الجمعة، 27 يناير 2017

هدم أسطورة دين العفة 1





أولا: عن الجنس

الجنس خارج الدين
سنبدأ بإلقاء نظرة سريعة على الرؤية الأخرى المقابلة لرؤية الدين، و هي النظرة اللادينية أو الطبيعية أو العلمانية.

المعروف أن اللادينيين لا يستمدون أفكارهم بشكل جماعي من مصادر مقدسة، و إنما كل إنسان يكوّن وجهات نظره بشكل فردي من خلال البيئة و المجتمع و الظروف، و بالطبع من خلال الفكر و القراءة و الإطلاع كلٌ حسب جهوده الذاتية، و بذلك فالطبيعي أن تختلف طبائع و وجهات نظر اللادينيين فيما يخص كل شيء بما في ذلك السلوك الجنسي: فمثلا البعض يميل إلى المحافظة، بينما البعض إلى التحرر، و هكذا.

واقعيا فنسبة كبيرة من اللادينيين العلمانيين العقلانيين الحداثيين يؤمنون بحدين رئيسيين للسلوك الإنساني عموما : الحد الأول هو الحرية، فلا يحق أبدا لإنسان فرض رغباته أو قيمه الشخصية على إنسان آخر، و الحد الثاني هو أمن المجتمع، فالسلوك الذي يؤثر سلبيا على المجتمع هو سلوك ضار يجدر استنكاره و مقاومة انتشاره قدر الإمكان -  و المطلوب هنا هو تحقيق نوع من الموازنة بين الحدين.

بشكل مختصر فنظرة الكثير من اللادينيين إلى الجنس أنه مسألة شخصية بحتة، لكل إنسان أن يقرر سلوكه كما يشاء، و لا يحق للدولة أو المجتمع أن يتدخلا فيه بإسم الدين أو القيم الأخلاقية أو العادات و التقاليد..إلخ ، إلا إذا اقترن ذلك السلوك بضرر ملموس و مباشر لفرد آخر أو للمجتمع بشكل عام (كما في حالات الإغتصاب مثلا)؛ فدور الدولة و المجتمع هو حماية البشر و ليس فرض قيم العفة و الفضيلة، و التي يقررها كل إنسان لنفسه حسب معتقده أو دينه أو ميوله- ذلك أن حق الشخص في امتلاك جسده، و تقرير كيفية التصرف فيه بنفسه، هو حق إنساني أصيل.

و قد قام "الإتحاد العالمي للصحة الجنسية" في اجتماعه الرابع عشر (هونغ كونغ 1999) بتبني "الإعلان العالمي الحقوق الجنسية"، و الذي يتضمن أحد عشر حقا جنسيا لكل إنسان، منها حقه في الحرية و الكرامة و المتعة الجنسية، و في السلامة الجسدية، و في الخصوصية و المساواة و حرية التعبير و التواصل الجنسي ، و حقه في اختيار اختيارات تناسلية، و في  الحصول على تعليم و ثقافة جنسية و أيضا رعاية صحية جنسية ملائمة.

هل الجنس أمر معيب؟
إذن، فهل الجنس بحد ذاته  هو أمر لاأخلاقي يستحق الإدانة؟

من وجهة نظر بعض الأديان التي تركز على النظرة الثنائية للوجود أنه منقسم إلى مادة و روح، و من ثم تنحاز بقوة إلى الأخيرة ، فالجنس و الشهوة الجنسية هي أمور محتقرة دنيئة لا تليق، مثلما هو الحال مع البوذية و المسيحية؛ و يصل الأمر في الثانية أنها تحتوي نصوصا على لسان يسوع تجعل النظرة إلى المرأة مساوية لفعل الزنا، و تدعو إلى بتر الأعضاء و فقء العيون و خصي البشر تجنبا للشهوة، كما نجد بولس الرسول ينصح الناس بعدم الزواج إلا عند الإضطرار، لأنه "يحسن بالرجل أن لا يمس امرأة".

و لا ننسى بالطبع أن الرمز الأكبر لتلك الديانة - يسوع المسيح- قد ولد بدون جنس من عذراء لم يمسها ذكر ، و كأنهم أرادوه أن يكون مطهرا من ذلك "الدنس"، كما أن الرجل طوال سيرته المكتوبة في الأناجيل نجده منقطع الصلة تماما بأي مشاعر أو شهوة أو ممارسة جنسية من أي نوع، فلم ينظر حتى إلى امرأة فيعجب بجمالها- و ذلك رغم أنه قد شعر بأحاسيس بشرية و جسدية أخرى مثل الجوع و الألم..إلخ، لكن الجنس بالذات محرم عليه، فهو أرقى من ذلك!

و قد أكد يسوع أنه حتى في الملكوت فلن يكون هناك وجود لأي ممارسات جنسية، كما نجد نصا آخر على لسان يوحنا مفاده أن من يرثون الملكوت هم الذين لم ينجسوا أجسادهم مع النساء.

هكذا حين نقرأ نقدا للإسلام من وجهة نظر مسيحية، نجد هناك إدانة شديدة لكل ممارسة إسلامية تحتوي شهوة أو جنس ، و كأن الدين الصحيح يفترض فيه أن يعادي الجنس في المجمل، و يرفض الشهوة باعتبارها أمر "غير روحاني" دنيء و دنس.

هنا لن ننظر إلى المسألة بهذا الشكل أبدا؛ و إنما من وجهة نظر علمانية أو إنسانية نرى أن الجنس في المقام الأول مسألة شخصية تتعلق بحرية الإنسان و لا يحق لأحد التدخل فيها، و من الناحية الأخلاقية لا نرى أن الجنس أمرا مدانا ، و لا نرى أن كثرة الزواج أو كثرة الشهوة أو حتى صياغة الأدب و الشعر الجنسي الصريح هي في حد ذاتها أمور مشينة أو خاطئة بالمرة ؛ و إنما بشكل مبدئي فالجنس هو شيء رائع و راقي، مرتبط  بمتعة البشر و ضروري لصحتهم النفسية و الجسدية، بالإضافة إلى غاية بقاء النوع طبعا.

كذلك، يمكن لنا القول أن من أجمل النصوص الدينية على الإطلاق هو نشيد الإنشاد في الكتاب المقدس اليهودي، و الذي هو عبارة عن شعر غزلي جنسي ، و الشيء نفسه ينطبق على ِأشعار العصر العباسي مثلا و التي سنمر بها ، بما احتوته من أبيات حب و غزل عفيف أو حتى صريح و جنسي.

بالتالي فحين ندين النظرة الإسلامية إلى الجنس فنحن لا ندينها من وجهة نظر دينية متعصبة تحتقر الشهوة و ترفضها ، و إنما بالأحرى من وجهة نظر إنسانية، ترى أن العيب ليس في الإستمتاع الجنسي بحد ذاته،  ولكن العيب في أمرين خطيرين مصاحبين لذلك الإستمتاع، و هو ما يجعلنا ندينه بكل قوة :

العيب أولا أن يقترن ذلك الإستمتاع بظلم للبشر، مثلما سنرى في تعدد الزوجات و زواج الطفلة و أحكام الطلاق و زواج المتعة و اغتصاب السبي و ملك اليمين و تجارة البشر ، و هي كلها أحكام قاسية جائرة منحازة مائة بالمائة لخدمة الذكر المسلم الحر وحده، الذي يمتلك المرأة للمتعة فيشتريها بماله أو يأسرها بسيفه، ثم يحق له التحكم في مصيرها بشكل لا علاقة له بالعدل أو الرحمة - هنا تصبح الشهوة مسالة منحطة، حين تقترن باغتصاب طفلة أو خطف فتاة أسيرة، بعد قتل أهلها أو شرائها من السوق.

ثم إن العيب ثانيا في النفاق الذي يمارسه المسلم، حين يدعي الطهر و النقاء و العفة و الزهد لدينه، ثم يفتري على معتقدات الآخرين فينتقد المسيحيين ساخرا من من نص كنشيد الإنشاد مثلا، و يدين الحضارة الغربية باعتبارها حضارة الفسق و الفجور..إلخ ، و يتناسى الكم الهائل من الإباحية الفجة و الإنحلال و الدعارة المنظمة في دينه و في تاريخه، اللتين يفتخر بهما دون علم.

إذن، فالشهوة الجنسية هي أمر رائع، و لا يصح إدانة تلك الشهوة إلا حين ترتبط بظلم أو نفاق؛ هنا يخرج الجنس من نطاق السلوك الشخصي، و تصبح الشهوة أكثر دناءة مما يمارسه الحيوان في الغابة – فالأخير إن وقع في بعض الظلم بغريزته، فعلى الأقل لا يمكننا اتهامه بالنفاق و العيش بوجهين.

أما بعد، فلنشاهد معا ملامح من تعامل النصوص الدينية و الإسلامية تحديدا مع الجنس؛ نبدأ بسير الأنبياء السابقين أولا، ثم نصل إلى التعاليم و الشرائع الإسلامية و سلوكيات نبي الإسلام ذاته.

المقدمة وفهرس الأجزاء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق