الجمعة، 27 يناير 2017

هدم أسطورة دين العفة 4





رابعا: الإسلام و الزنا

لو سألت مسلما عاديا: ما هو الزنا؟ فالأرجح أنه سيقول لك أن "الزنا هو ممارسة الجنس بين رجل و امرأة خارج إطار الزواج"، و لو سألته: ما هو الزواج؟ فقد يجيبك بأنه العلاقة بين رجل و امرأة تحت إطار شرعي.

هذا التعريف مقبول عند كثيرين، و لكنه من الناحية الإسلامية غير دقيق، فهو تعريف متأثر بثقافتنا المعاصرة و رؤيتنا الحالية للأمور، أما في الشريعة الإسلامية فالنظرة مختلفة تماما.

مبدئيا، لو تذكرنا أن الإسلام يعتبر المرأة مخلوقة للرجل، يمكن له امتلاكها، فسنتذكر أن العلاقة الشرعية في نظر الإسلام تأخذ أشكالا عديدة من الإمتلاك، منها ما ذكرناه: من إباحة امتلاك الرجل لأربعة نساء، منهن طفلات، و منها ما سنذكره من أشكال أخرى متاحة للرجل للحصول على عدد غير متناهي من النساء، كنكاح المتعة و ملك اليمين..إلخ ، مما يخرج بالعلاقة عن الإطار الثنائي المحدود الذي نألفه اليوم عن الزواج، و بل و يبدو متشابها تماما مع مفهومنا الحالي للزنا، كما سنرى- فلماذا يرفض الإسلام ذلك الشكل للعلاقة و يسميه زنا، بينما يقبل الأشكال الأخرى؟

في تلك الحالة سنصل إلى التعريف الإسلامي للزنا، و هو "اعتداء رجل ما على نساء رجل آخر".

فكما يهتم أي مجتمع بتنظيم شئونه عن طريق تحديد الملكيات و منع التعدي من طرف على آخر، يهتم الإسلام بمنع السرقة، و معها الزنا، و ذلك للحفاظ على استقرار المجتمع العربي الذي يبدو أنه كان يشهد صراعات متعددة على الموارد المختلفة، كالذهب و الماء و الأراضي و الحيوانات..إلخ، و النساء أيضا؛ ففي مجتمع كهذا كان يمكن لمعركة كبيرة أن تقوم بسبب زنا رجل مع زوجة رجل آخر، فكان لابد من تنظيم الأمر بشكل يؤدي لاستقرار الأحوال - هكذا سنرى أن المسألة لا علاقة لها بالعفة أو الشرف أو الفضيلة الأخلاقية، بقدر ما تتعلق بحماية ملكية الرجال.

في هذا الإطار سنناقش أولا تعامل الإسلام مع الزنا الذي يحرمه ، ثم سننتقل ثانيا إلى إباحة الإسلام لأنواع أخرى عديدة من الزنا الحلال و المقنن.

الجريمة المستحيل إثباتها
من ناحية يبدو أن القرآن يجرم الزنا بشدة (الإسراء 32) و يأمر بجلد الزانية و الزاني مائة جلدة (النور 2)، أما السنّة فقد ورد فيها رجم الزناة إن كانوا متزوجين.

و لكن عمليا يبدو أن القرآن يضع شروطا شبه مستحيلة لإثبات واقعة الزنا، فبعد آيتين فقط من الأمر بجلد الزاني في سورة النور إذا بخالق الكون يضع شرطا عجيبا جدا لإثبات حدوث الزنا، هو شهادة أربعة رجال يقولون بأنهم رأوا العملية الجنسية بأعينهم (النساء 15)، أما لو قل العدد عن أربعة فيتم جلد الشهود الآخرين - باعتبارهم كاذبين- و يتم منعهم من الشهادة في أي شيء بعدها إلى الأبد (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) النور 4.

هل هذا طلب منطقي من دين يدعي أنه يقف بكل صرامة في وجه الإنحلال؟ و أي مجنون هذا الذي سيمارس الزنا و يترك المجال لنفسه لأن يتم رؤيته من خلال أربعة رجال؟

و الأهم من ذلك: لم يخبرنا الشرع كيف يمكن إثبات وقوع جريمة الإغتصاب؟ هل يتوجب على المرأة التي تتعرض إلى الإغتصاب أن تستحضر أربعة رجال شاهدوا بأعينهم وقوع الجريمة؟!

و لو عدنا إلى كلام الفقهاء- كما أورد ابن قدامة في "المغنى" الجزء التاسع 7184- لوجدنا المزيد من الشروط لإثبات الزنا ، كأن يكون الشهود رجال لا إناث، أحرار لا عبيد، عدول لا مشكوك في ذمتهم، مسلمين لا غير ذلك، أما الشرط الأهم فهو أن يكونوا جميعا قد شاهدوا العملية الجنسية بتفاصيلها، و هو ما يشبهه الفقهاء بـ"دخول المرود في المكحلة" – فالشرط كما أورده ابن قدامة هو (..أن يصفوا الزنا ، فيقولوا : رأينا ذكره في فرجها كالمرود في المكحلة ، والرشاء في البئر. وهذا قول معاوية بن أبي سفيان ، والزهري ، والشافعي ، وأبي ثور ، وابن المنذر ، وأصحاب الرأي ; لما روي في قصة "ماعز ، أنه لما أقر عند النبي صلى الله عليه وسلم بالزنا ، فقال : أنكتها؟. فقال : نعم . فقال : حتى غاب ذلك منك ، في ذلك منها ، كما يغيب المرود في المكحلة ، والرشاء في البئر؟ . قال : نعم")، و الحديث موجود في "سنن أبي داود" 4428 و غيره من المصادر.

و يبدو أن محمدا أخذ تلك الشروط من اليهود، أو مما اعتقد أنه مذكور في التوراة، حيث يكمل ابن قدامة (وروى أبو داود ، بإسناده عن جابر ، قال : "جاءت اليهود برجل منهم وامرأة زنيا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ائتوني بأعلم رجلين منكم . فأتوه بابني صوريا ، فنشدهما : كيف تجدان أمر هذين في التوراة ؟ . قالا : نجده في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها ، مثل الميل في المكحلة ، رجما . قال : فما يمنعكم أن ترجموهما ؟ قالا : ذهب سلطاننا ، وكرهنا القتل . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهود ، فجاء أربعة ، فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمهما")، و أيضا الحديث موجود في "سنن أبي داود"  4452 و غيره.

هكذا بشكل عملي يكاد يكون من المستحيل إثبات الزنا إسلاميا، إلا إذا حدث في وسط الطريق العام مثلا!، و حتى في تلك الحالة فمن الصعوبة بمكان أن يرى الشهود تفاصيل الأعضاء بالشكل الذي يصفه الحديث؛ و هكذا نجد الدين الذي يتظاهر بأنه يرفع عصا غليظة في وجه الزنا و يحض على العفة و الفضيلة، هو في الحقيقة يضع شروطا خيالية و تعجيزية تجعل من المستحيل إقامة ذلك الحد، إلا في حالة حدوث الحمل أو الإعتراف التطوعي لأحد طرفي الزنا، كما حدث في الحالات شديدة الندرة، كما في قصة ماعز و الغامدية الواردة في المصادر الإسلامية.

و لكن يا ترى لماذا هذا الشرط الإسلامي الصعب الذي يمنع إثبات الزنا، الذي يدعي الإسلام أنه يحاربه؟ و لماذا يقوم بترهيب الشاهد بحيث لو لم يكونوا أربعة فسيتم جلد الواحد أو الإثنين أو الثلاثة؟  هل هذا لحماية أعراض النساء من القيل و القال، أم أن هناك احتمال آخر؟

من ناحية كان النبي راغبا في إعلان عقوبة رادعة ضد الزنا، و لكن من ناحية أخرى فإن كثرة انتشار الزنا في المدينة كانت ستنتج كارثة اجتماعية لو حاول تطبيق الحدود على كل من يمارس الزنا خاصة المتزوجين ، مما اضطر محمدا إلى محاولة الحد من إدانة الزناة، عن طريق المبالغة في تصعيب عملية إثبات الجرم، و ترهيب من يحاول إثباته.

الإنحلال في المجتمع العربي
حسب المصادر الإسلامية فالمجتمع العربي قبل الإسلام كان متحررا جنسيا إلى درجة الفوضى و الإنحلال، فنقرأ في تلك المصادر (مثلا كـ"سنن أبي داود- كتاب الطلاق"، تحت باب "في وجوه النكاح التي كان يتناكح بها أهل الجاهلية") عن أنواع النكاح التي كان يمارسها العرب، فمنها الزواج العادي المألوف، و منها "نكاح الإستبضاع" حيث يرسل الرجل امرأته لشخص آخر لتحمل منه!، و منها "نكاح الرهط" حيث يقوم مجموعة كبيرة من الرجال بمعاشرة امرأة و حين تنجب تختار هي والد الطفل!، و نوع آخر أشبه بالدعارة أو البغاء الذي نعرفه اليوم - و في مصادر أخرى ذكرت أنواعا أخرى، كـ"نكاح البدل" (تبادل الزوجات) و "نكاح السبي" و "نكاح المتعة" و غيره.

و لو نظرنا إلى ما وصلنا من سيرة الصحابة و آبائهم لوجدنا درجة كبيرة من الإباحية الجنسية ، نختار منها مثالين فقط : الأول يخص عمرو ابن العاص، فقد ورد في عدة مصادر (مثل "السيرة الحلبية" و "العقد الفريد"، و "مروج الذهب") أن أمه كانت بغيا شهيرة (عاهرة)، و أنها قبل أن تحمل به كانت قد مارست الجنس مع خمسة رجال، فتم إلحاقه بالعاص بعد مفاوضات - أما من جهة الشبه فالأرجح أنه في الحقيقة ابن أبو سفيان، الذي كان أحد الخمسة – و قد ورد أن الصحابة كعلى و عثمان والحسن و عمار بن ياسر وغيرهم كانوا دائما يعيرون ابن العاص بسلوك أمه.

و قد حكيت لاحقا مغامرات جنسية شيقة بين زوجة عمرو ابن العاص و بين عمارة ابن الوليد (أخو خالد ابن الوليد)، وصلت إلى محاولة عمارة قتل عمرو، كما ورد في "سير أعلام النبلاء" للحافظ الذهبي و "السيرة النبوية" لابن كثير 2\90 و غيره.

أما المثال الثاني فهو عن والد النبي نفسه- عبد الله- حيث جاء في سيرة ابن هشام، الجزء الأول، و كذلك في السيرة الحلبية و غيرها، أن عبد الله كان يسير بجوار الكعبة، فبادرته امرأة بأن عرضت عليه ثروة من الإبل في مقابل أن يواقعها جنسيا، لكنه اعتذر لأن والده (جد محمد) كان معه، و بعد فترة عاد إلى المرأة ليرى إن كان العرض مازال ساريا، لكنها ردته.

أما محمد نفسه، فهناك من شكك في نسبه و ولادته، فنجد في مواضع عديدة من السيرة أنه هوجم من تلك الناحية، و اهتم شاعره حسان ابن ثابت بالرد على تلك التهمة المتكررة بشتائم مقابلة لمن يطلقها، كما نجد محمدا نفسه بمناسبة و دون مناسبة يؤكد أنه مولود من زواج و ليس زنا، و أنه منتسب إلى بني هاشم..إلخ ؛ تلك التأكيدات التي تتكرر بحرارة تثير الريبة- و لا ننسى ما ورد في السيرة بأنه قد ولد بعد أربعة سنوات من وفاة أبيه، مما دفع أكثر الفقهاء إلى اختراع بدعة مفادها أن مدة حمل المرأة يمكن أن تمتد إلى أربعة سنوات!، حتى يحموا نبيهم من أن يكون ولد زنا.

تلك الإباحية و الأخلاقيات المنحطة لاشك أنها لم تختف بعصا سحرية بعد مجيء الإسلام، و إنما استمرت، كما سنرى ؛ فمن بعض الروايات الإسلامية يبدو لنا أن الزنا كان أمرا منتشرا في مجتمع المدينة، حيث عاش محمد و صحابته، سواء بين الرجال و النساء المتزوجين أو العازبين.

الملاعنة و المزيد من الإنحلال
لنرى كيف تعامل محمد مع مشكلة تفشي الزنا في مجتمعه.

لما نزلت الآية 4 من سورة النور، مطالبة كل من يتهم امرأة بالزنا أن يأتي بأربعة شهداء، اعترض بعض الصحابة على ذلك الحكم غير المنطقي، و كأن الزوج الذي يرى زوجته تزني يتوجب عليه أن يطالب الرجل بالإنتظار ريثما يروح هو و يجد أربعة رجال يرجعون ليشهدوا معه!

في البداية أصر محمد على موقفه، فنقرأ في "صحيح مسلم" 1498 رجلا يأتيه سائلا (يا رسولَ اللهِ، إن وجدتُ مع امرأتي رجلًا، أأَمْهِلُه حتى أتيَ بأربعةِ شهداءَ؟ قال "نعم")- و نحتاج إلى سطور من علامات التعجب لكي نوفي إجابة الرسول حقها!

و في كتاب "أسباب النزول" للنيسابوري 633، نقرأ اعتراض أحد الصحابة على مسألة الأربعة شهداء (عن ابن عباس قال : لما نزلت : (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء) إلى قوله تعالى : (الفاسقون) قال سعد بن عبادة ، وهو سيد الأنصار : أهكذا أنزلت يا رسول الله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " ألا تسمعون يا معشر الأنصار إلى ما يقول سيدكم؟)، (فقال سعد : والله يا رسول الله ، إني لأعلم أنها حق ، وأنها من عند الله ، ولكن قد تعجبت أن لو وجدت لكاع (المرأة الحمقاء: يقصد زوجته) قد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء، فوالله إني لا آتي بهم حتى يقضي حاجته!).

هنا اعتراض الرجل- بحق- أنه لو رأى رجلا يزني مع زوجته فذهب يبحث عن  أربعة شهود ليقيم الحجة عليهما، لأعطى ذلك الفرصة للرجل لكي يقضي حاجته و ينصرف!؛ و في تفسير الطبري للآية 6 من النور نقرأ نفس الرواية.

هكذا نرى أحد الصحابة - الذي وصف بأنه شديد الغيرة - يتعجب من تلك الشريعة العبثية؛ كما ينقل لنا الطبري اعتراض رجل آخر (..عن عبد الله قال : إنا ليلة الجمعة في المسجد ، إذ دخل رجل من الأنصار ، فقال : لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فإن تكلم جلدتموه ، وإن قتل قتلتموه ، وإن سكت سكت على غيظ!).

و تكمل القصة من "أسباب النزول" لتخبرنا أن رجلا آخر دخل عليهم في أثناء الجدال ليخبرهم أن هذا الأمر حدث بالفعل معه، حيث رأى زوجته تزني (..فما لبثوا إلا يسيرا حتى جاء هلال بن أمية من أرضه عشية فوجد عند أهله رجلا ، فرأى بعينه ، وسمع بأذنه فلم يهجه حتى أصبح فغدا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، إني جئت أهلي عشيا ، فوجدت عندها رجلا ، فرأيت بعيني ، وسمعت بأذني ، فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما جاء به ، واشتد عليه..).

هكذا وجد الرجل زوجته تزني، الأمر الذي أزعج محمدا بشدة ؛ و في موضع آخر (البخاري 4418) نقرأ أن زوجة هلال لمحت إلى كونه عاطلا من الناحية الجنسية في خطابها إلى محمد، حيث قالت عن هلال أنه (شيخ ضائع.. ما به حركة إلى شيء).

و حين قام هلال باتهامها و لم يأت بالشهود توقع سعد ابن عبادة أن محمدا سوف يقوم بجلد هلال و يمنعه من الشهادة ، تطبيقا لشريعة الله (..فقال سعد بن عبادة : الآن يضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هلال بن أمية ، ويبطل شهادته في المسلمين).

لكن المشكلة أن هلال ابن أمية كان رجلا ذو شأن، و جلده كان سيثير مشكلة كبيرة.

(و لنتذكر مشهدا آخر من حديث الإفك- الذي سنأتي له- حيث وجدنا أن محمدا حين اتهمت عائشة بالزنا من قبل أربعة أشخاص قام بجلد ثلاثة فقط منهم، و  ترك أول من اتهمها - عبد الله ابن أبي سلول- لأنه كان صاحب نفوذ في المدينة، فهكذا يتم تقديم السياسة على شرع الله دائما، أو بمعنى أصح يتم تكريس شرع الله لخدمة السياسة المحمدية!)

هنا كان يجب على الوحي أن يتدخل ليجد مخرجا لمشكلة هلال ابن أمية؛ و هو ما حدث بالفعل.

من كتاب "أسباب النزول" نكمل (فوالله إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد أن يأمر بضربه إذ نزل عليه الوحي ، وكان إذا نزل عليه عرفوا ذلك في تربد جلده ، فأمسكوا عنه حتى فرغ من الوحي ، فنزلت "والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم..إلخ، فقال : "أبشر يا هلال ، فقد جعل الله لك فرجا ومخرجا")، و المقصود هنا هي الآيات المعروفة بآيات اللعان أو الملاعنة (النور 6-9) حيث قرر القرآن أن من يتهم زوجته بالزنا فلا حاجة له لأن يأتي بأربعة شهداء، بل كل ما يتوجب عليه أن يشهد هو نفسه أربع مرات أنها زانية، و الخامسة أنه صادق(!)، و للمرأة أن ترد عن نفسها العقوبة إن هي شهدت خمس شهادات مضادة – فلو شهدت هي بذلك تقف الأمور عند ذلك الحد و يذهب كلا منهما إلى حاله.

يبدو أن تلك الحالة من الخيانات الزوجية كانت تتكرر كثيرا، نستشف هذا من اهتمام القرآن بالأمر ، و من افتراض سعد ابن عبادة لحدوثه بكل بساطة، و نستشفه كذلك من حدوثه فعلا بسرعة شديدة حيث أن هلال دخل عليهم و هم يتكلمون في الموضوع!

و كذلك نستشف كثرة تكرار الزنا- سواء للمتزوجات أو غيرهن- من خلال الروايات الواردة في المصادر الإسلامية.

نقرأ مثلا في "البخاري" 5309 (أن رجلاً من الأنصارِ جاء إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ اللهِ، أرأيتَ رجلاً وجَدَ مع امرأتِه رجلاً، أيقتُلُه أم كيف يفعلُ؟ فأنزل اللهُ في شأنِه ما ذكر في القرآنِ من أمرِ المتلاعنين، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: قد قضى اللهُ فيك وفي امرأتِك. قال: فتلاعنا في المسجدِ) و مثله في "البخاري"  432 و 5002 و 5003 و 5308 و 7166 و 7304 ، و "صحيح مسلم" 1492 و 1495، و "سنن أبي داود" 2245 و 2253و غيره.

و في حديث ذكرناه سابقا، ورد في "صحيح البخاري" 5312 و 5350 و في "صحيح مسلم" 1493 و في "سنن أبي داود" 2131 و 2257 و غيرها، نجد رجلا تزوج فتاة ثم عند الدخول بها اكتشف أنها حبلى ، فذهب مشتكيا إلى النبي الذي طبق عليهما قاعدة "اللعان"، و لم يتمكن من إثبات شيء.

و نقرأ من "مسند أحمد" 4\109 (تزوَّجَ رجلٌ امرأةً من الأنصارِ مِنْ بَلْعِجْلَانَ فدخلَ بها فباتَ عندها فلمَّا أصبحَ قال : ما وجدتُها عَذْراءَ قال : فَرُفعَ شأنُهما إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فدَعا الجاريةَ (أي الفتاة) رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فسَألها فقالتْ : بلَى قد كنتُ عذراءَ قال : فأمرَ بهما رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فتلاعَنا وأعطاها المَهرَ).

أما أشهر وقائع الزنا فهي قصة ماعز و الغامدية، الواردة في "صحيح البخاري" 6824 و "صحيح مسلم" 1695 و "سنن الترمذي" 1428 و غيرها، حيث أن الأخيرة أنجبت طفلا من الزنا فقام محمد برجمها حتى الموت، و ذلك رغم أنه حاول تجنب الأمر قبلها.

هذه بعض الروايات الواردة في المصادر الإسلامية؛ و لابد أن ما خفي عن شهادات الشهود و الأزواج كان أعظم.

لا شك أن لإنتشار الخيانات و الفحش بهذا الشكل أسبابا متعددة، ربما أولها غياب الأخلاق و الإنضباط و سيادة نظرة الرجل إلى المرأة على أنها مجرد "سلعة" يحاول اختطافها من صاحبها (الرجل الآخر) بأي شكل، الأمر الذي يعد امتدادا لنفس النظرة العربية السابقة على الإسلام.  

و لكن واحدة من أهم أسباب انتشار الخيانات الزوجية في مجتمع المدينة تكمن في كثرة غزوات النبي و سراياه هنا و هناك، حاشدا معه المئات أو الآلاف من الجنود الذين يقيمون بعيدا عن بيوتهم لشهور طويلة، مما نتج عنه غياب الرجال عن أزواجهن طوال تلك الفترة- و هي القضية المعروفة بإسم "المغيبات"، نسبة للمرأة التي غاب عنها زوجها فصارت تبحث عن بدائل جنسية.

المغيّبات
كان على محمد مواجهة تلك المشكلة الإجتماعية العويصة : غياب الجنود الرجال عن زوجاتهم لفترات طويلة في أثناء الغزوات و السرايا الكثيرة التي كان يأمر بها ، مما قد يؤدي إلى موجات من الخيانات تتفشى في المدينة بين زوجات المجاهدين و الرجال القاعدين ، كما رأينا و سنرى.

أول ما فعله النبي كان التهديد و التحذير الشديد لكل من يخطر بباله استغلال الوضع، فقال، كما ورد في "صحيح النسائي" 3190 (حُرمةُ نساءِ المجاهدينَ على القاعدينَ كحرمةِ أمَّهاتِهم ، وإذا خلَّفَه في أَهلِهِ فخانَه قيلَ لَه يومَ القيامةِ : هذا خانَك في أَهلِك فخُذْ من حسناتِه ما شئتَ فما ظنُّكُم)، و نفس الحديث تقريبا في "صحيح ابن حبان"  4635، فمحمد هنا يشبه حرمة زوجة المجاهد على الرجال بحرمة الأم، و يخيف كل من يزني بها بخسارة كبيرة يوم القيامة.

و في حديث آخر، ورد في "الترهيب و الترغيب" 3\266 و "مجمع الزوائد" 6\261 و "الزواجر" 2\136 و "صحيح الترغيب" 2405، يهدد الزاني مع المغيبة بأنه سيتم نهشه يوم القيامة بأسنان أسود مفترسة، فيقول (مثلُ الذي يجلسُ على فراشِ المغنيةِ مثلُ الذي نهشَه أسودٌ من أساودِ يومِ القيامةِ).

تلك التهديدات العصبية و المبالغ فيها لا تدل إلا على شيء واحد: أن المشكلة كانت مستفحلة بشدة.

و يصل الأمر بمحمد إلى تهديد من يزني بزوجة المجاهد بالخلود في الجحيم إلا لو شفع له المجاهد نفسه (من آذى مجاهداً في أهله فمأواه النار لا يخرجه منها إلا شفاعة المجاهد لله إن فعل ذلك)، كما ورد في كتاب "السير الكبير" لمحمد حسن الشيباني، ص149.

و الجدير بالذكر أنه بعد رجم ماعز (صاحب الغامدية السابق ذكرها، و هي فيما يبدو إحدى المغيبات) خرج محمد ليخطب في الناس، كما ورد في "جمع الجوامع" الجزء الرابع ص147، قائلا (أكلما نفرنا في سبيل الله عز وجل خلف أحدهم نبيباً كنبيب التيس يمنح إحداهن الكثبة؟ ، أما والله إن يمكنيّ الله من أحد منهم إلا نكلته عنهن).

في مقالات منشورة على الإنترنت لمصطفى حقي  بعنوان "مشكلة المغيّبات"نجده يعلق على الحديث قائلا (والنبيب : الصياح والتيس ذكر الماعز. والحديث يصوّر بعبارات بليغة أحوال القاعدين الذين يحومون حول المغيّبات وتشبيهه لهم بالتيوس التي تصيح إغراءً لإناث الماعز تشبيه مستقى من البيئة. وهو (الحديث) يدل على أن المشكلة لم تكن فردية بل جماعية بل إنها تحولت إلى ظاهرة اجتماعية وإلا لما جاء وعيد محمد شديداً وصل حد النكال والتنكيل)، ثم يضيف (إنما الذي لا مرية فيه ان تلك الأحاديث رغم قساوة العقوبات التي حملتها وصرامة الوعيد الذي بشّرت به لم تمنع التيوس من القاعدين من الدخول على المغيّبات والاستمتاع بهن) انتهى.

بعد هذا لجأ محمد إلى أسلوب آخر لعلاج مشكلة المغيبات، و هو التغطية و الستر!

فقام النبي بنهى الأزواج عن مفاجأة أزواجهم ليلا دون إنذار مسبق، ورد ذلك في "صحيح البخاري" 5244 (إذا أَطالَ أحدُكم الغَيْبَةَ فلا يَطْرُقُ أهلَهَ ليلًا) و بصيغ مختلفة في "صحيح البخاري" 5079 و 5245 و 5246 و "صحيح مسلم" 715و غيره.

أما التبرير الذي قدمه محمد لهذا التمهل، كما ورد في بعض صيغ الأحاديث، فهو أن الزوجة الغائب عنها زوجها ستحتاج إلى بعض الوقت حتى تتمشط و تزيل شعر جسدها(!)، إلا أن السياق يوحي بأنه ببساطة أراد منح العشاق فرصة للهرب، تجنبا لحدوث مواجهات بينهم و بين الأزواج، الأمر الذي قد ينتج عنه مشاكل مجتمعية حادة، خاصة في وسط قبلي و متعصب كهذا.

و في "مسند أحمد" 5654 نقرأ أن هناك شخصين عصيا محمد في هذا الأمر، فدخلا على نسائهما "فكلاهما رأى ما كره"!

و في "مصنف عبد الرازق"- كتاب الطلاق- باب الطروق، نجد توضيحا أكبر للمسألة حيث نقرأ (لَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُعَرَّسِ ، أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى : لا تَطْرُقُوا النِّسَاءَ ، قَالَ : فَتَعَجَّلَ رَجُلانِ فَكِلاهُمَا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلا , فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : قَدْ " نَهَيْتُكُمْ أَنْ تَطْرُقُوا النِّسَاءَ") – مما يعطينا فكرة عن مدى تفشي تلك الممارسات، و يؤكد لنا السبب الحقيقي للنهي النبوي!

و في أحد الدروس المسجلة صوتيا يتحدث مفتي مصر السابق الشيخ الأزهري علي جمعة عن ذلك الحكم الشرعي، فيقول بالحرف (.. يقول (النبي) "من أتى منكم من السفر فلا يطرقن أهله بليل"؛ لابد أن تذهب إلى المسجد، تتصل بالتليفون، تقول أنا جاي كمان نص ساعة، احتراما لنساء المسلمين.. فواحد من الصحابة ركب دماغه و ماطاوعش النبي، فطرق أهله بليل، لأنه كان شاك إنه فيه حاجة، فوجد الرجل عندها.. شوف الجزاء الإلهي بقى.. فوّت الأمور، فوتها.. التفويت من الدين)، و يكمل (..الإتيكيت الإسلامي بيقولك تتصل بالتليفون، لكن الشك بقى يقولك طيب افرض معاها واحد؟ افرض يا سيدي معاها واحد، خليه يمشي.. اتصل بالتليفون يا أخويا.. اتصل بالتليفون).

و لاحقا سيروى عن عمر ابن الخطاب، أنه أمر بتقليل فترة غياب الجيش، بعد أن تنصت على امرأة تنشد شعرا جنسيا يتعلق بغياب زوجها عنها، كما نقرأ في "تخريج الحنائيات" 2\1274 (خرجَ عمرُ بنُ الخطَّابِ منَ اللَّيلِ فسمِعَ امرأةً تقولُ: تطاولَ هذا اللَّيلُ واسوَدَّ جانبُهُ - وأرَّقَني ألَّا خليلَ ألاعبُهُ - فواللَّهِ لولا اللَّهُ أنِّي أراقبُهُ - لحُرِّكَ من هذا السَّريرِ جوانبُهُ. فسألَ عمرُ بنُ الخطَّابِ ابنتَهُ حفصةَ: كم أَكْثرُ ما تصبرُ المرأةُ عن زوجِها ؟ فقالت: ستَّةَ أشهرٍ أو أربعةَ أشهرٍ)، (فقالَ عُمرُ: لا أحبسُ أحدًا منْ جُيوشٍ أَكْثرَ من ذلِكَ).

أحكام الإسلام: عفة أم براغماتية؟
هكذا يتبين لنا أن محاولات النبي لعلاج مشكلة تفشي الفاحشة بين المسلمين لم تكن تتعلق في المقام الأول بالحفاظ على العفة أو الفضيلة الأخلاقية، و إنما بالحفاظ على أمن و سلامة المجتمع بشكل براغماتي (نفعي) بحت؛ فهو من ناحية قام بتشريع الجلد و الرجم لمحاربة الفوضى الجنسية (الزنا) بشكل متطرف وصل به إلى إعلان أن الطفل المولود من الزنا سيدخل النار، فقال (لا يدخل الجنة ولد زانية) ("مسند أحمد" 2\203) بما يتنافى مع المنطق و العدالة البديهية ؛ ثم من ناحية أخرى، و مع ملاحظته كثرة شيوع الإنحلال في مجتمعه و استحالة هزيمته، لجأ إلى محاولة تجنب المواجهة، عن طريق تصعيب إثبات الزنا، و تهديد الشهود لو أنهم كانوا أقل من أربعة، ثم أنه أمر الرجال بتجنب الدخول على زوجاتهم مفاجأة- كل هذا يدل أن النبي حاول امتصاص المشكلة و التغطية عليها ، بدلا من حلها.

في قصة الغامدية رأينا محمدا يحاول تجنب إقامة الحد عليها (رغم اعترافها؛ و هو الذي نهى بشدة في مناسبات عديدة عن التهاون مع حدود الله)، ثم أنه نصح من يرى شخصين يزنيان أن يتجاهل الأمر و يستر الزاني برداءه(!)، فنقرأ في "سنن أبي داود" 4377 و "المحلي" لابن حزم 11\146 و غيرهما، أنه حين جاء النبي رجل رأى آخر يزني قال له (لو سترته بثوبك كان خيرا لك).

و هي دعوة مفتوحة لعدم معاقبة الزناة، و أمر واضح للشهود بعدم الإبلاغ عن أي ممارسات جنسية يشاهدوها بأعينهم، بل عليهم أن يستروا الزناة بأثوابهم!

و بعد محمد سيستمر هذا النهج الإسلامي من محاولة امتصاص المشاكل و تجنب الفضائح بأي ثمن، و لو كان الثمن هو قبول الرذيلة و الفحش.

قصة المغيرة ابن شعبة
كمثال وحيد على ذلك نقرأ في المصادر الإسلامية قصة عجيبة تتعلق ببعض أهم الصحابة، ففي عهد خلافة عمر ابن الخطاب تم اتهام المغيرة ابن شعبة بالزنا؛ و المغيرة هو أحد اللذين عاهدوا محمدا في بيعة الرضوان و ممن قال القرآن عنهم (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) الفتح 18، و الذين قال محمد لهم يومها (أَنْتُمْ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ)، كما ورد في "البخاري" 2923 و "مسلم" 1856، كما صرح بأن أهل الحديبية لا يدخلون النار("مسلم" 2495).

هذا الصحابي (الجليل) – الذي ولّاه عمر ابن الخطاب أميرا للبصرة،  قيل عنه أنه كان "نكّاحا للنساء"، و قد تزوج في حياته أكثر من سبعين امرأة، و قال عن نفسه متفاخرا أنه "رجل مطلاق"، فكان يتزوج أربعا معا و يطلق أربعا معا(!)، كما ورد في "سير أعلام النبلاء" للحافظ الذهبي 3\31.

قصة اتهام ذلك الصحابي بالزنا وردت في العديد من المصادر الإسلامية، مثل "فتح الباري" 5\256 و "سير أعلام النبلاء" 3\27 و "مصنف عبد الرازق" 8\362 و "نصب الراية" 3\345 و غيرها؛ و مفادها أن أربعة رجال (أحدهم صحابي يدعى أبا بكرة) شاهدوا المغيرة مع امرأة متزوجة اسمها الرقطاء أم جميل، يمارسان الجنس، فذهبوا إلى عمر ابن الخطاب يبلغونه بالأمر.

و بينما شهد ثلاثة منهم عليه بالزنا قائلين بوضوح أنهم (رأوه يولجه ويخرجه)، قال الرابع (و يسمى زيادا) أنه لم يكن متأكدا إن كان قد وضع عضوه بداخلها أم لا، و إنما قال (رأيت منظرًا قبيحًا, وما أدري أخالطها أم لا)، و في رواية أنه شاهد مؤخرات مكشوفة و حركات و أصوات مضاجعة (رأيته جالسًا بين رجلي امرأة, فرأيت قدمين مخضوبتين تخفقان، واستين مكشوفين، وسمعت حفزانًا شديدًا) ؛ و حين سأله عمر عن الإدخال نفسه (هل رأيت كالميل في المكحلة؟) أجاب بالنفي ، ففرح عمر و صاح "الله أكبر" و أمر بجلد الشهود الثلاثة واستتابهم من ذلك الذنب العظيم(!)

و في رواية أن الشاهد الرابع زياد قال
(رأيتهما في لحاف واحد، وسمعت نفسًا عاليًا ولا أدري ما وراءه, فكبّرعمر، وضرب القوم إلا زيادًا).

هذا يعطينا تلخيصا ممتازا لتعامل الإسلام مع الزنا عن طريق التستر عليه : حاول قدر الإمكان أن تتجنب إثبات تلك الفعلة على أحد - خاصة لو كان شخصا ذو حيثية و نفوذ- بل و عاقب بالجلد كل من يقوم بالإبلاغ عنها.

و لاحقا سنرى الخليفة عمر- الموصوف بالفاروق الغيور و الذي لا يخشى في الحق لومة لائم- سنراه يتمادى في التساهل مع الزنا و الفحش إلى أقصى حد.




إباحة الزنا في الإسلام
حسب واحد من أهم فقهاء الإسلام- أبو حنيفة- فيمكن للرجل ممارسة الجنس مع أي امرأة دون أن يعتبر ذلك زنا، فقط بشرط أن يدفع لها بعض المال!

من "المحلي" لابن حزم 11\250 و "المغنى" لابن قدامة 10\187 و "حلية العلماء" 8\15 أن أبا حنيفة كان يقول (لو أنّ رجلاً إستأجر غسالة أو خياطة أو خبازة أو غير ذلك من أصحاب الصناعات، ثم وثب عليها فوطئها وحملت منه، يسقط عنه الحد، ويلحق به الولد) – فالأمر لا يعتبر زنا طالما منح الرجل المرأة مالا، و لو كان المال من باب الإستئجار على عمل!

فمن أين جاء أبو حنيفة بهذا الحكم؟ من عمر ابن الخطاب، الذي جاءته امرأة تحكي عن رجل منحها حفنة تمر ثم عاشرها جنسيا، فقرر عمر اعتبار أن تلك الحفنة هي بمثابة مهر، مما يجعل ما حدث زواجا صحيحا لا زنا!

نقرأ في كتاب "المحلي بالآثار" لابن حزم، كتب الحدود، 196 (أن امرأة جاءت إلى عمر بن الخطاب فقالت : يا أمير المؤمنين أقبلت أسوق غنما لي فلقيني رجل فحفن لي حفنة من تمر ، ثم حفن لي حفنة من تمر ثم حفن لي حفنة من تمر ، ثم أصابني! فقال عمر : ما قلت؟ فأعادت ، فقال عمر بن الخطاب ويشير بيده : مهر مهر مهر - ثم تركها).

بشرى سارة إذن لكل ذكر مسلم، حيث يمكنه- طبقا لتلك الرواية و ذلك المذهب - أن يمارس الجنس مع أي فتاة بعد أن يدفع لها بعض المال أو حفنات من الحبوب أو الثمار، و حينها سيتم اعتبار الأمر ليس زنا و إنما زواجا شرعيا صحيحا على سنة الله و رسوله وواحد من كبار أئمة مذاهبه (و بعد أن يقوم صاحبنا بذلك عليه أن لا ينسى لعن الغرب الفاجر المنحل الذي يبيح الزنا!).

يكمل ابن حزم في نفس المصدر، تحت عنوان "مسألة المستأجرة للزنى"(!)، ذاكرا قيام الحنفية بإعادة تعريف الزنا طبقا لتلك الرواية، فيقول (قد ذهب إلى هذا أبو حنيفة ولم ير الزنى إلا ما كان مطارفة ، وأما ما كان فيه عطاء أو استئجار فليس زنى ولا حد فيه)؛ و المعنى أن أبو حنيفة عرّف الزنا بأنه الجنس العابر(مطارفة) و دون مقابل، أما لو كان هناك مقابل مادي فلا يعتبر زنا- الله أكبر.

و يعترض ابن حزم على ذلك قائلا - بحق- أن الحنفية علموا الناس (.. وجه الحيلة في الزنى ، وذلك أن يستأجرها بتمرتين وكسرة خبز ليزني بها ثم يزنيان في أمن وذمام من العذاب بالحد الذي افترضه الله تعالى)، و لكن الحقيقة أن الحنفية لم يقولوا بأكثر مما فعله الخليفة وواحد من أهم الصحابة: عمر ابن الخطاب.

دعارة حلال؛ هذا هو التعبير السليم لما نجده بين ثنايا تشريعات هذا الدين الذي يزعم أنه عدو للإنحلال.

ابن الزوجة الزانية ينسب للزوج
أسلوب آخر لجأ له النبي لتغطية مشكلة تفشي الخيانات الزوجية و التي قد ينتج عنها حمل، و هو قيامه بإجبار الزوج على نسبة الولد له، مهما كان الأمر- و ذلك أيضا تجنبا للفضائح و المشاكل.

يقول محمد في "صحيح الجامع" 1720 و 7161 و "مجمع الزوائد" 5\16 و غيرهما أن (الوَلَدُ لِلفراشِ ، و لِلعاهِرِ الحَجَرِ).

و في موقع "إسلام ويب - مركز الفتوى"، برقم 173713 نقرأ شرحا للحديث، و تبريرا له (و كون الولد للفراش هذا هو الأصل حفظا للأنساب من الضياع فلو أن رجلا غاب عن زوجته فولدت فالولد لاحق به مالم ينفه باللعان، قال ابن قدامة: حتى لو أن امرأة أتت بولد وزوجها غائب عنها منذ عشرين سنة لحقه ولدها).




الحمل سنوات!
طريقة أخرى لتغطية المشكلة هي الزعم بأن مدة الحمل قد تطول كثير؛ فالمعروف أن الفقه الإسلامي يعتبر أن مدة حمل المرأة قد تستمر لسنوات طويلة، مما ينافي العلم و الخبرة البشرية بأن مدة الحمل لا يمكن أن تزيد كثيرا عن تسعة شهور، بحد أقصى.

ننقل بعض الأسطر من تفسير القرطبي لسورة الرعد آية 8 (ٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ)، حيث يقول (وٱختلف العلماء في أكثر الحمل)، (عن عائشة قالت: لا يكون الحمل أكثر من سنتين)، (و عن الليث بن سعد: إن أكثره ثلاث سنين)، (وعن الشافعي أربع سنين)، (وروي عن مالك في إحدى روايتيه، والمشهور عنه خمس سنين؛ وروي عنه لا حدّ له، ولو زاد على العشرة الأعوام)، (وعن الزّهري ست وسبع)، (قال أبو عمر: ومن الصحابة من يجعله إلى سبع)، (والكوفيون يقولون: سنتان لا غير)، (ومحمد بن عبد الحكم يقول: سنة لا أكثر) – نفس المعنى نجده في تفسير ابن كثير للآية، كما نجده في مصادر إسلامية كثيرة قديمة و حديثة.

هكذا لدينا قرارا فقهيا بأن فترة الحمل قد تطول إلى سنتين أو أربعة أو سبعة أو حتى عشرة سنوات أو أكثر(!)، فيا ترى من أين جاؤوا بتلك المدد المبالغ فيها، إلا نتيجة وقائع فعلية حملت فيها نساء بينما أزواجهن غائبون – أولهم أمّ النبي محمد نفسه كما تخبرنا المصادر الإسلامية؟

كثرة تلك الحالات في المجتمع الإسلامي جعلت الفقهاء يزعمون بأن الحمل قد يطول، الزعم الذي قد ينقذ بيوت المسلمين و يتستر على الفضائح التي تحدث فيها.

في نفس المصدر للقرطبي نقرأ عدة حكايات حملت فيها نساء لسنوات طويلة ، منها جارة الإمام مالك ابن أنس التي يقال أنها حملت ثلاث مرات، في كل مرة استمر الولد بداخل بطنها أربع سنوات، حتى سميت المرأة "حاملة الفيل" ، و منها أن مالك نفسه أمه حملت به سنتين في بطنها، و قيل الشيء نفسه عن إمام آخر هو الضحاك، و حكوا عن شخص ثالث اسمه محمد ابن عجلان مكث في بطن أمه ثلاث سنين فخرج منها و له أسنان!، إلى غير ذلك من القصص الكثيرة - منها واقعة أخرى حدثت في زمن عمر ابن الخطاب، حيث جاءه رجل يقول أنه غاب عن امرأته سنتين و عاد ليجدها حبلى، و ينتهي المشهد بأن يتم نسبة الولد للزوج و اعتباره ابنا له!

و الآن لدينا احتمال من اثنين: إما أن قوانين البيولوجيا كانت مختلفة في زمن المسلمين الأوائل، و إما أن الفقهاء اخترعوا تلك القصص بهدف التغطية الشرعية على الزوجات الزانيات اللاتي كن يحملن في غيبة أزواجهم، فيتم نسبة الإبن للزوج الذي ربما لم يمارس الجنس مع زوجته إلا منذ سبع سنوات مضت!، و لصاحب العقل أن يختار أي الإحتمالين أرجح.

وطالما تساهل الإسلام في الزنا و الخيانات الزوجية و اجتهد في التستر عليها ، فلم يكن مستغربا أن يتساهل مع ما يسمى بـ"مقدمات الزنا" و هي الممارسات بين الرجال و النساء التي لا تصل إلى الجنس الكامل، كما سنرى.

التساهل مع مقدمات الزنا
يقول القرآن عن المؤمنين أنهم (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) النجم 32 – و أحد معاني "اللمم" هو مقدمات الزنا، أي اللمسة و القبلة و الضمة..إلخ، و كل شيء أقل من الجنس الكامل، و قيل كذلك أن اللمم هو الزنا نفسه!

نقرأ من تفسير القرطبي (فقال أبو هريرة وٱبن عباس والشعبي: "اللَّمَمُ" كل ما دون الزنى)، (وكذا قال ٱبن مسعود وأبو سعيد الخُدري وحذيفة ومسروق: إن اللمم ما دون الوطء من القبلة والغمزة والنظرة والمضاجعة).

ثم نقرأ (عن الزهري قال: اللمم أن يزني ثم يتوب فلا يعود).

و في تفسير ابن كثير يرد القول بأن اللمم هي الذنوب عموما أو الفواحش (عن مجاهد: أنه قال في هذه الآية:  "إِلاَّ ٱللَّمَمَ" قال: الذي يلم بالذنب، ثم يدعه)، و (عن ابن عباس: "ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَـٰئِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَٰحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ" قال: هو الرجل الذي يلم بالفاحشة، ثم يتوب)

أما سبب نزول الآية فهو قيام أحد الصحابة بمداعبة امرأة ، و ذهابه محمد ليخبره أنه يفعل كل شيء مع النساء إلا الجنس الكامل، فنزلت الآية تؤكد أن الله غفور رحيم في مثل تلك الأمور التافهة!

من القرطبي (أن هذه الآية نزلت في رجل كان يسمى نبهان التمار؛ كان له حانوت يبيع فيه تمراً فجاءته امرأة تشتري منه تمراً فقال لها: إن داخل الدكان ما هو خير من هذا، فلما دخلت راودها فأبت وٱنصرفت فندم نبهان؛ فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ما من شيء يصنعه الرجل إلا وقد فعلته إلا الجماع؛ فقال: لعل زوجها غازٍ، فنزلت هذه الآية) – و نفس القصة واردة في كتاب "الإصابة" لابن حجر العسقلاني 3\550، و نلاحظ توقع محمد أن زوج المرأة كان في غزوة، مما يؤكد ما ذكرناه سابقا عن انتشار مثل تلك الأمور بين زوجات المجاهدين الغائبين.

و من تفسير ابن كثير للآية نقرأ نفس المعاني: أن اللمم هو مقدمات الزنا، أو هو الزنا نفسه (سألت أبا هريرة عن قول الله: "إِلاَّ ٱللَّمَمَ" قال: القبلة والغمزة والنظرة والمباشرة، فإذا مس الختان الختان، فقد وجب الغسل، وهو الزنا)، (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: هو الرجل يصيب اللمة من الزنا واللمة من شرب الخمر، فيجتنبها ويتوب منها)، (عن ابن عباس: "إِلاَّ ٱللَّمَمَ" يلم بها في الحين، قلت: الزنا؟ قال: الزنا، ثم يتوب).

و في صحيح مسلم 2763 نقرأ عن رجل جاء للنبي يعترف له أنه مارس بعض الأمور الجنسية مع امرأة ما، فيعترضه عمر ابن الخطاب قائلا له أنه لم يكن عليه المجيء أصلا (جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال : يا رسولَ اللهِ، إني عالجتُ امرأةً في أقصى المدينةِ . وإني أصبتُ منها ما دون أن أمسَّها . فأنا هذا . فاقضِ فيَّ ما شئتَ . فقال له عمرُ : لقد سترك اللهُ ، لو سترتَ نفسك).

معالجة الإسلام للمشاكل الجنسية
أما بعد، فما يهمنا هنا ليس بالأساس إدانة تعامل محمد و تابعيه مع أحوال المجتمع الإسلامي الأول ، فربما ذلك التعامل كان اضطراريا حسب البيئة و الثقافة و الظروف، و إنما ما يهمنا هو تأكيد ثلاثة أمور: الأول أن تلك التعاليم (الإسلامية) كانت مصاغة لحل مشاكل مجتمع ذي ظروف خاصة جدا و بالتالي لا يمكن تعميمها على مجتمعات الأرض عموما، و الثاني- الأهم- أن تلك التعاليم ليست بالصرامة الأخلاقية التي يحسبها المسلمون اليوم، فهي لا تتشدد في العفة أو الفضيلة..إلخ، و إنما هي تعاليم مرنة نفعية تميل مع المصلحة حسب رؤيتهم آنذاك ، سواء كانت مع العفة أو مع التسيب و الإنحلال و الدياثة ؛ مما يقودنا إلى النقطة الثالثة، و هي أن كل ما ذكرناه كان الجزء المقبول نسبيا من محاولات الإسلام لعلاج مجتمعه – لكن القادم من تلك المحاولات أسوأ.

ما فات كان هدفه التعامل بشكل خاص مع مسألة الخيانات الزوجية النسائية ، خاصة من قبل زوجات الصحابة المجاهدين في المدينة ، لكن ماذا عن الأطماع الذكورية لأولئك الجنود أنفسهم؟ من الواضح أن تركهم لبيوتهم احتاج إلى تعويضات جنسية سخية، هذا إن أراد النبي لهم أن يستمروا في القتال معه – و هنا سيتجلى الفحش و الدعارة الإسلامية في أوضح صورهما.

كنا قد طرحنا سؤالا اعتراضيا : أليس الزواج في الإسلام أفضل من الزنا؟ و الإجابة من وجهين: الوجه الأول أن الإسلام لا يتشدد مع الزنا أبدا إلى درجة السماح به في بعض الأحيان، و هو الجزء الذي رأيناه.

و الوجه الثاني- ما سنراه-  أن الإسلام يحلل أنواعا أخرى من الزنا و الدعارة و الإغتصاب، بشكل أكثر قبحا بكثير من الزنا المعروف بأنه علاقة جنس بالتراضي بين رجل و امرأة.
المقدمة وفهرس الأجزاء

هناك تعليق واحد:

  1. خبيث من صورتك واضح

    الرسول اللهمــہٰٰ۫ـــَ صــہٰٰ۫ـــلّيۦ‏ے وســہٰٰ۫ـــلمے وبارگ علىے مــہٰٰ۫ـــحــہٰٰ۫ـــمــہٰٰ۫ـــد ﷺ لاينطق عن الهوى كما تذكر سفالتك انما هو وحي من الله وليس اجتهاد عقلي ويسأل يهود

    وتلبيسك للأحاديث اللغير صحيح وطعنك بالصحابة وطعنك بالنبي المصطفى المختار لا يعلمنا الا انك من المستشرقين الخبيثين الذين في الارض موضعهم

    { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل ( ٤٤ ) } [سورة النساء]
    { يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ( ٣٢ ) } [سورة التوبة]

    ردحذف