيان التوحيدي، و "تزيين الأشواق في أخبار العشاق" لداود الأنطاكي، و "نواضر الأيك في معرفة النيك" للإمام السيوطي، و الذي يدور حول الأوضاع الجنسية بصريح الألفاظ.

نذكر- كمثال و من باب الطرافة- إحدى القصص التراثية، و فيها المزحات التي تجمع بين الفحش و الدين ، و التي نجدها في كتاب "اللطف و اللطائف" للإمام الثعالبي 1\13 حيث نقرأ (سأل الرشيد رحمه الله تعالى الفضل عن خبره في مبيته مع جواريه فقال: نعم يا أمير المؤمنين، كنت استلقيت على ظهري وعندي جاريتان مكية ومدنية وهما يغمزانني، فتناومت عليهما، فمدت المدنية يدها إلى ذلك الشيء حتى قام وقعدت عليه، فغالبتها المكية فقالت المدنية: أنا أحق به لأن مالك بن أنس حدثنا عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من أحيى أرضاً مواتاً فهي له " . قالت المكية: حدثنا معمر عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ليس الصيد لمن أثاره، إنما الصيد لمن صاده" . فضحك الرشيد وقال: هل تصفح عنهما؟ فقال: هما وسيدهما فداء نعل أمير المؤمنين. وأمر بإحضارهما وتسليمهما له).

و القصة التي تليها مباشرة تقول (استعرض رجل جارية سوداء مليحة فقال لها: ما اسمك؟ قالت مكة. فقال: الله أكبر قد قرب الله الطريق، أفتأذنين في تقبيل الحجر الأسود؟ قالت: هيهات أن تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس).

ربما تلك الحالة من الإباحية العامة هي ما جعلت بعض الفقهاء يوجد حلا للمرأة التقية التي تشتاق إلى الجنس و لا زوج لها، و ذلك بإباحة أن تستخدم أداة تشبه القضيب الذكري فتدخلها في فرجها، ربما ذلك يمنعها من الزنا ؛ جاء ذكر ذلك في عدة مصادر منها ما ذكره ابن القيم في كتابه "بدائع الفوائد" 4\905 فقال (وإن كانت امرأة لا زوج لها واشتدت غلمتها فقال بعض أصحابنا يجوز لها اتخاذ الاكرنبج وهو شيء يعمل من جلود على صورة الذكر فتستدخله المرأة أو ما أشبه ذلك من قثاء وقرع صغار)؛ و رغم أن ابن القيم رأى أن هذا الأمر محرّم، إلا أنه يؤكد أن بعض أصحابه من الفقهاء الآخرين أباحوه.

و فيما يلي سنفتح قوسا صغيرا لنذكر نموذجا حيا من ذلك الإنحلال، في حديث المصادر الإسلامية عن شخصية من الجيل الأول، لا تخلو قصصها من طرافة.

عائشة، اللعوب ذات المؤخرة المدهشة
المقصود ليس عائشة زوجة النبي، فهذه سنأتي لها لاحقا ، و إنما نقصد ابنة أختها؛ و اسمها عائشة بنت طلحة.

عائشة هي ابنة الصحابي طلحة ابن عبيد الله، أحد المبشرين بالجنة، و ضمن الذين رشحهم عمر ابن الخطاب لخلافته حسبما أوردت بعض الروايات ؛ فأبوها إذن صحابي كبير، و خالتها كما قلنا هي أم المؤمنين و زوجة النبي عائشة بنت أبي بكر.

نجد بعض صفات عائشة السلوكية و الجسدية، كما نجد قصصها الجنسية في مصادر إسلامية مثل كتاب "نهاية الأرب في فنون الأدب" - باب "ذكر أخبار العريض وما يتصل بها من أخبار عائشة بنت طلحة" ، و كتاب "الأغاني" للإمام أبي الفرج الأصفهاني، تحت باب "أخبار عائشة بنت طلحة و نسبها.

من تلك القصص أن عائشة كانت ترفض تغطية وجهها و تقول أن الله منحني جمالا لا عيب فيه، فما كنت لأستره.

و منها أن مصعب ابن الزبير (ابن الصحابي الشهير الزبير ابن العوام) أراد الزواج بعائشة، فأخبر امرأة عن ذلك، فذهبت المرأة إلى عائشة و رأتها عارية، ثم عادت لتصف جسدها الممتليء بالتفصيل أمام مصعب و أصدقاءه.

نقرأ القصة من "نهاية الأرب" (أن مصعب بن الزبير لما عزم على زواج عائشة بنت طلحة جاء هو وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر وسعيد بن العاص إلى عزة الميلاء- وكانت عزة هذه يألفها الأشراف وغيرهم من أهل المروءات وكانت من اظرف الناس وأعلمهم بأمور النساء- فقالوا لها خطبنا فأنظري لنا؛  فقالت لمصعب من خطبت؟ قال عائشة بنت طلحة.. فقالت يا جارية هاتي خفيي فلبستهما وخرجت ومعها خادمها فبدأت بعائشة بنت طلحة فقالت "فديتك كنّا في مأدبة أو مأتم لقريش فذكروا جمال النساء وخلقهن فلم أدر كيف أصفك فألقي ثيابك"، ففعلت (أي خلعت عائشة ثيابها) فأقبلت وأدبرت فارتج كل شئ منها، فقالت لها عزة "خذي ثوبك".. ثم أتت القوم في السقيفة، فقالوا "ما صنعت؟" فقالت "يابن أبي عبد الله، أما عائشة فلا والله ما رأيت مثلها مقبلةً ولا مدبرة، محطوطة المتنين، عظيمة العجيزة، ممتلئة الترائب، نقية الثغر وصفحة الوجه، فرعاء الشعر، ممتلئة الصدر، خميصة البطن ذات عكنٍ، ضخمة السرة، مسرولة الساق، يريج ما بين أعلاها إلى قدميها؛ وفيها عيبان، أما أحدهما فيواريه الخمار، وأما الآخر فيواريه الخف: عظم الأذن والقدم. وكانت عائشة بنت طلحة كذلك") انتهى.

و في كتاب "الأغاني" أيضا نقرأ قصة زواج عائشة من عمر ابن عبد الله، على لسان خادمتها، بشكل يعطينا فكرة أخرى عن مدى "حياء و عفاف" ذلك المجتمع (تلك الليلة جئت بالطعام لعمر بن عبد الله فأكل حتى افرغ الإناء وتوضأ وصلى حتى ضاق صدري ونمت ثم أدخلته وأسبلت الستر عليهما (أي على عائشة بنت طلحة و زوجها) فعددت له بقية الليل على قلتها سبع عشرة مرة دخل فيها المتوضأ (أي دخل يغتسل، مما يدل على عدد المرات التي ضاجع فيها عائشة: 17) فلما أصبحنا وقفت على رأسه؛ فقال "أتقولين شيئا؟" قلت "نعم: والله ما رأيت مثلك أكلت أكل سبعة وصليت صلاة سبعة ونكت نيك سبعة") –  هذا يعطينا فكرة أيضا عن نوعية الأخبار التي كان المجتمع المسلم يهتم بتناقلها.

و في نفس المرجع نقرأ عن مغامرات عائشة الجنسية العلنية مع زوجها (قالت امرأة كوفية دخلت على عائشة بنت طلحة فسألت عنها، فقيل هي مع زوجها في القيطون، فسمعت زفيرا ونخيرا لم يسمع قط مثله ثم خرجت وجبينها يتفصد عرقا، فقلت لها ما أظن أن حرة تفعل مثل هذا؟ فقالت إن الخيل العتاق تشرب بالصفير(يعني كما تشرب الخيل عندما يصفرون لها، فهكذا الرجل ينكح المرأة عندما تصدر له الأصوات المناسبة لذلك)).

أما أكثر ما اشتهرت به عائشة فهي حجم مؤخرتها الكبير(!)، و هو الأمر الذي اهتمت المصادر الإسلامية أيضا بتناقله و تسجيله بإعجاب ، حيث نقرأ في كتاب الأغاني أيضا (كان كبر عجيزتها مثار العجب؛ عن اثيلة بنت المغيرة قالت: زرت مع مولاتي خالتها عائشة بنت طلحة وأنا يومئذ شابة فرأيت عجيزتها (مؤخرتها) من خلفها وهى جالسة كأنها غيرها (دليل على كبر مؤخرتها)، فوضعت إصبعي عليها لكي اعرف ما هي فلما أحست بإصبعي ضحكت وقالت "ما اكثر من يعجب مما عجبت منه" (أي أنك لست أول من يعجب من تلك المؤخرة)).

نقرأ أيضا أن الصحابي "الجليل" أبي هريرة كان أحد من غازلوا عائشة، رغم كونها متزوجة؛ ففي "الأغاني" (إعجاب أبي هريرة بجمالها: وزعم بكر بن عبد الله بن عاصم مولى عرينة عن أبيه عن جده: أن عائشة نازعت زوجها إلى أبي هريرة، فوقع خمارها عن وجهها، فقال أبو هريرة: سبحان الله! ما أحسن ما غذاك أهلك! لكأنما خرجت من الجنة).

و ذكر الأصفهاني- في المصدر المذكور- أن عائشة بنت طلحة (..كانت تُشبَّه بعائشة أم المؤمنين خالتها).

هذا مجرد نموذج وحيد يعكس بعض طبيعة مجتمع الصحابة ، و الذي يظن المسلم أنه كان مجتمع الفضيلة و الإستقامة و العفة و الحياء، دون أن يدري أن اهتمامات ذلك المجتمع تضمنت تداول أمورا لا تصلح إلا للمواقع الإباحية، مثل درجات الفحولة عند الرجال، و طبيعة الأصوات المصاحبة للجنس، بالإضافة طبعا إلى أشكال و أحجام مؤخرات النساء!

عشق الغلمان
أما بعد؛ فرغم انتشار الإنحلال في المجتمع عموما، فإن أشهر و أفجر من كان يمارسه هم خلفاء المسلمين أمراء المؤمنين.

كمثال وحيد روي عن أحد الخلفاء- الوليد ابن يزيد- أنه جعل جاريته تصلي بالناس و هي سكرانة، كما أنه عرف بشرب الخمر و بالتلوط (الشذوذ أو المثلية) حتى أنه حاول أن يراود أخاه عن نفسه، كما ورد على لسان الذهبي و السيوطي في تاريخه.

أما الخليفة الواثق بالله، فقد كان أيضا "لوطيا" عاشقا للغلمان (الأولاد الصغار)، و كان عنده غلام مصري اسمه مهج و كتب فيه شعرا يتغزل في جماله، كما ورد في تاريخ الخلفاء للسيوطي.

و لم يكن الواثق و الوليد هما الوحيدان في عشق الذكور ، فالسيوطي يذكر لنا أن هارون الرشيد أيضا اتجه إلى شراء الخصيان (الذكور المخصيين الذين كان المسلمون يشتروهم للخدمة)، و كان الرشيد يختلي بهؤلاء الذكور، و رفض النساء و الجواري اللاتي عنده، حتى أن أمه حاولت علاجه بأن أحضرت له فتيات يشبهن شكلا الأولاد الصغار!

بل إن شبهة الشذوذ\المثلية المحرمة شرعا تحيط بشكل غامض بواحد من أهم أعمدة الإسلام و هو عمر ابن الخطاب نفسه؛ حيث وردت نصوص غامضة في عدة مصادر شيعية و سنية أيضا، تقول أنه (كان في دبره (مؤخرته) داء لا يشفى منه إلا بماء الرجال- أي منيهم)- ذلك القول ورد في كتاب "الأنوار النعمانية" لنعمة الله الجزائري، و نقل فيه أقوال شيعية و أخرى سنية، مثلما ورد عن السيوطي، و كذلك ما قيل أنه ورد في الطبعة الهندية القديمة من "صحيح البخاري"، و أيضا مثل "حاشية رد المحتار" لابن عابدين 4\241 و هو من علماء السنة.

و كما تحكي لنا المصادر عن أهمية الجواري و شغف أصحاب السلطة ببعضهن و إنفاقهم ببذخ هائل عليهن من بيت مال المسلمين، و تحكي كذلك عن أدوار الجواري المتضخمة أحيانا في إدارة شئون الدولة من وراء الستار، فالمصادر كذلك  تحكي لنا عن افتتان الكثيرين بالأولاد الصغار، و تفضيلهم إياهم على النساء (لأنهم لا يحيضون و لا يحملون!)، كما حكت لنا عن تفنن البعض في اختيار أسماء رومانسية لأولئك الغلمان ، مثل "فاتن" و "رائق" و "نسيم" و "صيف" و "ريحان" و "جميلة" و "بشرى" كما جاء في كتاب "الإمتاع و المؤانسة لابن حيان الوحيدي، و نقله الكاتب أحمد أمين في كتابه "ظهر الإسلام" 1\132).

و كما أن الإنشغال بدعارة الجواري لم يقتصر على الخلفاء وحدهم و إنما كان عاما في المسلمين ، فكذلك عشق الغلمان كان منتشرا في الأمة حتى ظهر نمط خاص من الشعر الفاحش يتغزل في أجساد الفتيان الذين أسموهم "الغلاميات" ؛ و من أشهر من تغنوا بجمال الأولاد هم- على سبيل المثال- أبو نواس و بشار ابن برد و الحسن ابن الضحاك الباهلي (المكنى بالحسن الخليع) و مطيع ابن إياس، و صفيّ الدين الحلّي الذي له مقطوعات شعرية تصف العلاقة الجنسية الكاملة- و الصريحة جدا- بين رجل و غلام.

و للجاحظ كتاب عنوانه "مفاخرة الجواري و الغلمان" يحتوي مناظرة بين رجلين، أحدهما يحب الجواري و الآخر يحب الغلمان، و كلا منهما يتبارى في أسباب تفضيل ذلك الصنف على الآخر!

و رغم أن الإسلام يحرم تلك العلاقة المثلية بتشدد يصل إلى درجة القتل بأبشع الطرق ، إلا أننا نجد في النصوص الإسلامية دلائل على أن تلك الشهوة كانت موجودة بقوة عند العرب، بما فيهم النبي و صحابته، حيث نقرأ حديثا أن محمدا وجد غلاما وسيما أمردا (أي لم ينبت له شعر في وجهه و جسده) فتجنب النظر إليه و أجلسه وراء ظهره تجبنا للفتنة الجنسية:

جاء في "مجموع الفتاوى" لابن تيمية 15\377، و "أحكام النظر" للشعبي 278، و "البدر المنير" 7\511، و "إرواء الغليل" للألباني 1809 (قَدِمَ وفدُ عبدِ القيسِ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وفيهم غلامٌ أمردٌ ظاهرُ الوَضاءةِ ، فأجلسهُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وراء ظهرِه ، وقال : كان خطيئةَ داودَ النظرُ).

كما أن هناك أحاديث أخرى للنبي تحرم النظر إلى الغلام الجميل، و إن كانت مثار جدل بين الرواة من ناحية مدى قوة السند.

كذلك تناقش الفقهاء في حكم النظر إلى الغلام الأمرد و لمسه و الخلوة به، فنجد أن الحنفية و الشافعية حرموا النظر إلى الغلام الجميل، و حرموا الخلوة به، و كذلك حرم الفقهاء مصافحة الأمرد بشهوة، كما رأى أحمد ابن حنبل أن لمسه ينقض الوضوء كالنساء تماما ؛ و في كتب مثل "ذم الهوى الماتع" لابن الجوزي، و "أحكام النظر" لابن القطان، نجد تحذيرات مطولة متشددة من النظر إلى الغلمان أو الجلوس معهم.

كل هذا، و غيره، يؤكد لنا أن نزعة اشتهاء الغلمان كانت موجودة و معروفة بين المسلمين الأوائل.

غلمان الجنة
و في القرآن نجد أن أهل الجنة سيستمتعون بصحبة غلمان خالدون باقون على حالهم "الغلامي" إلى الأبد، فيقول (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا) الإنسان 19، و (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ) الطور 24، (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ - بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ) الواقعة 17،18.

 و رغم أنه لا يوجد تصريح مباشر بوجود علاقة جنسية بين أهل و الجنة و بين أولئك الولدان ، إلا أن تركيز القرآن على التغزل بجمالهم الجسدي كفيل بأن يثير الشك، خاصة إذا أخذناه في سياق الشواهد الأخرى التي تقطع بانتشار ذلك الميل المنحرف بشكل واسع لدى العرب و المسلمين.

هذا التفسير (سيء الظن!) تدعمه بعض التفاسير، التي تصف الولدان بأنهم باقون دائما بنفس الغضاضة و الحسن، لا يكبرون و لا يشيخون، و أن ملابسهم جميلة نظيفة و رائحتهم عطرة، بينما رأى البعض- كسعيد ابن جبير- بأن معنى "مخلدون" يعني أنهم يلبسون الأقراط (الحلقان) في آذانهم.

و في تفسير آية 24 من الطور يورد القرطبي حديثا أنه (ما مِنْ أحدٍ من أهل الجنّة إلا يسعى عليه ألف غلام كلَّ غلامٍ على عملٍ ليس عليه صاحبه)، كما يؤكد لنا أن نعيم الجنة (لا يتم إلا باحتفاف الخدم والولدان بالإنسان)، فبدونهم لا يكتمل النعيم (و الجدير بالذكر أن القرطبي لم يتزوج، و أنه في كتاباته كان يدعو إلى عدم الزواج، و يستعيذ بالله من النساء!).

ختاما فهناك كتاب في العصر الحديث لكاتب مسلم (محمد جلال كشك) عنوانه "خواطر مسلم في المسألة الجنسية"، يرى فيها كشك أن الهدف من وجود الغلمان المخلدين في الجنة هو لكي يمارس المسلم للجنس معهم؛ و حجته في ذلك لا بأس بها: الكل يعلم أن الشهوات المحرمة في الدنيا ستكون مباحة للمسلمين في الآخرة، هذا ينطبق على الخمر و ارتداء الذهب و الأكل في أواني ذهبية ، تلك الأمور التي يخبرنا القرآن أنها ستكون متاحة للمسلم في الجنة، فلم لا ينطبق هذا على مضاجعة الغلمان؟

و هذا ينقلنا إلى موضوع آخر و هو الجنس الأخروي في الإسلام، ففي هذا الدين النكاح مستمر حتى بعد الموت!

عهر الجنة
كما قلنا في البداية أن الجنس بحد ذاته ليس أمرا معيبا، فكذلك يمكننا القول أنه من حيث المبدأ فلا ضرر من بعض الفانتازيا الجنسية، و من الناحية الأخلاقية لا يهمنا بحال أن يؤمن المسلم أنه سوف يمارس الكثير و الكثير من الجنس في الجنة.

و لكن ما يهمنا أولا هو أن محمد استخدم تلك الوسيلة لجذب الرجال خاصة الشباب إلى أهدافه السياسية بشكل انتهازي، و كذلك فعل أتباعه رجال الدين و المشايخ من بعده و إلى اليوم : فمن منا لم ير أو يسمع عن إرهابي شاب يسجل مقطعا يتحدث فيه عن أحلامه بلقاء الحور العين و مضاجعتهن في الجنة ، قبل أن يذهب محملا بحزام ناسف و يفجر نفسه، ربما في مدرسة أو مستشفى؟

ثم ما يهمنا ثانيا أن ذلك الإغراء الجنسي، من قبل دين يدعي الفضيلة و العفاف ، قد اتسم بصياغات و أوصاف و تشبيهات موغلة في الفحش و الدناءة مفصلة بشكل مجسد في القرآن و الأحاديث و كتب فقهاء الإسلام و أئمتهم، بشكل زاد المسألة انحطاطا و رخصا ، بشكل أخلاقيا لا يليق بخالق مفترض للكون – فالعيب ليس في الجنس و إنما في الإنتهازية و الإستغلال و الإبتذال و الفحش و النفاق.

يبدو أن الجنس الأخروي هذا كان موجودا في بعض الثقافات القديمة، خاصة في الهند و إيران، حيث كان يتم تشجيع المقاتلين المخلصين بأنهم سيلاقون كائنات أنثوية جميلة بعد موتهم.

و ربما التقط محمد تلك الفكرة و استخدمها ؛ فقد لاحظنا مما سبق أنه قد استخدم الجنس الحقيقي و الدنيوي كإغراء و مكافأة الرجال و ليدفعهم إلى الإيمان به و القتال معه - تمثل ذلك في زواج المتعة السهل و بنكاح أسيرات الحروب من هنا و هناك، ؛ و لم يكن من المستغرب أن تكتمل الدائرة فيستخدم الجنس الأخروي لنفس الغرض.

فإن كان الجنس الدنيوي يصلح لصنع مؤمن متحمس و مقاتل متحمس، إلا أن ذلك المقاتل سيظل حريصا على الحفاظ على حياته، خاصة للإستمتاع بالغنائم و الجنس بعد النصر؛ أما الجنس الأخروي فهو وسيلة ذكية لصنع مقاتل مستعد للتضحية بحياته ذاتها فداءا لمحمد و انتصارا له، لأنه يظن أنه في المقابل سوف يحصل على مدد لانهائي من النساء الخالدات، و ربما الغلمان المخلدون أيضا، لا هدف له سوى خدمته و إمتاعه.

و لأن النساء في الإسلام متاع كما رأينا، نجد القرآن يسترسل متحدثا عن نساء الجنة رائعات الجمال ، كمكافأة أخرى للمؤمن، إلى جوار أنهار الخمر و اللبن و العسل و لحم الطير و أطباق الفواكه و آنية الذهب، فيقول (وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ) الدخان 54 و مثلها في الطور 20؛ و الحوراء هي البيضاء نقية اللون.

من تفسير الطبري نقرأ أن حور عين تعني (بيضاء عيناء) أي بيضاء واسعة العينين؛ (وفي حرف ابن مسعود "بعِيسٍ عِينٍ")، (العيس عند العرب جمع عيساء، وهي البيضاء من الإبل).

القرطبي يشبه أيضا الحور بالحيوانات (وإنما قيل للنساء: حُور العِين لأنهنّ يشبهن بالظباء والبقر)- و على ما يبدو فتشبيه النساء بالبقر و الإبل و الدواب هي هواية محببة في التراث العربي الإسلامي.

ثم ينقل لنا القرطبي غزلا آخر في نساء الجنة (عن ابن مسعود قال: إن المرأة من الحُور العين ليرى مُخّ ساقها من وراء اللحم والعظم، ومن تحت سبعين حُلّة، كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء)- و لا تسألني عن موضع الجمال الحسّي في أن تكون المرأة شفافة كالزجاج يرى هيكلها العظمي بداخلها(!) فالناس فيما يعشقون مذاهب.

ثم يصفهن القرآن بأنهن كاللؤلؤ المكنون أي المحفوظ و المصان (وَحُورٌ عِينٌ - كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) الواقعة 22-23، و المقصود أنهن لم تمسسهن الأيدي!

ينقل لنا الطبري في تفسيره تلك الرواية التي تؤكد هذا المعنى (عن أمّ سلمة، قالت: قلت يا رسول الله أخبرني عن قول الله "كأمْثالِ اللُّؤلُؤِ المَكْنُونِ"  قال: "صفاؤُهُنَّ كَصَفاءِ الدُّرّ الَّذِي فِي الأصْدَافِ الَّذِي لا تَمُسُّهُ الأيْدي")، و في القرطبي ("ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ" أي الذي لم تمسه الأيدي ولم يقع عليه الغبار فهو أشدّ ما يكون صفاء وتلألؤاً؛ أي هنّ في تشاكل أجسادهن في الحسن من جميع جوانبهن).

بمعنى أوضح فنساء الجنة من أجود أنواع النساء : فهن من المصنع الإلهي إلى يد المؤمن مباشرة.

و تمتلئ كتب الأحاديث و الفقه بأوصاف الحور العين الجسدية و الشخصية، من أجسادهن و ملابسهن و غنائهن (كما ورد ذلك مثلا في عدة مصادر، منها ما روي عن عبد الله ابن عمر، الذي يبدو أنه لم يشبع بعد من جواري الدنيا فصار يتخيل جواري الآخرة).

نقتبس- كعينة-  بعض ما ذكره الإمام ابن القيم الجوزية في كتابه الشهير "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح"، حيث يقول عن الحور العين، كما وردت في القرآن و السنة (هن الكواعب الأتراب - اللائي جرى في أعضائهن ماء الشباب - فللورد والتفاح ما لبسته الخدود - وللرمان ما تضمنته النهود - وللؤلؤ المنظوم ما حوته الثغور - وللدقة واللطافة ما دارت عليه الخصور... وإذا قابلت حبها فقل ما شئت في تقابل النيرين - وإذا حادثته فما ظنك في محادثة الحبيبين - وإن ظمها إليه فما ظنك بتعانق الغصنين - يرى وجهه في صحن خدها - كما يرى في المرآة التي جلاها صيقلها - ويرى مخ ساقها من وراء اللحم – و وصاله أشهى إليها من جميع أمانيها... مبرأة من الحبل (الحمل) والولادة والحيض والنفاس - مطهرة من المخاط والبصاق والبول والغائط وسائر الأدناس - لا يفنى شبابها ولا تبلى ثيابها - ولا يخلق ثوب جمالها... قد قصرت طرفها على زوجها - فلا تطمح لأحد سواه - وقصرت طرفه عليها فهي غاية أمنيته وهواه - إن نظر إليها سر - هذا ولم يطمثها قبله أنس ولا جان... إن غنّت فيا لذة الأبصار والأسماع - وإن آنست وأنفعت فياحبذا تلك المؤانسة والإمتاع - وإن قبلت فلا شيء أشهى إليه من ذلك التقبيل - وإن نولت فلا ألذ ولا أطيب من ذلك التنويل).

تأكيدا على ما سبق، و استمرارا في التماشي مع المزاج العربي الغيور جدا و الحريص على جودة المنتج، يضيف القرآن أن أولئك النسوة البيضاوات سيكن "قاصرات الطرف" أي لا تنظر إلا لزوجها فقط و هي كالبيضة المكنونة (وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ - كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ) الصافات 48-49.

من تفسير الطبري (وعند هؤلاء المخـلَصين من عبـاد الله فـي الجنة قاصرات الطرف، وهنّ النساء اللواتـي قَصَرْن أطرافهنّ علـى بُعُولتهنّ، لا يُرِدْن غيرهم، ولا يَـمْدُدْن أبصارهنّ إلـى غيرهم)، (لا ينظرن إلا إلـى أزواجهنّ، قد قَصَرْن أطرافهنّ علـى أزواجهنّ، لـيس كما يكون نساء أهل الدنـيا).

و من القرطبي يؤكد نفس المعنى و يضيف (أي محبوسات على أزواجهنّ)، (وقيل: المكنون المصون عن الكسر؛ أي إنهن عذارى).

و لأن المزيد من الإحتياط لا يضر، قرر القرآن أن تلك النسوة العذراوات سيكن محبوسات بداخل خيام لا يخرجن منها، ربما لضمان أنها لم و لن تمارس الجنس إلا مع صاحبها المؤمن(!) (فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانّ - فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ - كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانٌُ) الرحمن 56، (فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ - فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ - حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ - فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ - لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ) الرحمن 70-74.

من تفسير القرطبي ("لَمْ يَطْمِثْهُنَّ" أي لم يصبهنّ بالجماع قبل أزواجهن هؤلاء أحد. الفراء: والطمث الافتضاض وهو النكاح بالتَّدْمِيَة)-  و المعنى ببساطة أنه لم يفض بكارتهن بشر أو عفريت قبلك أيها المؤمن فكن مطمئنا مرتاح البال (و بالمناسبة، فتلك الآيات اعتبرها فقهاء الإسلام دليلا على إمكانية مضاجعة الجن للإنس، و هو موضوع آخر ذو شجون).

وفي الطبري أن الحور العين (لم يمسهنّ بنكاح فيدميهن إنس قبلهم ولا جانّ)، (عَذارَى الجنة)، (المحبوسات في الخيام لا يخرجن منها)، (محبوسات، ليس بطوّافات في الطرق).

هكذا سيرتاح الذكر العربي المسلم أخيرا من خوفه الدائم من شبح الإنحرف النسائي المرعب ، قبل و بعد الزواج ، و الذي يتوقعه في أي لحظة من قبل نسائه اللعوبات ناقصات العقل و الدين، فقط إن هو تغافل عن تتبع سلوكهن قبل الزواج، أو سمح لهن بحرية الملبس أو بالخروج وحدهن دون رقيب بعد الزواج -  تلك الأمور التي كانت تؤرق المسكين بشدة و تصيبه بالكوابيس في الدنيا ستزول في الجنة و لله الحمد و الفضل.

ثم يضيف لنا القرآن معلومات أخرى مهمة عن أولئك النسوة البيضاوات العذراوات ، أنهن محببات مستويات في العمر، فيقول (إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء - فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا - عُرُبًا أَتْرَابًا - لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ) الواقعة 35-38.

أما "الأبكار" فهن العذارى، و أما "الأتراب" فهن المستويات في السن؛ و قد تفنن المفسرون في تفسير كلمة "عربا"؛ نقرأ بعض الأقوال من الطبري (عواشق - غنِجات - متحببات إلى أزواجهن- اللاتي يشتهين أزواجهنّ - العَرِبة: التي تشتهي زوجها؛ ألا ترى أن الرجل يقول للناقة: إنها لعَرِبة؟) – مرة أخرى تشبيه النساء بالنوق و النعاج!

و من القرطبي نقرأ حديثا عن معجزة البكورية المتجددة لأولئك النسوة ("إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً" ؛ قال:"هنّ عجائز الدنيا أنشأهنّ الله خلقاً جديداً كلما أتاهنّ أزواجهنّ وجدوهنّ أبكاراً" فلما سمعت عائشة ذلك قالت: واوجعاه؛ٰ فقال لها النبيّ صلى الله عليه وسلم: "ليس هناك وجع").

من الواضح أن الإسلام يغازل غريزة هوس العربي بالبكورية في تلك النصوص؛ و من الواضح أن الحديث الأخير أزعج عائشة، ربما لأنه ذكرها بتجربة فض بكارة أليمة مرت بها  المسكينة في طفولتها على يد من بعث رحمة العالمين.

و في موضع آخر يضيف القرآن صفة أخرى محببة لنساء الجنة، فيصفهن بأنهن ذواتي صدور بارزة (كَوَاعِبَ أَتْرَابًا) النبأ 33؛ و من الطبري (الكواعب: التي قد نهدت وكَعَّب ثديها)، ومن القرطبي (كواعِب: جمع كاعِب وهي الناهد؛ يقال: كَعَبَت الجارية تَكْعَب كُعوباً، وكَعَّبت تُكَعِّب تكعِيباً، ونَهَدت تَنْهَد نُهوداً. وقال الضحاك: ككواعب العَذَارَى).

ثم ينقل لنا القرآن مشهدا غاية في الرومانسية، يوحي و كأن المؤمنين في الجنة لن يكون لهم شغل سوى الممارسة الجنسية على الأرائك في بيت الدعارة السماوي هذا ، فيقول (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ - هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ) يس 55-56.

من تفسير الطبري للآية نقرأ (عن عبد الله بن مسعود، فـي قوله: "إنَّ أصحَابَ الـجَنَّةِ الـيَوْمَ فِـي شُغُلٍ فـاكِهُونَ" قال: شغلهم افتضاض العذارى) ، (عن ابن عبـاس "إنَّ أصحَابَ الـجَنَّةِ الـيَوْمَ فِـي شُغُلٍ فـاكِهُونَ" قال: افتضاض الأبكار)، و نفس الشيء من القرطبي (قال ٱبن مسعود وٱبن عباس وقتادة ومجاهد: شغلهم ٱفتضاض العَذَارى).

و الله يتفرج، إلى الأبد.

القوادة الإلهية
هذا و قد تفنت الأحاديث أيضا في ذكر تفاصيل الجماع في الجنة بشكل مبالغ فيه بشكل يرغب الذكور خاصة الشباب، فهي تؤكد أن للمسلم في الجنة قوة مائة رجل في الجماع، و أن العملية الجنسية الواحدة تستمر أربعين سنة(!)، و أنه في كل يوم يكون له مائة عذراء يفض بكارتها، و أنه بعد كل عملية تعود المرأة بكرا كما كانت، و أن الجماع يكون بقوة و الشهوة لا تنقطع - نجد مصادر تلك الأحاديث في البخاري و الترمذي و النسائي و ابن حبان و الطبراني الكبير و الأوسط و الهيثمي في مجمع الزوائد و ابن كثير في النهاية و ابن القيم في حادي الأرواح و غيرها من المصادر الإسلامية.

في تلك المصادر نجد أن المؤمن يضاجع مائة عذراء في اليوم الواحد (قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ هَلْ نَصِلُ إِلَى نِسَائِنَا فِي الجَنَّة؟ قَالَ: " إِنَّ الرَّجُلَ لَيَصِلُ فِي الْيَوْمِ إِلَى مِائَةِ عَذْرَاءَ").

و أن النكاح سيكون بقوة، و أن العذراوات سيعدن بكرا بعد ذلك (عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: أَنَطَأُ فِي الْجَنَّةِ؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ دَحْمًا دَحْمًا، فَإِذَا قَامَ عَنْهَا رَجَعَتْ مُطَهَّرَةً بِكْرًا") ؛ و الدحم هو المعاشرة الجنسية بقوة، كما يفسرها ابن الأثير في النهاية (هُو النّكاحُ والْوَطءُ بدَفْع وإزْعاج).

و أن المؤمن سيكون له قوة مائة رجل في الجماع ("يُعْطَى الْمُؤْمِنُ فِي الْجَنَّةِ قُوَّةَ كَذَا وَكَذَا مِنَ الْجِمَاعِ "، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَيُطِيقُ ذَلِكَ؟, قَالَ: " يُعْطَى قُوَّةَ مِائَةٍ")، (إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يُعْطَى قُوَّةَ مِائَةِ رَجُلٍ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالشَّهْوَةِ وَالْجِمَاعِ).

و أن الشهوة القوية لن تنقطع أبدا (سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ : هَلْ يَتَنَاكَحُ أَهْلُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ: "نَعَمْ، بِذَكَرٍ لَا يَمَلُّ، وَشَهْوَةٍ لَا تَنْقَطِعُ، دَحْمًا دَحْمًا")

و أن الذكر لن يمل و المضاجعة ستستمر أربعين سنة (أن النبي سئل عن البضع في الجنة، فقال: "نعم، بقبل شهي، وذكر لا يمل، وإن الرجل ليتكئ فيها المتكأ مقدار أربعين سنة لا يتحول عنه ، ولا يمله ، يأتيه فيه ما اشتهت نفسه وقرت عينه")

و أن ذلك الجماع القوي سيكون بلا مني (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ هَلْ يُجَامِعُ أَهْلُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: "نَعَمْ، دَحْمًا دَحْمًا، لَكِنْ لَا مَنِيَّ وَلَا مَنِيَّةَ"، (سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هل يتناكح أهل الجنة ؟ قال: إي والذي بعثني بالحق، دحاما دحاما ، وأشار بيده ، ولكن لا مني ولا منية) – (ترى كيف "أشار بيده" النبي الكريم في أثناء قوله دحما دحما؟ نترك ذلك لخيال القارئ).

و في حديث آخر نجد صورة للرجل الذي يستمر في مضاجعة العذراوات واحدة بعد الأخرى (..فبينَما هو عندَها لا يَملُّها ولا تَملُّه، ولا يأْتيها مِن مرةٍ إلا وجدَها عذراءَ، ما يفترُ ذَكَرُه وما يَشتكي قُبُلُها، فبينَما هو كذلكَ إذ نُودوا: إنَّا قد عرفْنا أنَّك لا تَملُّ ولا تُمَلُّ، إلا أنَّه لا منيَّ ولا منيَّة، إلا أنَّ لكَ أزواجاً غيرَها، فيخرجُ فيأْتيهن واحدةً واحدةً).

هكذا نجد أن خالق الكون- الحريص على الإستقامة و العفة- ينحدر إلى درجة أنه يرغّب الرجال و يعدهم بخادمات جنس خالدات في الجنة ، فقط إن هم أطاعوه في الدنيا و ضحوا بأنفسهم من أجله، أو من أجل نبيه الحبيب.

ذلك الأمر وحده يجسد نظرة الإسلام و المسلمين الدونية للمرأة بوجه عام ، و تصويرها و كأنها ليست أكثر من أداة متعة للرجل.

و لا يفوتنا ملاحظة أن تلك الجائزة مقتصرة على الذكور فقط ، و سكت محمد و قرآنه تماما عن استمتاع النساء في الجنة، سواء بزوج أو بأكثر من زوج، باستثناء حديث يقول بأن المرأة تكون لآخر أزواجها ("المعجم الأوسط" 3130) إلا أنه حديث ضعيف - مما يترك المسألة غير مطروقة بوضوح في النصوص الإسلامية.  

و في موقع "إسلام ويب" – مركز الفتوى، فتوى رقم 10579، و ردا على سؤال (ماذا جعل الله تعالى من أجل النساء ومتعتهم فى الجنة؟)، نقرأ أن المرأة في الجنة تكون لزوجها فقط (الله عز وجل ميز الرجل فأعطاه من نساء الدنيا ومن الحور العين ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، كما أن للجميع من المتع ما يشاؤون كما قال تعالى: "وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون" الزخرف:71 ؛ و من المناسب هنا أن نرد على إشكال أثاره بعض الناس عندما سمع هذه الآية ، فقال: هذه الآية تدل على أن المرأة إذا اشتهت أن يطأها غير زوجها مكنها الله من ذلك. والجواب: أن اشتهاء المرأة غير زوجها لا يكون ، والدليل قول الله تعالى: "فيهن قاصرات الطرف" الرحمن:56؛ قال ابن عباس وغيره: أي غضيضات الطرف عن غير أزواجهن ، فلا يرين شيئا في الجنة أحسن من أزواجهن) انتهى.

هكذا نرى أن الرجال مفضلون على النساء حتى بعد الموت و في الجنة!

و لكن لهذا السكوت الإسلامي سبب وجيه طبعا، فلنتصور فقط لو أن محمدا أعلن للناس أن النساء المؤمنات - زوجاته و بناته و زوجات الصحابة و بناتهم و أخواتهم و أمهاتهم..إلخ – سيضاجعن ما يشئن من الرجال في الجنة! ، حينها كيف كان سيكون رد فعل أولئك الصحابة؟ مرة أخرى نترك الجواب لخيال القارئ.

و السبب الأهم لتركيز الإسلام على متعة الذكور فقط هو أن هذا الدين عسكري في المقام الأول، و بالتالي فدعوته هي أشبه بالتجنيد؛ و الفئة المطلوب اصطيادها - الذكور و الشباب- هي فئة مغرمة بالجنس أكثر من أي شيء آخر، أما المرأة فلن تحارب و لن تساعد في الغزو بل هي غالبا مجرد تابعة لزوجها أو أبيها أو أخيها.

هدف محمد الأول كان الحصول على المقاتلين، الذكور طبعا؛ و لهذا نجد أن أكبر جائزة جنسية في الجنة هي من نصيب الشهيد – ذلك الرجل الذي ضحى بحياته من أجل محمد ؛ فنقرأ في "الترمذي" 1663 و "ابن ماجة" 2799 و "أحمد" 16730 حديثا عن محمد يذكر أن الشهيد  (يُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنْ الْحُورِ الْعِينِ).

و لكي نقيم المسألة أخلاقيا لنحاول نتصور- جدلا- لو أن زعيما ما أو قائدا سياسيا فعل مثل ذلك في الدنيا ، فحرض أتباعه على القتال و الموت من أجله و وعدهم بمكافأة عبارة عن حديقة كبرى مملوءة بالنسوة الجميلات اللاتي  لا دور لهن سوى خدمتهن جنسيا، مع توفير أدوية الفحولة الجنسية التي تضمن لهم أقصى متعة – لو فعل أحدهم ذلك فيا ترى ما هي الأوصاف التي سنختارها لتليق بوصف ذلك القائد؟ مرة أخيرة نترك الجواب للقارئ.

عودة إلى التساهل في العورات
نترك الجنة و نعود إلى الدنيا مرة أخرى.

نعلم أن أكثر الشيوخ و المسلمين بشكل عام لديهم ما يشبه الهوس بتغطية عورة المرأة، فالإلتزام الصارم بحشمة الملبس هو مقياسهم الأخلاقي الأوحد للحكم على أي أنثى- أما التي تفرط في خمارها أو تظهر كاحلها أو خصلة من شعرها أو تتعطر أو تنزع شعر حاجبيها..إلخ، فهي ترتكب جريمة كبرى لا تدانيها جريمة- و ذلك هو الشرف و العفة في نظر هؤلاء.

بالطبع هناك نصوص قرآنية و أحاديث و أقوال فقهاء كثيرة تشدد على تلك المسألة، إلى درجة خنق المرأة و منعها حتى من حرية التنفس، و لكن على الجانب الآخر نرى في بعض الأحيان تساهلا كبيرا في ذلك الأمر نفسه، بشكل لا يخلو من تناقض عجيب.

رأينا كيف أن نساء النبي و المؤمنين ظلوا لفترة طويلة في مكة و المدينة لا يلتزمن بالحجاب، حتى أنه كان لا يمكن تمييزهن عن الإماء و العواهر (بنص القرآن و التفاسير الإسلامية)- و لم يهتم القرآن بتغطيتهن حتى بدأ التحرش بهن من أهل المدينة، ثم أنه طبعا لم يهتم بتغطية عورة الجارية، بل و أصر على كشفها: فوق السرة و تحت الركبة.

و في مناسبة أخرى نجد النبي يسمح للرجال عمدا بالنظر إلى عورات النساء، بالمخالفة لأمر القرآن بغض البصر، و ذلك إن هم كانوا ينوون خطبتهن ؛ فيقول محدثا رجال المسلمين (إذا خَطَبَ أحدُكُم امْرَأَةً فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أنْ ينظرَ إليْهَا إِذَا كانَ إِنَّما ينظرُ إِلَيْها لِخِطْبَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعْلَمُ) - من "مجمع الزوائد" 4\279 و "المعجم الأوسط" 1\279 و "السلسلة الصحيحة" 97 و "صحيح الجامع" 507.

هكذا يمكن لأي رجل أن يتخفى مبحلقا في أي فتاة وقتما و كيفما يشاء، بحجة أنه يفكر في أن يخطبها - ولا عزاء لأوامر القرآن بغض البصر أو نهيه عن التجسس.

ليس هذا فقط، بل في روايات أخرى للحديث يضيف محمد فقرة مهمة، أن من حق الرجل أن يرى من المرأة "ما كل ما يرغبه في نكاحها"، و يذكر لنا الصحابي جابر ابن عبد الله راوي الحديث أنه كان يتخفى لرؤية ما يرغبه في نكاح خطيبته!

نقرأ في "سنن أبي داود" 2082 و "الأحكام الصغرى" 606 و مصادر أخرى كـ"أحكام النظر" و "البدر المنير" و "إرواء الغليل" و "فتح الباري" و "المحلي" و غيرها، أن النبي يقول (إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل. قال (جابر) فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها وتزوجها فتزوجتها).

و رغم أن ظاهر النص يوحي بوضوح و كأن صاحبنا رأى خطيبته عارية أو قريبة من ذلك، لكن بالطبع فإن أكثر الفقهاء (و ليس كلهم) حاولوا تخفيف الوضع.

في موقع "الإسلام سؤال و جواب" تحت إشراف الشيخ محمد صالح المنجد، فتوى رقم 145678، نقرأ عن آراء الفقهاء حول ما يحل للخاطب رؤيته من جسد من ينوي خطبتها في الخفاء؛ فبينما قال أكثر الفقهاء أنه الوجه و الكفين، و أضاف البعض أنه الوجه و الكفين و الرأس و الرقبة و القدمين، إلا أن فقهاء آخرين أكدوا أنه يجوز النظر إلى جميع جسدها ما عدا القبل و الدبر (.. ذهب داود الظاهري وأحمد في رواية إلى أنه ينظر إلى جميع بدنها ما عداة العورة المغلظة وهي الفرجان).

و نقرأ في موقع "إسلام ويب" - مركز الفتوى، فتوى رقم 2729 قرأ أن الخاطب يباح له أن يكرر النظر إلى محاسن الفتاة كيفما شاء (و له أن يكرر النظر ويتأمل في محاسنها إذا لم يحصل المقصود إلا بذلك).

يدعم ذلك عدة روايات في المصادر الإسلامية ، منها ما ورد في سنن سعيد ابن منصور 1\147 و "مصنف عبد الرازق" 6\163 و "توضيح الأحكام من بلوغ المرام" 5\248 و الإصابة لابن حجر 8\275، عن عمر ابن الخطاب، أنه خطب ابنته علي ابن أبي طالب الطفلة، و كشف عن ساقيها مما أغضب عليا؛ نقرأ (خطب عمر بن الخطاب إلى علي ابنته أم كلثوم فذكر له صغرها، فقيل له إنه ردك فعاوده، فقال له علي: أبعث بها إليك فإن رضيت فهي امرأتك، فأرسل بها إليه، فكشف عن ساقيها فقالت: أرسل، لولا أنك أمير المؤمنين لصككت عينيك"، وفي رواية "للطمت عينيك").

هذا ما جعل شيخا سلفيا شهيرا هو أسامة القوصي يصدر فتوى- في فيديو تناقلته المواقع الإخبارية- أنه يجوز للخاطب أن يتلصص على خطيبته و هي تستحم، و أضاف الشيخ أن الصحابة كانوا يفعلون ذلك؛ حيث قال (لو كنت صادقًا في أنك ترغب بالزواج من البنت، وعرفت تستخبى وشفت حاجة هي مش ممكن توريهولك جائز، إنما الأعمال بالنيات، وأحد الصحابة فعل ذلك، فاستنكر عليه البعض، وقالوا له أتفعل هذا وأنت صاحب رسول الله؟" ؛ أجاب الصحابي على الرجل، بقوله : "قال رسولنا: إن استطعت أن تنظر لما يدعوك لنكاحها فلتفعل"، وكان يختبئ للمرأة التي يخطبها، في البئر، وينظر إلى ما يدعوه لنكاحها).

هذه الدناءة الأخلاقية و هذا التساهل في العورات سنجد أنه يمتد إلى المحارم، أي فيما يخص العورة ما بين المرأة و أقربائها.

عورة المسلمة أمام محارمها
كثير من المسلمين لديهم أيضا هوس المحارم؛ نرى ذلك في سؤال يتكرر لكل شخص لا ديني: إن كنت ستترك الإسلام فما الذي يمنعك حينها من أن تمارس الجنس مع أمك و أختك – فكأن الخوف من تهديد النار هو الشيء الوحيد الذي يمنع المسلم من الوثوب على أمه و أخته!

و قد رأينا أن أبناء آدم و حواء نكحوا أخواتهم و لم يمنعهم الدين من ذلك؛ و حتى في الشرع الإسلامي فتلك المسألة ليست بالإستقامة التي يتصورها المسلم العادي، بل لا تخلو من إباحية و شذوذ أيضا.

من أهم الآيات القرآنية التي تتحدث عن قواعد العورات نجدها في سورة النور 31 (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِيۤ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ ٱلتَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي ٱلإِرْبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىٰ عَوْرَاتِ ٱلنِّسَآء).

هنا نجد القرآن يأمر النساء بعدم إبداء "زينة المرأة" إلا للزوج و الأب و أب الزوج و الأبناء و أبناء الزوج و الإخوة و أبناء الإخوة و أبناء الأخوات و كذلك العبيد و الجواري و الأطفال.

المعنى الواضح المباشر أن حكم هؤلاء واحد ؛ أي يفهم هنا أن الزينة المباح إظهارها أمام أولئك الأقارب و العبيد هي ذاتها الزينة المباح إظهارها أمام الزوج، بدليل أن القرآن جمع تلك الفئات كلها معا : وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ... أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ..إلخ؛ فكأن المعنى هو إباحة أن تتعرى الزوجة بالكامل أمام أقاربها و عبيدها(!)- لكن بالطبع لم يكن ممكنا أن يقبل الفقهاء ذلك، فحاول أكثرهم مرة أخرى تخفيف الأمر بأشكال مختلفة.

هكذا اختلف الفقهاء في ما يجوز للمحارم رؤيته من المرأة، فبينما قال المالكية أنه الرأس و العنق فقط، أضاف الحنابلة أنه الوجه و الرأس و الرقبة و اليدين و القدمين و الساقين (المغني 6 / 554 ، وكشاف القناع 5 / 11 ، الدسوقي 1 / 214) ، و أضاف الحنفية الصدر أي أن المحارم يجوز لهم النظر إلى صدر المرأة ( حاشية ابن عابدين 1 / 271) و قال الشافعية أن عورة المراة أمام المحارم و أمام النساء هي ما بين السرة و الركبة فقط (مغني المحتاج 1 / 185 ، 3 / 131)، و في "تحفة المحتاج" 6\195 أنه لا يجوز للرجل النظر إلى محارمه ما بين السرة و الركبة، فقط.

و في سؤال منشور لدار الإفتاء المصرية بعنوان "ما هي عورة المرأة أمام محارمها؟"، نقرأ من الجواب (قال أبو الحسين العمراني (المتوفى: 558هـ) في "البيان في مذهب الإمام الشافعي" (9/ 129 ط/ دار المنهاج-جدة): [ويجوز للرجل أن ينظر إلى المرأة من ذوات محارمه، وكذلك يجوز لها النظر إليه من غير سبب ولا ضرورة؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ﴾ [النور: 31] الآية)، (وفي الموضع الذي يجوز له النظر إليه منها وجهان، حكاهما المسعودي [في "الإبانة "]: أحدهما -وهو قول البغداديين من أصحابنا- أنه يجوز له النظر إلى جميع بدنها؛ إلا ما بين السرة والركبة؛ لأنه لا يحل له نكاحها بحال، فجاز له النظر إلى ذلك، كالرجل مع الرجل، والثاني -وهو اختيار القفال-: أنه يجوز له النظر إلى ما يبدو منها عند المهنة؛ لأنه لا ضرورة به إلى النظر إلى ما زاد على ذلك]. وقال الخطيب الشربيني (المتوفى: 977هـ) في "مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج" (4/ 210): [(وَلَا يَنْظُرُ) الْفَحْلُ (مِنْ مَحْرَمِهِ) الْأُنْثَى مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ مَا (بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ) مِنْهَا أَيْ يَحْرُمُ نَظَرُ ذَلِكَ إجْمَاعًا (وَيَحِلُّ) بِغَيْرِ شَهْوَةٍ نَظَرُ (مَا سِوَاهُ) أَيْ الْمَذْكُورِ وَهُوَ مَا عَدَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ؛ لِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ مَعْنًى يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُنَاكَحَةَ فَكَانَا كَالرَّجُلَيْنِ وَالْمَرْأَتَيْنِ، فَيَجُوزُ النَّظَرُ إلَى السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِعَوْرَةٍ بِالنِّسْبَةِ لِنَظَرِ الْمَحْرَمِ، فَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ ابْنِ الْمُقْرِي تَبَعًا لِغَيْرِهِ بِمَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ) انتهى.

و في موقع "إسلام ويب" – مركز الفتوى، فتوى رقم 248764 نرى ذكرا لأقوال الفقهاء في عورة المرأة أمام محارمها كالأب و الإبن و الأخ و أبو الزوج و ابن الزوج..إلخ، فمنها قول الحنفية (إن عورة المرأة بالنسبة لمن هو محرم لها هي ما بين سرتها إلى ركبتها)، و (الشافعية: يرون جواز نظر الرجل إلى ما عدا ما بين السرة والركبة من محارمه من النساء من نسب أو رضاع أو ‏مصاهرة صحيحة).

و في نفس الموقع – فتوى رقم 294184 نقرأ- نقلا عن الماوردي في تفسيره "النكت و العيون"- رأيا يقول أنه يجوز للمحارم النظر إلى ما فوق السرة و تحت الركبة بدون شهوة (وهؤلاء كلهم ذوو محارم بما ذكر من الأسباب والأنساب، يجوز أبداً نظر الزينة الباطنة لهم من غير استدعاء لشهوتهم، ويجوز تعمد النظر من غير تلذذ، والذي يلزم الحرة أن تستر من بدنها مع ذوي محارمها ما بين سرتها وركبتها) – و في موقع الشيخ عبد العزيز ابن باز نجد نفس الرأي مذكورا.

هكذا نجد أن المرأة المسلمة مباح لها (على الأقل في كثير من المذاهب) أن تظهر صدرها بالكامل و بطنها و ظهرها، ليس فقط أمام الأب  والإبن (و هو أمر يمكن محاولة ابتلاعه و إن لم يكن لائقا)، و لكن أيضا أمام سائر محارمها مثل الأخ (و الأخ من الرضاعة!)، ثم أب الزوج و ابن الزوج و أبناء الإخوة و الأخوات، بالإضافة إلى العبيد!

بشأن الجماعة الأخيرة ترد رواية عن النبي أنه رأى ابنته فاطمة مرتدية ثوبا قصيرا تحاول تغطية جسدها به أمام عبد لها، فهدأ من روعها قائلا أنه لا بأس من التعري أمام العبد ؛ ففي"سنن أبي داود" 4106 و"الإلمام بأحاديث الأحكام"  2\624 و "إرواء الغليل" 1799 و "أحكام النظر" 196 و غيرها نقرأ (عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة بعبد كان قد وهبه لها، قال وعلى فاطمة رضي الله عنها ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما تلقى قال إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك).

و "الغلام" هنا لا تعني بالضرورة أنه طفل بل تطلق على العبد عموما ؛ و من سنن أبي داود، الحاشية رقم 1 نقرأ أن (الحديث فيه دليل على أنه يجوز للعبد النظر إلى سيدته وأنه من محارمها يخلو بها ويسافر معها وينظر منها ما ينظر إليه محرمها ، وإلى ذلك ذهبت عائشة وسعيد بن المسيب والشافعي في أحد قوليه وأصحابه وهو قول أكثر السلف).

هكذا نجد أن تشدد المسلمين اليوم في عورات النساء، لم يكن يقابله دائما تشدد مماثل عند النبي و صحابته، بل ما وصل إلينا من الروايات هو مزيج من التساهل المفرط من ناحية، و التشدد المبالغ فيه من ناحية أخرى - أما إن كان بعض تلك الروايات مكذوب أو مضاف لاحقا، ربما بهدف ظبط المجتمع، فهو مبحث آخر يضيق المجال عن فحصه.

المهم أن ما شاهدناه من تساهل بعض أئمة المذاهب الأربعة في مسائل المحارم، سنجد أنه لم يكن مقتصرا على إظهار العورات فقط، بل المسألة أفدح من ذلك بكثير- و للدلالة سنتناول مثالين صادمين جدا عند أولئك الأئمة يخصان "نكاح المحارم" مباشرة.

الفقه و نكاح المحارم
ما لا يعرفه الكثيرون هو أن الفقه الإسلامي يبيح بعدة أشكال للرجل أن يمارس الجنس مع ابنته، و أمه، و باقي محارمه.

في كتاب "المذاهب الأربعة للجزيري" 5\134 نقرأ أن الشافعي قال (إذا فجر الرجل بامرأة فحملت منه فولدت بنتاً، فإنه يحل للفاجر أن يتزوج بهذه الابنة ويطأها ويولدها. لا حرج عليه في ذلك).

و من موقع "إسلام ويب" – مركز الفتوى، فتوى رقم 46306 نقرأ الرأيين، فالحنفية و بعض المالكية يحرمون زواج الرجل بابنته من الزنا، أما الرأي الثاني فهو (.. أن ماء الزنا لا يحرم كما يحرم ماء النكاح، لأنه لا حرمة له، وهو مذهب الشافعية ومشهور مذهب المالكية، وعليه، فيجوز للرجل أن يتزوج بابنته من الزنا، وكذا أم من زنا بها، وابنتها وجدتها، ويجوز لمن زنا بها أن تتزوج من ولده و والده وجده وهكذا)- و هكذا يبيح الإسلام- في بعض أهم مذاهبه و أوسعها انتشارا- مضاجعة المحارم بكل وضوح.

لنبدأ القصة من الآية القرآنية في سورة الفرقان 54 (وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ مِنَ ٱلْمَآءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً) - تلك الآية عن النسب و المصاهرة جعلت الفقهاء يختلفون فيما إذا كان المولود من الزنا يثبت نسبه أم لا، فاعتبر بعضهم أنه لا يثبت، و بالتالي فابن الزنا لا يعتبر ابنا للزاني، و كذلك ابنة الزنا لا تعتبر ابنة للزاني- و بالتالي فمن الممكن له أن يتزوج بها(!) و كذلك الحال مع باقي محارم الزنا.

من تفسير القرطبي للآية نقرأ (اختلف الفقهاء في نكاح الرجل ابنته من زنى أو أخته أو بنت ابنه من زنى؛ فحرّم ذلك قوم منهم ابن القاسم، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، وأجاز ذلك آخرون منهم عبد الملك بن الماجشون، وهو قول الشافعيّ).

و في "المغنى" لابن قدامة 7 / 485 (ويحرم على الرجل نكاح بنته من الزنا، وأخته، وبنت ابنه، وبنت بنته، وبنت أخيه، وأخته من الزنا، وهو قول عامة الفقهاء، وقال مالك والشافعي في المشهور من مذهبه : يجوز ذلك كله، لأنها أجنبية منه، ولا تنسب إليه شرعاً).
و في "روضة الطالبين" للإمام النووي 5\448  (من زنا بإمرأة، فولدت بنتاً، يجوز للزاني نكاح البنت، لكن يكره).
و في "شرح مسلم" للنووي أيضا 10\40 (وقال مالك والشافعي وأبو ثور وغيرهم : لا أثر لوطء الزنا، بل للزاني أن يتزوّج أم المزني بها وبنتها، بل زاد الشافعي فجوّز نكاح البنت المتولدة من مائه بالزنا (.
و ينشد الزمخشري شعرا في كتابه "الكشاف" 4\310 قائلا (وإن شافعيًّاً قلت قالوا بأنني - أبيح نكاحَ البنت والبنت تحرم).

أما الثانية، فإن أبو حنيفة، الذي رأيناه سابقا يبيح الزنا بأجر، فهو يقول أن الرجل الذي يتزوج من أمه، أو ابنته أو أخته أو جدته لا يقام عليه حد الزنا!

يقول أبو حنيفة (َلَا حَدَّ عَلَى مَنْ تَزَوَّجَ أُمَّهُ الَّتِي وَلَدَتْهُ، وَابْنَتَهُ، وَأُخْتَه، وَجَدَّتَهُ، وَعَمَّتَهُ، وَخَالَتَهُ، وَبِنْتَ أَخِيهِ، وَبِنْتَ أُخْتِهِ عَالِمًا بِقَرَابَتِهِنَّ مِنْهُ، عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِنَّ عَلَيْهِ، وَوَطِئَهُنَّ كُلَّهُنَّ : فَالْوَلَدُ لَاحِقٌ بِهِ، وَالْمَهْرُ وَاجِبٌ لَهُنَّ عَلَيْهِ)، و يقول (لو أن رجلاً عقد على أمّه عقدة النكاح وهو يعلم أنها أمه ثم وطئها لسقط عنه الحد، ولحق به الولد) - ورد هذا في "الفقه على المذاهب الأربعة" للجزيري 5\141 و "المغنى" لابن قدامة 1\149 و "المحلي" لابن حزم 12\2220.

و في المصدر الأخير نجد أن الفقهاء عموما حرموا نكاح المحارم، إلا أن الإمام مالك قال أن نكاح بعض المحارم لا يستوجب حد الزنا لو كان بملك يمين(!)، فنقرأ (..إلا أن مالكا فرق بين الوطء في ذلك بعقد النكاح ، وبين الوطء في بعض ذلك بملك اليمين ، فقال : فيمن ملك بنت أخيه ، أو بنت أخته ، وعمته ، وخالته ، وامرأة أبيه ، وامرأة ابنه بالولادة ، وأمه نفسه من الرضاعة ، وابنته من الرضاعة ، وأخته من الرضاعة وهو عارف بتحريمهن ، وعارف بقرابتهن منه ثم وطئهن كلهن عالما بما عليه في ذلك، فإن الولد لاحق به ، ولا حد عليه ، لكن يعاقب).

ففي الفقه الإسلامي يقام حد الزنا على رجل و امرأة ناضجين اختارا بمحض إرادتهما أن يمارسا علاقة حب متحررة دون إيذاء لأحد ، إلا أن الرجل الذي مارس الجنس مع ابنته، أو تزوج أمه، أو أخذ عمته و خالته و بنات إخوته كجواري و ضاجعهن- فهذا لا يعتبر زنا يستوجب حدا!


مهزلة رضاع الكبير
من المعروف أن حكم الأغراب (الأجانب) يختلف عن حكم المحارم في الإسلام، فالرجل المحرم (الأب أو الإبن أو الأخ..إلخ) يباح له الإختلاء بالمرأة و رؤية "زينتها" – و ذلك على اختلاف الفقهاء حول تحديد مقدار تلك الزينة، فهناك من أوصلها إلى ما فوق السرة و تحت الركبة، كما رأينا.

و بعيدا عن التفاصيل الشاذة أحيانا عند الفقهاء ، فهذا الوضع بشكل عام مقبول و مطبق في كل المجتمعات الإنسانية تقريبا، القديمة و الحديثة ، حيث أن الرجل المحرم لا يتوقع أن يكون بينه و بين أمه أو أخته أو ابنته علاقة أو مشاعر جنسية كونهما أبناء ذات الأسرة ، و بالتالي فمن الطبيعي أن يكون تعامل المرأة مع قريبها مختلفا عن التعامل بين الغرباء، و الذي يشوبه بعض التحفظ.

قلنا أن ذلك النظام طبيعي و شبيه بأكثر الأنظمة البشرية؛ و لكن المصيبة التي أضافها الإسلام هو أنه اخترع نظام قرابة موازي، هو ما يسمى بـ"أخوة الرضاعة".

لسبب ما، فالشريعة الإسلامية اعتبرت أن الرضاعة تخلق قرابة مشابهة تماما لقرابة النسب؛ فأنت لو رضعت من امرأة غريبة عنك صارت محرمة عليك؛ و كذلك فالفتاة التي لا تمت لك بأي صلة قرابة، لو أن أمك أرضعتها تصير أختك، محرمة عليك مثل أختك الحقيقية تماما ؛ نقرأ في سورة النساء 23 (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ..إلخ).

هذا الفكر العجيب يخلق مهزلة من وجهين : الوجه الأول هو زوال التحفظ بين أشخاص لا ينبغي أن يزول التحفظ بينهما، فالفتاة التي ترضع من أمك صارت أختك من الرضاعة كما قلنا، و الفتاة التي رضعت من جدتك صارت خالتك من الرضاعة، و الفتاة التي رضعت من أختك صارت ابنة أختك من الرضاعة، و هكذا ؛ و من ثم صار يحل لك شرعا رؤية "زينة" أولئك الفتيات جميعا، فهن بمثابة أختك و خالتك و ابنة أختك..إلخ – و من الواضح أن الأمر هنا يخلو من العفة و الحشمة و النظام الإجتماعي التي يزعم المسلمين أن دينهم يحرص عليها ، فضلا عن خلوه من أي منطق فسيولوجي أو بيولوجي طبعا.

أما الوجه الثاني للمهزلة- أو لنقل الكارثة- فهو توسعة باب رضاعة الذكور من الإناث ؛ فعند اللزوم يحل للرجل (الكبير) أن يرضع من امرأة(!)؛ لماذا؟ حتى يصير محرما على بناتها أو أخوتها، فيحل له الإختلاط بهن دون حرمة.

وضع يبدو شاذا للغاية و أشبه بالكوميديا السوداء ؛ و لكن هذا ما نجده في تراث الإسلام المبكر: أن أخوة الرضاعة صارت تستخدم علنا كوسيلة لخلق التحريم بين الذكر و الأنثى عند اللزوم.

لنبدأ من الحديث الأشهر المرتبط برضاع الكبير؛ تبدأ القصة بامرأة جاءت إلى محمد لخبره أن زوجها ينزعج بسبب دخول أحد الشباب عليها باستمرار، و هو عبد سابق لها ، فتفتق ذهن النبي عن حل عبقري و هو أن تقوم بإرضاع الشاب خمس رضعات، و بذلك تحرم عليه شرعا، و يذهب انزعاج زوجها!

نقرأ من الرواية الموجودة في "صحيح مسلم" 1453 و "صحيح النسائي" 3319 و "سنن النسائي" 3268 و "سنن ابن ماجة" 1933 و "المعجم الكبير" و "المعجم الأوسط" 6\339 و "مسند أحمد" 22979 و غيرها من المصادر (إنَّ امرأةَ أبي حذيفةَ قالت : يا رسولَ اللهِ! إنَّ سالمًا يدخل عليَّ وهو رجلٌ . وفي نفسِ أبي حذيفةَ منه شيءٌ . فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَرْضِعيه حتى يدخلَ عليكِ).

و في رواية أخرى تبدي السيدة اندهاشها من طلب محمد أن ترضع رجلا كبيرا! (.. فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ " أَرضِعيه " قالت : وكيف أُرضِعُ؟ وهو رجلٌ كبيرٌ . فتبسَّم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وقال " قد علمتُ أنه رجلٌ كبيرٌ").

و في رواية أخرى نجد أن الحل قد نجح بامتياز ، حيث أن الزوج الطيب لم يعد منزعجا بعد ذلك من دخول سالم على زوجته؛ فياللرضاعة و مفعولها الساحر!

و تعليقا على الحل المحمدي العبقري، و بغض الطرف عن التفاصيل، نتساءل :  يا ترى هل الرضاعة ستحل المشكلة حقا؟ هل مخالفة أوامر إله الإسلام بتحريم نكاح إخوة الرضاعة هي أمر أكثر صعوبة من مخالفة أوامره بتحريم الزنا أصلا ، أم أن من يفعل هذه سيفعل تلك؟

بمعنى آخر: إن كان هناك شخصان راغبان و مستعدان للزنا، فهل ستزول تلك الرغبة أو ذلك الإستعداد بعد أن يرضع منها؟! و نترك الجواب لذكاء القارئ.

و لا يخبرنا الحديث عن كيفية رضاعة سالم من زوجة أبي حذيفة، و هل التقم ثديها بفمه، أم أنها – كما اقترح البعض- قامت بإخراج له بعض اللبن في وعاء ليشربه دون أن يمسها؟؛ الرواية صمتت عن تلك التفاصيل مما ترك الفقهاء يخمنون ، و لكن يبقى أن نذكر أن أمر محمد كان بالنص "أرضعيه"، مع التأكيد أن تلك الكلمة لغويا تعرف بأنها تتضمن مص الثدي و ليس مجرد شرب اللبن، فيقال أن الإنسان "رضع من أمه"، و لا يقال أنه "رضع من البقرة" مثلا لمجرد أنه شرب لبنها!

 ذلك ما يقوله واحد من كبار علماء السنة المعاصرين، أبو إسحاق الحويني، في أحد فيديوهاته بالحرف (لا يقال لمن شرب اللبن أنه رضع؛ لا لغة و لا شرعا و لا عرفا؛ و إلا يبقى إحنا كلنا بنرضع من البهايم)، و يقول أيضا (الرضاع تعريفه: التقام الثدي)، (يرضع يعني باشر حلمة الثدي بفمه) - و كلام الحويني صحيح ؛ حيث نقرأ في معجم "مقاييس اللغة" تحت مادة "ر-ض-ع" أن تعريف الرضاع (هو شُرْب اللَّبَن من الضّرْع أو الثّدي) - أما لو شربت اللبن في إناء فهذا لا يسمى رضاع.

بالتالي المعنى الأرجح هو أن محمدا أمر المرأة بأن تمنح ثديها للشاب ليمصه(!)؛ و ذلك هو معنى رضاع الكبير.

و بينما رأى البعض أن ذلك الحديث هو حالة استثنائية، و اعتبروها رخصة خاصة سمح بها محمد لتلك المرأة فقط، اتجه آخرون إلى تعميم المسألة فجعلوا المسألة قاعدة عامة و رخصة لكل امرأة تريد أن يدخل عليها رجال غرباء - و في مقدمة الفريق الثاني كانت عائشة، التي استغلت تلك الرخصة لحسابها بشكل مدهش جدا، كما سنرى في حينه.

أما المسلم الذي مازال يصر أن مسألة رضاع الكبير لا علاقة لها بالإسلام بل هي افتراء عليه، فعليه فقط أن يتذكر ذلك الرجل الذي أثار زوبعة في مصر حين أصدر فتوى بأن تقوم المرأة بإرضاع زميلها في العمل، لكي تحرم عليه فتكون الخلوة بينهما شرعية(!)، فتلك الفتوى التي تناقلتها وسائل الإعلام في وقتها، لم يكن صاحبها هو بابا الفاتيكان، و لم يكن الملحد ريتشارد دوكنز، و لم يكن شخصا يجهل الإسلام، و إنما هو الدكتور عزت عطية رئيس قسم الحديث بكلية أصول الدين جامعة الأزهر- و المؤكد أنه لم يأت بها من خياله و إنما اعتمد على النصوص التي مررنا بها، و غيرها.

حتى البهائم
و مع اهتمام الفقه الإسلامي بجميع أنواع "الأنكحة أو النكاحات" : نكاح النساء و نكاح الرجال و نكاح الغلمان و حتى نكاح المحارم كالأم و البنات، و نكاح الجن في بعض الأحيان، فلم يكن ناقصا إلا اهتمامهم بنكاح الحيوانات و البهائم- وورد ذلك بشكل يوحي أن المسألة كانت منتشرة أيضا في تلك البيئة.

نبدأ برواية وردت عن حبر الأمة ابن عباس في "سنن أبي داود" 4465 و "سنن النسائي" 7301 و "كشف القناع" 6\95 يقول أنه لا حد على ناكح البهيمة (عن ابن عبًاس قال : ليس على الذي يأتي البهيمة حد).

و على الرغم من وجود حديث آخر لمحمد- في أبي داود و الترمذي و ابن ماجه و أحمد-  يأمر فيه بقتل الرجل و قتل البهيمة(!)، حيث يقول (من وجدتموه وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة)، إلا أن علماء الإسلام ضعفوا الحديث و غلبوا قول ابن عباس، مما أدى إلى وجود بعض الإختلافات بين الفقهاء، حول ما يجب فعله بالرجل و بالحيوان.

من موقع "إسلام ويب" – مركز الفتوى، الفتوى رقم 125989 نقرأ (وفي رواية الترمذي وأبي داود: فقيل لابن عباس: ما شأن البهيمة؟ قال ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئا، ولكن أرى رسول الله كره أن يؤكل من لحمها أو ينتفع بها وقد عمل بها ذلك العمل).

أما سبب قتل البهيمة -عند من يرى ذلك- و كما نقرأ في الفتوى أيضا، فهو (في تحفة الأحوذي: قيل:َ لِئَلَّا يَتَوَلَّدَ مِنْهَا حَيَوَانٌ عَلَى صُورَةِ إِنْسَانٍ ، وَقِيلَ: كَرَاهَةَ أَنْ يَلْحَقَ صَاحِبُهَا الْخِزْيُ فِي الدُّنْيَا لِإِبْقَائِهَا) – إذن فيجب قتل البهيمة لكي لا تنجب مسخا مزيجا من إنسان و حيوان(!)، و حتى لا يتم معايرة الفاعل بها (و كأن اختفاء البهيمة من الوجود كفيل بإزالة الخزي عن صاحب تلك الفعلة!).

و بعد أن ذكرت الفتوى اختلاف الفقهاء، ذهبت إلى أن الرأي الراجح هو عدم قتل البهيمة، و عدم إقامة حد الزاني على الرجل؛ فتختتم الفتوى بالقول (..مما ذكر يتبين لك أن جمهور أهل العلم على نفي الحد وعدم قتل البهيمة).

و هذا ما نجده في الكثير من المصادر الإسلامية؛ حيث نقرأ مثلا في كتاب "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي" تعليقا على حديث ابن عباس (.. والعمل على هذا عند أهل العلم) أي أن أكثر أهل العلم يقولون أنه لا حد على من مارس الجنس مع البهيمة، بل يعزر- و المعروف أن التعزير يكون أقل و أخف من الحد.

و في "روح المعاني" للألوسي 18\78 (أنه لا حد على الصبي والمجنون ومن أكرهه السلطان ولا على من أولج في دبر أو في فرج صغيرة غير مشتهاة أو ميتة أو بهيمة)، و في المغنى لابن قدامة 2387 (ويتخرج في وطء البهيمة أن الحج لا يفسد به).

و نفس الأمر نجده عند الشيعة، ففي كتب "النهاية" 1\708-709 و "تحرير الوسيلة" 2\121 و "مهذب الأحكام" 23\139 و "كلمة التقوى" 4\345 (أمّا لو أولج في بهيمة فإنّه يثبت عليه التعزير بما دون الحدّ حسب ما يراه الحاكم، ويغرّم ثمن البهيمة لصاحبها إن لم تكن له، فإن كانت ملكه لم يكن عليه شي‏ء) ، و في كتاب "المقنعة" للشيخ المفيد واحد من أهم فقهاء الشيعة الإثنى عشرية ص789 (و من نكح بهيمة وجب عليه التعزير بما دون الحد في الزنى و اللواط و يغرم ثمن البهيمة لصاحبها)، و في ص790 (و إن كانت البهيمة لغير الفاعل بها أغرم لصاحبها ثمنها).

هكذا فقد كان الإهتمام الأول للفقهاء المسلمين هو كيفية التعامل مع البهيمة ذاتها، و هل يتم قتلها أم لا، و هل يجب على من عاشرها أن يدفع ثمنها لصاحبها- أما لو كانت ملكه فلن يدفع شيئا بالطبع.

اهتم الفقهاء كذلك بأن يغتسل الرجل بعد مضاجعة البهيمة؛ حيث نقرأ في "الكافي في فقه الإمام أحمد"- باب ما يوجب غسله، (وسواء في هذا وطء الزوجة والأجنبية ، والحية الميتة ، والآدمية والبهيمة).

و في شرح الإمام النووي لصحيح مسلم، يتناول حديث محمد في "صحيح مسلم" 525 (‏إذا جلس بين ‏ ‏شعبها ‏ ‏الأربع ثم جهدها فقد وجب عليه الغسل)، فيعقب النووي (وَلَوْ غَيَّبَ الْحَشَفَة فِي دُبُر اِمْرَأَة , أَوْ دُبُر رَجُل , أَوْ فَرْج بَهِيمَة , أَوْ دُبُرهَا , وَجَبَ الْغُسْل)، و يتحدث عن مضاجعة المرأة للدواب أيضا فيقول (وَلَوْ اسْتَدْخَلَت الْمَرْأَة ذَكَرَ بَهِيمَة وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْل).

و من الطريف أن الفقهاء اهتموا أيضا بالأحكام الشرعية الخاصة بالكائن الذي قد يولد من نكاح الإنسان و الحيوان، فقرروا بأن يكون المولود ملكا لصاحب البهيمة(!) و تساءلوا هل يجوز أكله أم لا ؛ فنقرأ في "نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج"- كتاب الطهارة - باب النجاسة-  أنواع النجاسات (ولو وطئ آدمي بهيمة فولدها الآدمي ملك لمالكها)، (ولا يحل أكله وإن كانت أمه مأكولة، لأن المتولد بين مأكول وغيره لا يحل أكله . وبقي ما لو وطئ خروف آدمية فأتت بولد فحكمه أنه ليس ملكا لصاحب الخروف) – و نفس الكلام نجده في "تحفة المنهاج في شرح المنهاج" و "حاشية البجريمي على الخطيب" و "حواشي الشرواني" و غيرها من كتب الفقه.

المقدمة وفهرس الأجزاء

هناك تعليقان (2):

  1. ليس كل مانسب الى الرسول من احاديث هي احاديث صحيحة خصوصا وان النبي قد نهى صاحبته عن كتابة الحديث عنه وان الاغلبية العظمى من الاحاديث والتي قد تم جمعها بعد وفاته بزهاء مائتي عام لا تنتمي للرسول ص كما ان فهم الائمة والمشايخ القدماء او المعاصرين واكذلك اختلافهم في فهم بعض آيات القرآن لا يعد حجة ولا نقض لا للاسلام ولا القرآن وانما يعد نقصا وتقصيرا في الفهم ليس الا والدليل على ذلك هو اختلافهم فيما بينهم في تفسير الكثير من الايات وليس كل ما يكتب عن التاريخ الاسلامي هو عنوان الحقيقة واذا اراد كاتب المقال ان يكون في مقاله بعض الموضوعية فلماذا لم يبحث قليلا في التاريخ المسيحي او اليهودي ولماذا لم يقص علينا قليلا من سفر نشيد الانشاد لقد كان الاسلام وسيظل دين العفه والطهارة والنقاء مهما حاول الحاقدون والكارهون على مر الازمان والعصور ولن يفلح كيد الكائدين

    ردحذف
  2. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف