الجمعة، 27 يناير 2017

هدم أسطورة دين العفة 2





ثانيا: الأنبياء و العفة

البداية: نكاح محارم
حسب الإيمان الإسلامي ، و يشاركه في هذا اليهودي و المسيحي و أديان أخرى، فإن خالق الكون قد اختار أن يبدأ نسل البشرية جميعا بعلاقة جنسية بين أخ و أخته ؛ فالمعروف في القصة الدينية الشهيرة أن آدم و حواء أنجبا عدة أبناء، تزوجا من بعضهما البعض حتى جاءت البشرية جميعا نتيجة لتلك الزيجات الأخوية.

ينقل الإمام الطبري في تفسير سورة الأحزاب آية 72 و أيضا في الجزء الأول من تاريخه – فصل "ذكر الأحداث التي كانت في عهد آدم عليه السلام بعد أن أهبط إلى الأرض" -  رواية شهيرة عن جماعة من الصحابة أن حواء كانت تلد في كل مرة توأمين، فكان آدم يقوم بتزويج ذكر البطن الأول لأنثى البطن الثاني، و ذكر البطن الثاني لأنثى البطن الأول و هكذا، فنقرأ (عن ابن مسعود - وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: كان لا يولد لآدم مولودٌ إلا ولد معه جارية، فكان يزوج غلام هذا البطن جارية هذا البطن الآخر ويزوج جارية هذا البطن غلام هذا البطن الآخر).

و يكمل الطبري ليحكي عن النزاع بين قابيل و هابيل على أخت قابيل، لأنها كانت جميلة (وكان قابيل أكبرهما، وكانت له أخت أحسن من أخت هابيل، وإن هابيل طلب أن ينكح أخت قابيل، فأبى عليه وقال: هي أختي ولدت معي، وهي أحسن من أختك، وأنا أحق أن أتزوجها، فأمره أبوه أن يزوجها هابيل، فأبى..إلخ) – هكذا يبدو أن أول جريمة قتل في تاريخ البشرية- حسب الأديان- كانت بسبب النزاع الجنسي على مضاجعة المحارم.

و من الطريف أن الراوي يعرّف "الأخت" بأنه المولودة في نفس البطن، و هذا كان المنهي عنه على ما يبدو، أما التي تولد لاحقا فلا تعتبر أختا و يمكن الزواج بها(!)؛ فينقل الطبري- في تاريخه أيضا- رواية عن ابن عباس تحكي القصة ذاتها (عن ابن عباس، قال: نهى أن تنكح المرأة أخاها توءمها، وينكحها غيره من إخوتها، وكان يولد في كل بطن رجل وامرأة، فولدت امرأة وسيمة وولدت امرأة قبيحة، فقال أخو الدميمة: أنكحني أختك وأنكحك أختي، قال: لا، أنا أحق بأختي..إلخ).

و مرة أخرى- في نفس المصدر- يتم تأكيد نفس الأمر: آدم و حواء أنجبا الكثير من الأبناء و البنات، و كان يحرم على الرجل الزواج بتوأمه فقط (وكانت حواء - فيما يذكرون - لا تحمل إلا توءمًا ذكرًا وأنثى، فولدت حواء لآدم أربعين ولدًا لصلبه من ذكر وأنثى في عشرين بطنًا، وكان الرجل منهم أي أخواته شاء تزوج إلا توءمته التي تولد معه، فإنها لا تحل له، وذلك أنه لم يكن نساء يومئذ إلا أخواتهم وأمهم حواء( - و في العبارة الأخيرة نلمح محاولة من الكاتب لتبرير هذا الفيض من نكاح الأخوات، الأمر الذي تحرمه الشرائع الدينية بكل تشدد.

بعد ذلك في نفس الفصل السابق و التالي له - فصل "ذكر الأحداث التي كانت في أيام بني آدم من لدن ملك شيث بن آدم إلى أيام يرد" - يستمر الطبري في الإقتباس -من أقوال الصحابة و التابعين و الرواة كابن عباس و ابن مسعود و ابن إسحاق، مع أقوال اليهود أيضا- لينقل لنا المزيد من أمثلة نكاح المحارم في الأجيال الأولى للبشرية (نكح شيث بن آدم أخته حزورة ابنة آدم، فولدت له يانش بن شيث، ونعمة ابنة شيث.... نكح يانش بن شيث أخته نعمة ابنة شيث، فولدت له قينان.... ونكح مهلائيل بن قينان خالته سمعن ابنة براكيل ابن محويل بن خنوخ بن قين بن آدم، فولدت له يرد بن مهلائيل.... إن قينًا نكح أخته أشوث بن آدم، فولدت له رجلًا وامرأة: خنوخ بن قين، وعذب بنت قين.... فنكح خنوخ بن قين أخته عذب بنت قين، فولدت له ثلاثة نفر وامرأة: عيرد بن خنوخ ومحويل بن خنوخ وأنوشيل بن خنوخ، وموليث بنت خنوخ.... فنكح أنوشيل بن خنوخ موليث ابنة خنوخ، فولدت لأنوشيل رجلًا اسمه لامك..إلخ)- مع ملاحظة أن من بقي هو نسل شيث وحده (من أخته).

و لا ندري لو كانت حمى جنس المحارم تلك قد تكررت مرة ثانية بعد طوفان نوح، حين أهلك الله جميع البشرية و لم يبق إلا على ذرية نوح وحدهم (الصافات 77)، و لعلهم اضطروا للتناسل عن طريق نكاح الأخوة كما اضطر أبناء آدم من قبل..؟

بالطبع يحاول المسلمون تبرير تلك النقطة المحرجة من زواج الإخوة و الإنجاب منهم تحت رعاية إلهية، فيقولون مثلا أنه في تلك الفترة لم يكن هناك تشريع ديني يمنع زواج المحارم مما يعفي أبناء آدم من التجاوز الأخلاقي ؛ و هذا الرد المتهافت يدخل قائله تحت مظلة "الأخلاق النسبية و المائعة و المطاطة" التي يدينها المؤمن بشدة و يتهم بها اللاديني؛ فكأن الجريمة هنا لا تصبح جريمة إلا حين ينزل نص يعلن أنها جريمة!، و في تلك الحالة لا أدري كيف نحكم على النص بأنه أخلاقي؟ بصيغة أخرى صاحب هذا الرد يقر بأن زواج الأخوة ليس سيئا في ذاته و إنما هو سيء "فقط" لأن هناك نص ديني قال بذلك، مما يعد قلبا عجيبا للأمور.

الرد الآخر هو ما قاله الطبري: أنه في تلك الفترة لم يكن هناك رجال و نساء إلا أبناء آدم، فما البديل المتاح للحفاظ على النسل البشري؟ و الجواب البسيط أنها ليست مشكلتنا نحن، فإلهكم القادر على كل شيء خلق كونا من العدم و خلق بشرا من طين، ثم خلق بشرا آخر من ضلع البشري الأول، مما يعني أن هذا الإله واسع الخيال واسع الحيلة لم يكن ليعدم طريقة لخلق المزيد من البشر بدون زواج محارم.

و كمثال وحيد، لماذا لم يخلق ذكرا و أنثى آخرين موازيين لآدم و حواء و يجعل النسلين يتزاوجان؟..إلخ، و لا يوجد مانع لبدء خلق البشرية من رجلين و امرأتين بدلا من رجل واحد و امرأة واحدة- هذا كان كفيل بحل الأزمة.

أيا يكن الحال، فالخلاصة أن المسلم لا يمكنه الهروب من حقيقة أن إلهه قد استخدم واحدا من أكثر السلوكيات الأخلاقية و الجنسية غرابة و شذوذا لكي يؤسس لخليفته في الأرض، و أن دينه -مدعي العفة و الإستقامة- يجعل البشر جميعا أبناء نكاح محارم.


أبو الأنبياء، القواد بزوجته
في التوراة (سفر التكوين، إصحاح 12: 10-19)  نقرأ قصة مفصلة عن النبي إبراهيم حين دخل إلى مصر و أنه قام باستغلال جمال زوجته سارة ليحصل لنفسه على كثير من الخير بسببها، فبدأ بإخفاء أنها زوجته و اكتفى بالقول أنها أخته (حسب التوراة الأمران صحيحان، فهي زوجته و أخته أيضا!) ، ثم سمح بأن يتم إرسالها إلى بيت فرعون ليعاشرها جنسيا؛ و لولا تدخل الله في اللحظة الأخيرة بإرهاب فرعون لحدث ما لا يحمد عقباه؛ و كانت النتيجة أن فرعون أعاد المرأة إلى إبراهيم و معها الكثير من الهدايا مما ساهم في زيادة ثروات خليل الله (و الطريف أن التوراة تخبرنا أن هذا السلوك سيكرره إبراهيم مع حاكم آخر في فلسطين (تكوين، إصحاح 20: 1-18)، ثم سيفعله ابنه إسحاق مستخدما زوجته في فلسطين أيضا (تكوين، إصحاح 26: 6-14)).

تلك القصة ترد، بشكل أقل تفصيلا، في المصادر الإسلامية: حيث نقرأ في صحيح البخاري 3358 حديثا لمحمد يحكي عن إبراهيم أنه كذب ثلاث كذبات، ما يهمنا فيها هي الثالثة: حيث ادعى أن سارة أخته و أرسلها إلى الحاكم الطامع في جمالها ، لكن الله أيضا تدخل في اللحظة الأخيرة (..بينا هو ذاتَ يومٍ وسارةُ ، إذ أتى على جبارٍ من الجبابرةِ ، فقيل لهُ : إنَّ هاهنا رجلًا معهُ امرأةٌ من أحسنِ الناسِ ، فأرسلَ إليهِ فسألَهُ عنها ، فقال : من هذهِ ؟ قال : أختي ، فأتى سارةَ فقال : يا سارةُ ليس على وجهِ الأرضِ مؤمنٌ غيري وغيركِ ، وإنَّ هذا سألني فأخبرتُهُ أنكِ أختي ، فلا تُكَذِّبِينِي ، فأرسلَ إليها ، فلمَّا دخلت عليهِ ذهب يَتناولها بيدِهِ فأُخِذَ ، فقال : ادعي اللهَ ولاأضرُّكِ ، فدعتِ اللهَ فأُطْلِقَ . ثم تَناولها الثانيةَ فأُخِذَ مثلها أو أشدَّ ، فقال : ادعي اللهَ لي ولا أضرُّكِ ، فدعتْ فأُطْلِقَ ، فدعا بعضَ حجبتِهِ ، فقال : إنكم لم تأتوني بإنسانٍ ، إنما أتيتموني بشيطانٍ ، فأخدمها هاجرَ ، فأتتْهُ وهو يُصلِّي ، فأومأَ بيدِهِ : مَهْيَا ، قالت : رَدَّ اللهُ كيدَ الكافرِ ، أو الفاجرِ ، في نحرِهِ).

و في صحيح مسلم 2371نقرأ نفس القصة عن الكذبات بصيغة مختلفة (..وواحدةٌ في شأنِ سارَّةَ . فإنه قدم أرضَ جبَّارٍ ومعه سارَّةُ . وكانت أحسنَ الناسِ . فقال لها : إن هذا الجبارَ ، إن لا يعلمُ أنك امرأتي ، يغلبني عليك . فإن سأل فأخبريه أنك أختي . فإنك أختي في الإسلامِ . فإني لا أعلمُ في الأرضِ مسلمًا غيري وغيرِك . فلما دخل أرضَه رآها بعضُ أهلِ الجبَّارِ . أتاه فقال له : لقد قدم أرضَك امرأةٌ لا ينبغي لها أن تكونَ إلا لك . فأرسل إليها فأتى بها . فقام إبراهيمُ عليه السلام إلى الصلاةِ . فلما دخلت عليه لم يتمالكْ أن بسط يدَه إليها . فقُبِضَتْ يدُه قبضةً شديدةً . فقال لها : ادعي اللهَ أن يُطْلِقَ يَدي ولا أضرُّك . فَفَعَلَتْ . فعادَ . فَقُبِضَتْ أشدَّ من القبضةِ الأولى . فقال لها مثلَ ذلك . ففعلتْ . فعاد . فقُبِضتْ أشدَّ من القبضتين الأُوليين . فقال : ادعي اللهَ أن يطلقَ يدي . فلك اللهُ أن لا أضرَّكِ . ففعلتْ . وأطلقتْ يدَه . ودعا الذي جاء بها فقال له : إنك إنما أتيتني بشيطانٍ . ولم تأتني بإنسانٍ . فأخرجْها من أرضي ، وأعطها هاجرَ . قال فأقْبَلَت تمشي . فلما رآها إبراهيمُ عليه السلام انصرف . فقال لها : مهيمْ ؟ قالت : خيرًا . كفَّ اللهُ يدَ الفاجرِ).

نلاحظ أن القصة الإسلامية ركزت على خوف إبراهيم من القتل، بينما القصة التوراتية جمعت بين خوفه من القتل و طمعه في المغانم، و لكن في الحالتين يبدو أن أبا الأنبياء، الذي تمسك بدينه حتى ألقوه في النار و أنقذه الله من الحرق، لم يحتفظ بنفس عزيمته و ثقته في إلهه حين تعلق الأمر بعرضه و عرض زوجته (و ربما أخته أيضا) فوافق أن يكذب ثم سلمها ببساطة للإغتصاب و ذهب هو للصلاة! -  و نتساءل: ألم يكن الأفضل و الأكرم أن يلتزم الصدق و يرفض تسليمها ثم يصلي لإلهه، إن كان واثقا فيه، أو حتى إن كان حريصا على التمسك ببعض الكرامة و المروءة و النخوة؟

بعد ذلك سنرى نبيا آخر يسلك سلوكا مشابها، فيحاول تسليم بناته إلى قرية كاملة ليمارسوا معهن الجنس.

لوط يعرض بناته للإغتصاب الجماعي
اشتد غضب الله الغيور من جراء الممارسات الشاذة و الفاحشة لقوم لوط، خاصة ممارستهم للجنس بين الرجال ، و من ثم قرر إبادتهم عن بكرة أبيهم.

و حين أرسل ملائكته إلى لوط قرر- لسبب ما- أن يجعلهم في هيئة أولاد جميلي المنظر حسني الوجوه نظيفي الثياب طيبي الرائحة (كما ورد في التفاسير) ، فتطور الأمر إلى أن احتشد أهل القرية جميعا حول بيت لوط و طالبوه بأن يخرج لهم أولئك الفتيان، و في محاولة منه لردهم عن شرهم اقترح عليهم لوط اقتراحا لطيفا و هو أن يغتصبوا بناته بدلا من أن يغتصبوا الملائكة!.

نقرأ المشهد في سورة هود 77-79 (وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ - وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَـؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ؟ - قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ) ، و كذلك في سورة الحجر 67-71 (وَجَاء أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ - قَالَ إِنَّ هَؤُلاء ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ - وَاتَّقُوا اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ - قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ؟ - قَالَ هَؤُلاء بَنَاتِي إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ).

حاول أكثر المفسرين التخفيف من حرج الموقف فاقترحوا أن المقصود هو أن لوط عرض على أهل القرية الزواج من النساء بشكل عام، و أن قوله "بناتي" يعني به كل نساء القرية حيث أنهن في منزلة بناته؛ و لكن التأمل البسيط في الواقعة يؤكد العكس: فلوط هنا استخدم لفظ "بنات" بينما لو أراد التعميم لاستخدم لفظ "النساء"، كما أنه نسبهم إلى نفسه و لو كان يقصد التعميم فالأولى أن لا ينسبهم لنفسه.

و في تفسير الرازي لسورة هود ينقل هذا الرأي (قال قتادة: المراد بناته لصلبه(.

و بالمناسبة فالقصة واردة بتفاصيلها في التوراة، سفر التكوين الإصحاح 19، و نقرأ فيها أن لوط عرض على أهل القرية بنتيه قائلا أنهما "لم تعرفا رجلا"، و اقترح عليهم أن يخرجهما إليهم فيفعلوا بهما ما يريدون، و يتركوا الملائكة ؛ و نعلم أن القرآن في أكثر الأحوال لا يختلف مع القصة التوراتية، و لو أراد مخالفتها فكان الأجدر به أن يوضح الأمر، لكنه لم يفعل و استخدم نفس السياق و العبارات مما يؤكد أن المضمون العام للقصة واحد في الكتابين.

و بينما رأينا هنا الله يتدخل للحفاظ على عرض إبراهيم و لوط و إنقاذهما من الفضيحة ، سنرى نفس الإله في موضع آخر يهتم بتعرية نبي آخر أمام الجموع، لينقذه من إساءة من نوع مختلف.


الله يعرّي موسى (بالإستعانة بحجر عدّاء!)

في صحيح البخاري 278، نقرأ قصة عن إنقاذ الله لموسى من شائعة خبيثة أثارها اليهود بشأنه، و جاء ذلك الإنقاذ بأغرب طريقة ممكنة (كانتْ بنو إسرائيلَ يَغتَسِلونَ عُراةً ، يَنظُرُ بعضُهم إلى بعضٍ ، وكان موسى يَغتَسِلُ وحدَه ، فقالوا : واللهِ ما يَمنَعُ موسى أن يَغتَسِلَ معَنا إلا أنه آدَرُ ، فذهَب مرةً يغتسِلُ ، فوضَع ثوبَه على حجَرٍ ، ففَرَّ الحجَرُ بثوبِه ، فخرَج موسى في إثرِه ، يقولُ : ثوبي يا حجَرُ ، حتى نظرَتْ بنو إسرائيلَ إلى موسى ، فقالوا : واللهِ ما بموسى من بأسٍ ، وأخَذ ثوبَه ، فطفِق بالحجَرِ ضربًا . فقال أبو هُرَيرَةَ : واللهِ إنه لنُدَبٌ بالحجَرِ ، ستةٌ أو سبعةٌ ، ضربًا بالحجَرِ).

إذن، كليم الله كان يستحي من التعري أمام الناس، فأشاعوا بأنه لابد إذن آدر (أي مريض بانتفاخ الخصية)؛  و لكي ينقذ الله موسى من تشويه سمعته جعل الحجر يجري بثيابه ليستدرجه إلى الخروج عاريا- و انتى المشهد بان تلقى الحجر الخبيث عدة ضربات انتقامية من موسى الغاضب.

و نقرأ ذات القصة بتفاصيلها في التفاسير المختلفة للآية 69 من سورة الآحزاب (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَىٰ فَبرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْ وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهاً) فنقرأ في الطبري مثلا (عن ابن عبـاس، فـي قوله: "لاَ تَكُونُوا كالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى" قال: قال له قومه: إنك آدر، قال: فخرج ذات يوم يغتسل، فوضع ثـيابه علـى صخرة، فخرجت الصخرة تشتدّ بثـيابه، وخرج يتبعها عرياناً حتـى انتهت به إلـى مـجالس بنـي إسرائيـل، قال: فرأوه لـيس بآدر، قال: فذلك قوله: "فَبرَّأهُ اللَّهُ مِـمَّا قالُوا").

و أحد أوجه الطرافة في تلك القصة هي أن الإله- المهووس بالحشمة و التغطية- يلجأ إلى تعرية نبي عظيم فيجعله كما ولدته أمه أمام الجميع- و لا يجد سوى تلك الطريقة لتبرئته من تهمة هي ليست تهمة في الحقيقة و إنما نوع من المرض.

و بينما تم تصوير العري هنا على أنه إنقاذ لسمعة نبي، سنجد في موقف آخر أن العري سيقود نبيا آخر إلى مغامرة جنسية ساخنة جديرة بأن توضع في الصفحة الأولى في إحدى الصحف المتخصصة في فضائح المشاهير.


داود الزاني و مغامراته مع "نعجاته"
في الكتاب المقدس العبري (العهد القديم)، في صموئيل الثاني، إصحاح 11 و 12، نقرأ قصة عن داود أنه كان يتمشى على سطح بيته، فشاهد امرأة جميلة و هي تستحم، و سأل عنها فعلم أنها زوجة أوريا الحثي أحد قواده العسكريين الغائبين في الحرب ، فقام داود باستحضار المرأة إليه، و اسمها بثشبع، و أقام معها علاقة جنسية ثم أعادها إلى منزلها.

و لاحقا عادت بثشبع إلى داود لتخبره أنها حامل منه، فأرسل داود إلى أوريا يدعوه إلى العودة من الحرب و حاول بإلحاح إقناعه بالمبيت مع زوجته (لكي يمارس أوريا معها الجنس، و من ثم يُنسب الإبن له)، و لكن القائد المخلص رفض العودة إلى بيته المريح بينما الجنود يسكنون الخيام و أصر على العودة إلى الحرب.

فما كان من داود- سعيا لإخفاء الفضيحة بأي ثمن- إلا أن أرسل لقواده الآخرين يأمرهم بأن يجعلوا أوريا في مقدمة الجيش في وجه العدو ثم ينسحبوا من وراءه حتى يموت مقتولا- و هو ما حدث بالفعل- و بعد ذلك قام داود بضم أرملة يوريا- التي زنا بها- إلى نساءه في القصر.

تلك الأفعال أثارت انزعاج الرب، فأرسل إلى داود رجلا يدعى ناثان يحكي له قصة عن رجلين في مدينة واحدة: أحدهما غني له بقر و غنم كثير، و الثاني ليس له إلا نعجة واحدة صغيرة، فقام الرجل الغني بأخذ نعجة الفقير إلى نفسه، و حين سمع داود القصة غضب و صرح بأن الغني مجرم و يجب أن يتم قتله، ففاجئه ناثان بأنه يتحدث عنه و عما فعله مع أوريا بشكل رمزي، فندم داود على ما فعله و علم أنه أخطأ.


كالعادة نجد في القرآن ملمحا مبتسرا من القصة بشكل غير واضح إلا لمن يعرفها، فنقرأ في سورة ص، الآيات من 21-25، قوله (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ - إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ - إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ - قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ - فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ).

ربما الفارق الوحيد هنا أن من دخل على داود هما الخصمان أنفسهما (و لعلهما ملكان تنكرا و كذبا لتمثيل الدور كما تقول التفاسير)؛ و إن كان القرآن لا يشرح لنا ما هي تلك النعجات و لماذا استغفر داود و أناب، إلا أن التفاسير تكمل لنا الصورة.

نقرأ في تفسير الطبري للآية 23 (وهذا مثل ضربه الخصم المتسوّرون علـى داود محرابه له، وذلك أن داود كانت له فـيـما قـيـل: تسع وتسعون امرأة، وكانت للرجل الذي أغزاه حتـى قُتل امرأة واحدة، فلـما قُتل نكح فـيـما ذُكر داود امرأته).

أما القرطبي فيحكي القصة بتفصيل أكبر بشكل يكاد يكون مطابقا للرواية اليهودية (فبينا هو- داود- يقرأ الزبور إذ جاء طائر كأحسن ما يكون من الطير، فجعل يَدرُج بين يديه. فهمّ أن يتناوله بيده، فاستدرج حتى وقع في كوّة المحراب، فدنا منه ليأخذه فطار، فاطلع ليبصره فأشرف على امرأة تغتسل، فلما رأته غطت جسدها بشعرها. قال السدّي: فوقعت في قلبه. قال ابن عباس: وكان زوجها غازياً في سبيل الله وهو أورِيا بن حنان، فكتب داود إلى أمير الغزاة أن يجعل زوجها في حملة التابوت، وكان حملة التابوت إما أن يفتح الله عليهم أو يقتلوا، فقدّمه فيهم فقتل، فلما انقضت عدّتها خطبها داود) – و ينقل القرطبي حديثا عن محمد يؤكد ذلك السيناريو.

و نكتشف أن النبي سليمان ابن داود كان هو ثمرة ذلك الزنا للملك اليهودي مع زوجة قائده الغائب (بعكس الكتاب العبري، الذي لا يجعل سليمان ابنا لاحقا لبتشبع، و ليس ثمرة الزنا مباشرة).

ثم يضيف لنا القرطبي في تفسيره لفتة مشوقة عن ذلك التشبيه القرآني البليغ للنساء بأنهن نعاج(!)، فيقول (والعرب تكني عن المرأة بالنعجة والشاة؛ لما هي عليه من السكون والمعجَزة وضعف الجانب. وقد يكنى عنها بالبقرة والحِجْرة والناقة؛ لأن الكل مركوب؛ و هذا من أحسن التعريض حيث كنى بالنعاج عن النساء) .

هكذا نجد أن داود، الموصوف في الكتاب المقدس بأنه "حسب قلب الله" (صموئيل الثاني 13:14، و أعمال الرسل 13:22)، و الموصوف في القرآن بأن الله أتاه الحكمة (سورة ص 20) و جعله خليفة في الأرض (ص 26) لديه في حريمه تسعة و تسعون امرأة ( و لا ندري إن كن زوجات أم ملك يمين، جواري)، و لا يكتفي بهذا العدد بل يسمح لنفسه بالتلصص على زوجة رجل آخر عارية ثم يرتكب معها الزنا؛ و في حين يقوم الله في الكتاب المقدس بمعاقبة داود بشكل عجيب هو قتل الطفل الرضيع (!)، نجد أن الله في القرآن يتوب عليه و يغفر له فورا دون ذكر لعقاب (ص 25)، و في الحالتين لا نرى أي تطبيقا لحد الزنا المقدس في اليهودية و الإسلام على السواء- فيبدو أن علاقتك الخاصة مع الله يمكن أن تعفيك من العقوبات.

و الطريف أيضا أن تلك الحماسة الجنسية سيرثها النبي الآخر ابن بثشبع، الذي سيتفوق على أبيه فيقوم بمعاشرة نفس العدد الكبير من النعجات- عفوا النساء- في ليلة واحدة!


سليمان و الرقم القياسي للجنس
نقرأ في صحيح البخاري 6639 أن سليمان عاشر مائة امرأة تقريبا، آملا أن ينجبن جميعهن فرسانا مجاهدين، و لكن تجاهله لقول "إن شاء الله" سيطيح بتلك الخطة الجليلة (قالَ سُلَيْمانُ بنُ داودَ عليهما السَّلامُ : لأطوفنَّ اللَّيلةَ علَى مائةِ امرأةٍ أو تِسعٍ وتِسعينَ كلُّهنَّ يأتي بفارسٍ يُجاهدُ في سبيلِ اللَّهِ فقالَ لهُ صاحبُهُ قُل إن شاءَ اللَّهُ فلَم يقُل إن شاءَ اللَّهُ فلَم يَحمَل منهنَّ إلَّا امرأةٌ واحدةٌ جاءَت بشقِّ رجُلٍ والَّذي نفسُ محمَّدٍ بيدِهِ لَو قالَ : إن شاءَ اللَّهُ ، لجاهدوا في سبيلِ اللَّهِ فُرسانًا أجمعونَ)، و تكرر الحديث في البخاري أيضا بأرقام 6639 و 7469 و 7620 و 5242 و 3424 و في صحيح مسلم 1654 و غيرها من مصادر الأحاديث، ذاكرا أعدادا مختلفة للنساء، فمرة مائة امرأة، و مرة تسعة و تسعين، و مرة سبعين، و مرة ستين..إلخ.

الإحتفاظ بهذا العدد الهائل من النساء، مع تلك الفحولة الجنسية الملفتة ، يبدو أنها من مميزات النبوة التي يمنحها الله لمن يشاء من عباده الأتقياء جدا.

يعلق الإمام الحافظ ابن حجر على قصة سليمان، فيقول في فتح الباري بشرح صحيح البخاري 6\533 (وفيه ما خص به الأنبياء من القوة على الجماع الدال ذلك على صحة البنية، وقوة الفحولية، وكمال الرجولية، مع ما هم فيه من الاشتغال بالعبادة والعلوم).

وقال المناوي في فيض القدير 4\659 (إن سليمان - عليه السلام - تمنى أن يكون له ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، فأعطي الملك، وأعطي القوة في الجماع؛ ليتم له الملك على خرق العادة من كل الجهات؛ لأن الملوك يتخذون من الحرائر والسراري بقدر ما أحل لهم ويستطيعونه، فأعطي سليمان - عليه السلام - تلك الخصوصية ليتميز بها عنهم، فكان نساؤه من جنس ملكه الذي لا ينبغي لأحد من بعده).

و يقول الإمام النووي في شرح صحيح مسلم 6\2570 (وفي هذا بيان ما خص به الأنبياء - صلوات الله تعالى وسلامه عليهم - من القوة على إطاقة هذا في ليلة واحدة، وكان نبينا - صلى الله عليه وسلم - يطوف على إحدى عشرة امرأة له في الساعة الواحدة، كما ثبت في الصحيحين، وهذا كله من زيادة القوة).

لم يكتب أن سليمان اعتدى على امرأة بوجه خاص، كما فعل أبيه بأمه ، و لكن الرجل احتفظ أيضا بعدد هائل من الجواري (ملك يمين) (يخبرنا الكتاب المقدس أنهن ثلثمائة جارية، بالإضافة إلى سبعمائة زوجة، و كانت نساءه من جنسيات مختلفة (الملوك الأول، إصحاح11: 1-4)) ؛ و بغض النظر عن أن التسري هو نوع من الإغتصاب تحله الأديان الإبراهيمية ، إلا أن حتى تعدد الزوجات (رضائيا) بهذا الشكل المفرط، مع التركيز على الجانب الجنسي - و الإنجابي- للعلاقة، فهو أمر يقطع بأن نهج معاملة المرأة كالنعجة استمر إلى ما بعد داود أيضا- و لاحقا سنتكلم بشكل أوسع عن الأمرين: التسري و التعدد.

المهم أن ذلك الطواف السليماني على الزوجات ينقلنا إلى سيرة نبي الإسلام، الذي وصلنا عنه تعامل مع عدد من النساء أقل نوعا من داود و سليمان، و لكن مع ذلك وصلنا عنه عددا أكبر من التفاصيل الغريبة، و الفضائحية و المنحطة و المشينة في بعض الأحيان.

نبدأ أولا بالدين و التشريع، ثم ننتقل إلى السلوك الشخصي للنبي.

المقدمة وفهرس الأجزاء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق